إحياء مطار رامون… مشروع لمصلحة تركيا والکيان الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين
انتشرت في الأيام الأخيرة أنباء مختلفة عن إمكانية تسهيل سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون، أحد مشاريع البناء الفاشلة للکيان الصهيوني.
يقال إن جو بايدن، عشية زيارته الأخيرة إلى الأراضي المحتلة، اقترح أنه مقابل موافقة السلطة الفلسطينية على إغلاق ملف الجرائم الإسرائيلية في المحكمة الجنائية الدولية، سيتم تخصيص مطار رامون للفلسطينيين للسفر إلى الخارج.
قصة مطار رامون
تم تشغيل مطار أساف رامون، على بعد 11 كيلومترًا شمال إيلات، في عام 2019. هذا المطار هو ثاني أكبر مطار في الأراضي المحتلة بعد مطار بن غوريون في تل أبيب.
بدأ بناء مطار رامون بعد حرب عام 2014 بين حماس والکيان الإسرائيلي. في ذلك الوقت، زعمت اللجنة الأمنية التابعة للکيان الصهيوني، بالاعتماد على تقريرها، أن مطار بن غوريون لا يمكن أن يعمل في الأوقات الحرجة بسبب نقاط الضعف الأمنية في مواجهة صواريخ فصائل المقاومة الفلسطينية، ولهذا السبب بدأت خطة تطوير مطار رامون.
بينما كانت سلطات الکيان الصهيوني تأمل في أن يؤدي إنشاء مطار رامون الجديد، إضافة إلى زيادة عامل سلامة الطيران في حالات الطوارئ، إلى تطوير صناعة السياحة في إيلات، أحد مراكز الجذب السياحي في الأراضي المحتلة، لکن سرعان ما فشلت هذه العملية.
وتشير الإحصاءات إلى أنه بينما استخدم أكثر من 348 ألف مسافر مطار رامون في عام 2019، انخفض هذا الاتجاه بسرعة بسبب تأثير أزمة كورونا؛ حيث بلغ عدد ركاب هذا المطار في عامي 2020 و 2021، 126 ألفاً و 4800 باتجاه تنازلي على التوالي.
وبينما كان الصهاينة يأملون أنه بانتهاء جائحة كورونا سيتوقف الاتجاه التنازلي في تشغيل هذا المطار، لكن الإحصاءات الرسمية لسلطات الکيان تظهر أن هذا الرقم انخفض بشكل ملحوظ إلى 9 رحلات فقط و 20 راكبًا في ربيع عام 2022، ليتضح أن الـ600 مليون دولار التي أنفقت على إنشاء هذا المطار كانت غير فعالة.
مع الإعلان عن فشل مشروع تشغيل مطار رامون، طرحت سلطات تل أبيب على الفور حلاً جديداً بهدف إحياء هذا المطار وعودة رأس المال المنفق.
وبناءً على ذلك، أعلنت وسائل إعلام الکيان الصهيوني عن مفاوضات بين وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، من أجل تسهيل سفر الفلسطينيين والخروج من الأراضي المحتلة عبر مطار رامون بدلاً من السفر إلى الأردن.
تصور وسائل الإعلام عرض الکيان الإسرائيلي الأخير على أنه عمل يظهر حسن نيته تجاه الفلسطينيين، لكن الجميع يعتقد أن هذا الاقتراح قُدم بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة للمنطقة، كمناورة سياسية فقط بهدف تأمين المصالح الاقتصادية للکيان.
كيف يسافر الفلسطينيون خارج الأراضي المحتلة؟
قبل اندلاع حرب 1967 بين الدول العربية والکيان الصهيوني، کان مطار القدس الدولي في شمال هذه المدينة يستضيف طائرات ركاب متجهة إلى الأردن، ومن هناك إلى أجزاء أخرى من العالم.
لكن بعد احتلال “إسرائيل” للقدس عام 1981، تم ضم هذا المطار رسميًا إلى الأراضي المحتلة واستخدامه للرحلات الداخلية. وهکذا، انتهى نشاط مطار القدس الدولي أخيرًا في عام 2001، وبدلاً من ذلك أقيمت مستوطنة صهيونية على أرض هذا المطار، بحيث أصبح المطار الفلسطيني الوحيد مكانًا لسكن مئات العائلات الصهيونية.
منذ احتلال الکيان الصهيوني للقدس حتى اليوم، يعتبر الأردن القناة الوحيدة لتواصل الفلسطينيين مع العالم الخارجي. حيث إنه للسفر إلى أجزاء أخرى من العالم، يذهب الفلسطينيون أولاً إلى مدينة أريحا الخاضعة للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، ومن هناك يذهبون إلى الأردن.
