كيف أجبر تحذير السيد حسن نصر الله تل أبيب على التراجع
– في حين أن المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والکيان الصهيوني عبر الوسيط الأمريكي لم تؤد إلى نتائج ملموسة في الأسابيع الماضية، لكن يفترض أن يسافر عاموس هولشتاين، ممثل الولايات المتحدة في المفاوضات، إلى بيروت والأراضي المحتلة مرةً أخرى، حتى يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية.
المسؤولون الصهاينة قالوا إن الکيان قدَّم اقتراحاً جدياً وهو الاقتراح الأول منذ بدء المفاوضات، وأضافوا إنهم ينتظرون نتائج مفاوضات الوسيط الأمريكي في بيروت، وإذا تم إحراز تقدم مهم وعملي، فمن المحتمل أن يريد هولشتاين أن يلتقي الجانبان في بلدة الناقورة.
يقال إن اقتراح تل أبيب يتعلق بهوية الشركة التي ستكون مسؤولةً عن الاستخراج، وأحد هذه الاحتمالات هو أن شركة توتال الفرنسية تتحمل هذه المسؤولية، وتقوم بشكل مشترك بتخصيص موارد الغاز للطرفين.
كما أعرب بعض المسؤولين اللبنانيين عن تفاؤلهم بهذه الجولة من المفاوضات التي ستعقد في الأيام المقبلة، وأن احتمال التوصل إلى اتفاق بين الجانبين ليس بعيد المنال.
تراجع إسرائيل بعد تحذير نصر الله
المسؤولون في تل أبيب، الذين رفضوا حتى وقت قريب الاعتراف بحقوق لبنان القانونية في حقل “كاريش” للغاز في البحر الأبيض المتوسط، لكنهم تراجعوا عن هذا الموقف في الأيام الأخيرة.
ويأتي التغيير في لهجة المسؤولين في تل أبيب وجهودهم المبذولة لاستئناف المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحرية، بعد أن حذَّر السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في خطابه الأخير الصهاينة من أي عمل منفرد في حقول الغاز المشتركة.
حيث قال نصر الله إنه إذا لم يتمكن اللبنانيون من الوصول إلى موارد الغاز في حقل کاريش، فلن يتمكن الصهاينة من استغلالها، ولن يسمح حزب الله باستخراجها بالقوة العسكرية. وحذر نصر الله من أن المقاومة لا تبحث عن حرب، لكن “إسرائيل” قد تقودهم إلى مواجهة عسكرية.
بسبب الوضع غير المستقر في الأراضي المحتلة، حتى أن نصر الله تنبأ بالمستقبل المتدهور لهذا الکيان في المستقبل القريب، حتى لا تخطئ سلطات تل أبيب التقدير في أي عمل ضد محور المقاومة، لأن الإجراءات غير المحسوبة تؤدي فقط إلى تسريع انهيارها.
تحذيرات نصر الله مبنية على فرضية أنه إذا كان على لبنان ألا يستفيد من موارد الغاز، فلا ينبغي للکيان الصهيوني أن يضع يده عليها أيضًا، وكان إرسال حزب الله لثلاث طائرات استطلاع دون طيار في الأسابيع الأخيرة إلى حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، بمثابة تحذير من أنه إذا استمر الصهاينة في النزعة الأحادية الجانب في هذه الحقول، فإن إصبع المقاومة على الزناد لجعل العدو يندم على ما فعله.
كلام الأمين العام لحزب الله بأنه لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو على الأرض لا تستطيع صواريخ المقاومة الدقيقة الوصول إليه، سقط مثل المطرقة على رؤوس الصهاينة، الذين لاذوا سريعاً إلى مندوب واشنطن ليزيل شبح الحرب من سماء الأراضي المحتلة.
من ناحية أخرى، تضمن كلام نصر الله، إضافة إلى كونه تحذيرًا لسلطات تل أبيب، رسالةً لرجال الدولة في البيت الأبيض أيضًا، بأن الوسيط الأمريكي ليس محايدًا في المفاوضات، ولا يمكن متابعة المفاوضات حول حقول الغاز بالطريقة الحالية، وعلى واشنطن أن تكف عن الانحياز الصريح للکيان الإسرائيلي، لأن هناك طرقاً أخرى أيضًا للتعامل مع هذه القضية.