ومن أجل إصدار تصريح مغادرة البلاد، يدفع كل فلسطيني رسوم مرور تصل إلى 46 دولارًا، ثم يستقل حافلةً إلى منطقة معبر الكرامة(جسر ألنبي” الخاضعة لاحتلال الکيان الصهيوني. وعند معبر الكرامة، وبعد فحص شامل والتحقق من وثائق الهوية، يتم نقل كل شخص بالحافلة إلى الجانب الآخر من المعبر، وهو جسر الملك حسين الخاضع للحكم الأردني.
هنا يتم فحص وثائق هوية كل شخص للمرة الثالثة، وإذا لم يكن لدى الفلسطيني جواز سفر أردني، فعليه دفع 14 دولارًا أخرى كرسوم خروج للحكومة الأردنية. وإذا أراد فلسطيني السفر خارج الأردن، فإنه يتوجه إلى مطار الملكة علياء الدولي حتى يتمكن من مغادرة هذا البلد بعد المرحلة الرابعة من التفتيش ومراجعة وثائق هويته.
لكن هذا الطريق أصبح طريقًا صعبًا وشاقًا للغاية للفلسطينيين بسبب ساعات العمل المحدودة للمعابر خلال النهار والليل، فضلاً عن الازدحام في أيام العطلات.
وفي الوقت نفسه الذي ترددت فيه تكهنات حول إمكانية استخدام الفلسطينيين لمطار رامون بدلاً من الطريق الأردني، عارض بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية هذا الاقتراح.
وحسب السلطات الفلسطينية، فإن تنفيذ هذه الخطة سيزيد من اعتماد الفلسطينيين على الکيان الصهيوني وفي نفس الوقت يقلل بشكل كبير من سفر الفلسطينيين من الأردن، ولا تسعى رام الله إلى إضعاف علاقاتها مع عمان.
في الوقت نفسه، صرح موسى رحال، وزير النقل والمواصلات في منظمة السلطة الفلسطينية، بعد رفض الاقتراح المذكور، أننا طلبنا من “إسرائيل” تسليم مطار القدس إلينا، وإعادة بناء مطار غزة، والسماح للسلطة الفلسطينية ببناء مطارها الثالث في الضفة الغربية لتسهيل سفر الفلسطينيين إلى الخارج، وهي طلبات ظلت دون إجابة من الجانب الإسرائيلي حتى الآن. ومع ذلك، هذه ليست نهاية القصة.
تركيا ومطار رامون؛ هل إعادة العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب تتحقق من خلال الفلسطينيين؟
بينما اعتقد الجميع أن الخطة الصهيونية لجعل الفلسطينيين أكثر اعتماداً على المحتلين قد فشلت، فإن إحياء العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب أحيی الآمال في تجديد هذا المشروع الصهيوني.
في 24 مايو 2022، غادر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى رام الله بعد زيارة الأراضي المحتلة والتشاور مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد وزيارة متحف الهولوكوست في القدس، وفي لقائه مع محمود عباس، كشف عن اتفاق جديد بين أنقرة وتل أبيب.
خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، كان الکيان الصهيوني قد منع شركات الطيران الإسرائيلية من السفر إلى مختلف المدن التركية لدواعٍ أمنية.
لم تستطع العديد من شركات الطيران الإسرائيلية مثل العال وآرکيا وإسرا-إير السفر إلى تركيا، والسبب في ذلك هو الخلاف بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين حول الترتيبات الأمنية للطيران، والبنى التحتية الأمنية والمراقبة، وتفتيش المسافرين الذي فرضه الإسرائيليون على مطارات دول أخرى في العالم، ورفضت السلطات التركية قبول هذه الشروط أحادية الجانب للکيان الإسرائيلي.
ومع ذلك، وافقت السلطات التركية أخيرًا على الشروط الأمنية للکيان الإسرائيلي لأول مرة منذ عام 1951، من أجل تسيير رحلات الشركات الإسرائيلية إلى تركيا، بعد زيارة جاويش أوغلو إلى الأراضي المحتلة.
وبعد هذه الزيارة مباشرةً، بدأت شركات الطيران الإسرائيلية في إعادة توظيف مئات الطيارين الجدد، وفي حالة واحدة فقط استدعت شركة العال 50 من طياريها لاستئناف عملياتها.
طبعاً القصة لا تنتهي عند هذا الحد. لأنه وفقًا للاتفاقية الجديدة بين أنقرة وتل أبيب، فإن أحد الخيارات المربحة لشركات الطيران التركية، هو إمكانية سفر الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية إلى تركيا عبر مطار رامون، واستخدام رحلات شركات تركية.