يحتوي حقل كاريش للغاز على كميات كبيرة من الطاقة، ويمكنه تغيير مصير اللبنانيين الذين يعانون من أزمات اقتصادية بشكل كامل. لذلك، هذه المرة، حزب الله والسلطات اللبنانية غير مستعدين للتراجع عن مواقفهم في ملف ترسيم الحدود البحرية، والجهود الأمريكية لقطع موارد الغاز عن لبنان لن تؤتي أکلها.
بالنظر إلى أن الکيان الصهيوني بحاجة ماسة إلى موارد الغاز لنقلها إلى الدول الأوروبية، فإنه لا يريد الدخول في توتر مع لبنان، وتعلم سلطات تل أبيب جيدًا أن نصر الله سيفي بوعوده.
كما أعلنت وسائل الإعلام العبرية بعد خطاب نصر الله، أن المواطنين الإسرائيليين يؤمنون بتحقق وعود نصر الله أكثر من المسؤولين في تل أبيب. وقد تسببت تحذيرات حزب الله في حالة من الذعر بين الصهاينة، لدرجة أن جيش الکيان وضع في حالة تأهب بسبب ردود الفعل المحتملة من قبل قوات المقاومة في حقل کاريش.
يعرف الإسرائيليون أن الصراع المقبل مع حزب الله لن يقتصر على حدود لبنان وفلسطين المحتلة، بل سيمتد إلی المنطقة بأكملها، ولهذا السبب يحاولون النظر في جميع الجوانب. لأن هجوم حزب الله المحتمل لن يستهدف حقول الغاز فقط، بل جميع الأراضي المحتلة.
تل أبيب تدرك حقيقة أنها إذا كانت ستجري عمليات حفر واستخراج من حقل الغاز المشترك فعليها أن تتعاون مع لبنان، وإلا فإنها ستخوض حرباً مع حزب الله، والوصول إلى 50 بالمئة من موارد الطاقة أفضل من صفر بالمئة.
من ناحية أخرى، فإن الصراع في الوضع الذي تدور فيه الحرب في أوكرانيا ليس في مصلحة الصهاينة والغرب، ولا تستطيع أمريكا وأوروبا مساعدة تل أبيب الآن بسبب الصراع مع روسيا.
في السنوات الأولى لتأسيسه المزيف، كان الجيش الإسرائيلي قوياً لدرجة أنه خاض الحرب مع العديد من الدول العربية وحقق انتصارات ضد العرب، ولكن بعد سبعة عقود، أصبح الآن في وضع يخشى فيه حتى من تهديدات حزب الله.
کما أظهر حزب الله في السنوات الأخيرة أنه غيّر المعادلات ضد الکيان الصهيوني، وحقَّق ردعاً يمكنه أن يمنع النوم من أعين الصهاينة. وخطابات نصرالله حول إنجازات المقاومة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، أرعبت سلطات تل أبيب غير المستعدة لتجربة صراع آخر مع المقاومة.
اعترف الصهاينة مرارًا وتكرارًا أنه في حالة حدوث نزاع، فإن حزب الله قادر على إطلاق 1000 صاروخ يوميًا باتجاه الأراضي المحتلة، وبحسب القدرات الصاروخية لقوات المقاومة، فإن جميع الأراضي المحتلة تقع في مرمى صواريخ هذه المجموعات.
هذا في حين أن الکيان الصهيوني يعيش الآن وضعاً غير مستقر، وقد اعترف مسؤولو الأمن الإسرائيليون مؤخرًا أنه في حالة اندلاع حرب، لن تتمكن القوات البرية والجوية في تل أبيب من التعامل مع التهديدات الخارجية.
بتحذيراته أقام الأمين العام لحزب الله الحجة علی الصهاينة وألقى الكرة في ملعب تل أبيب، ليعلنوا قرارهم النهائي بأنهم يريدون اختيار طريق التعايش في حقول الغاز أو الذهاب إلى حرب لن تنتهي بشكل يرضي الصهاينة. كما أن الموقف الأخير لسلطات تل أبيب يظهر أنهم عادوا إلى رشدهم واختاروا المسار المنخفض التكلفة، لأنهم لا يريدون تذوق الهزيمة علی يد المقاومة مرةً أخرى.
المصدر/ الوقت