إن تسهيل سفر السياح الفلسطينيين إلى تركيا وتحويل اسطنبول إلى البوابة الرئيسية للفلسطينيين للتفاعل مع العالم الخارجي، يمكن أن يساعد اقتصاد ترکيا الذي يعاني من الأزمة في الأوقات الصعبة الحالية.
ومن المتوقع الآن أن تملأ الخطوط الجوية التركية، التي تسيِّر 10 رحلات يومية إلى الأراضي المحتلة، المقاعد الفارغة للمسافرين الإسرائيليين بالركاب الفلسطينيين في مطار رامون في طريق عودتها. ويُقال إنه من المقرر أن تغادر 3 رحلات تابعة لشركة بيجاسوس للطيران إلى تركيا من مطار رامون كل أسبوع.
وفي هذا الصدد، أعلن الکيان الإسرائيلي أنه سيتم اتخاذ الاستعدادات اللازمة لأول رحلة لشركة طيران بيجاسوس التركية من مطار رامون في أوائل أغسطس. في غضون ذلك، يبدو أن الجانب الإسرائيلي هو الذي يمكنه، بناءً على الاتفاق مع شريكه التركي، تحديد المطارات الدولية في “إسرائيل” التي ستهبط فيها رحلات الخطوط الجوية التركية وخطوط بيجاسوس الجوية.
في هذه الأثناء، إذا تم تنفيذ مشروع استخدام الفلسطينيين لمطار رامون، فإن الخاسر الأكبر بعد الفلسطينيين سيكون الأردن، الذي لن تستضيف بلاده بعد الآن المسافرين الفلسطينيين للطيران إلى جميع أنحاء العالم.
الاتفاقات خلف الكواليس بين أنقرة وتل أبيب علی حساب الفلسطينيين لا تقتصر عند هذا الحد، لأن الأنباء تشير إلى أن تركيا تتطلع إلى تفعيل مشروع خاص آخر، وهو منطقة التجارة الحرة في جنين في الضفة الغربية.
تركيا ومشروع منطقة التجارة الحرة في جنين
في عام 2006، جمع أحد مراكز الأبحاث التركية المسماة TEPAV أعضاء غرفة التجارة والصناعة والزراعة الفلسطينية واتحاد الصناعيين الإسرائيليين، واقترح تطوير العلاقات الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال إنشاء منطقة تجارة حرة.
هذه المنطقة كانت تسمى في البداية TOBB-BIS، ولكن بعد انسحاب الفلسطينيين من هذا المشروع، قررت الشركة التركية المصممة في عام 2010 بناء هذه المنطقة التجارية تحت اسم منطقة جنين الصناعية، بالتعاون مع الرأسماليين الإسرائيليين وبعض الشخصيات المؤثرة المقربة من كبار المسؤولين الفلسطينيين.
هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها 3.6 كم وتقع شمال جنين بالقرب من الخط الأخضر في الأرض المعروفة بـ “ج”، تقع على بعد 45 كم من ميناء حيفا و 20 كم من حدود الأردن، وسيتم تأجيرها من قبل تركيا لمدة 98 عامًا.
مع بدء الخطوات العملية لإعادة العلاقات السياسية بين الکيان الإسرائيلي وتركيا، وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على بدء المرحلة التشغيلية لمنطقة جنين الصناعية في فبراير 2021.
يقال إنه في المرحلة الأولى، سيعمل 1200 عامل فلسطيني في هذه المنطقة، وفي المراحل المقبلة، سيصل هذا الرقم إلى 6000 شخص. كما سيبدأ 130 مصنعًا متقدمًا العمل في هذه المنطقة.
في غضون ذلك، سيصبح مطار رامون، الذي کان في السابق رمزًا لمشروع مكلف لكنه فاشل للکيان الصهيوني، خطوةً مشتركةً بين أنقرة وتل أبيب لتوسيع التعاون الثنائي بمساعدة الحكومة التركية.
في هذه الأثناء، يبدو أن الفلسطينيين سيعتمدون أكثر فأكثر على البنية التحتية الحيوية للکيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه، فإن الأردن، كدولة عربية إسلامية، سوف يُحرم من قبول المسافرين الفلسطينيين إلى أقصى أنحاء العالم.
بعد 12 عامًا من الهجوم الإسرائيلي على سفينة مافي مرمرة، تتخذ أنقرة وتل أبيب الآن خطوات نحو تطبيع العلاقات السياسية وإحيائها. وفي غضون ذلك، أصبح مطار رامون شمال إيلات أحد المشاريع التجارية المربحة للجانبين، الأمر الذي يحدث على حساب تبعية الشعب الفلسطيني للکيان الإسرائيلي أکثر فأکثر.
المصدر/ الوقت