تقليد أوروبا للسياسات الأمريكية.. كيف أظهر الترحيب بقاتل “خاشقجي” الوجه المنافق للغرب
تظهر جولة السفر الخارجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي بدأت في غرب آسيا وتركيا ووصلت الآن إلى الدول الغربية، أن سلسلة التطورات العالمية تسير جنبًا إلى جنب خروج الأمير السعودي الطموح من عزلته و كابوس قضية “جمال خاشقجي”.
هل سينتهي كابوس “خاشقجي” بالنسبة لبن سلمان؟
قبل حوالي 4 سنوات في أكتوبر 2018، قُتل جمال خاشقجي، الصحفي الناقد للنظام السعودي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بوحشية في القنصلية السعودية في إسطنبول بأوامر مباشرة من محمد بن سلمان. في ذلك الوقت قطعت تركيا علاقاتها مع السعودية وولي عهدها وأعلنت أن على الرياض تسليم كل المتهمين بقتل خاشقجي إلى الحكومة التركية. ولكن بعد 4 سنوات من مقتل خاشقجي، وبينما تم إغلاق هذه القضية بشكل مشبوه مع عدم محاكمة وعقاب المجرمين الرئيسيين، قامت أنقرة بتحويل موقفها 180 درجة من خلال تسليم القضية المذكورة إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يرجع إلى سياسة رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، وتقلبه في كثير من المواقف. حيث فتح رئيس تركيا باب المصالحة مع الرياض في وضع يمر فيه هذا البلد بأزمة اقتصادية غير مسبوقة ويأمل أردوغان الاستفادة من السعوديين في هذا الصدد.
لكن بغض النظر عن أهداف تركيا وأهداف أردوغان الشخصية للمصالحة مع السعودية، كان بن سلمان أحد المستفيدين الرئيسيين من نهج أنقرة وتمكن من استخدام هذه القضية لتحسين صورته وتبرئته من جريمة قتل خاشقجي. وخاصة في الوضع الحالي حيث تفاقمت أمراض “سلمان بن عبد العزيز” الملك السعودي ويريد ولي العهد الشاب الجلوس على العرش ويجب أن يكون قادراً على استقطاب دعم الأطراف الإقليمية والدولية.
كيف يتم الكشف عن نفاق الغربيين في الدفاع عن حقوق الإنسان؟
لكن باستثناء الأتراك، الذين وقعت في بلادهم جريمة قتل خاشقجي، كانت أمريكا والدول الغربية من بين الأطراف الأكثر وضوحًا التي فرضت إجراءات عقابية ضد محمد بن سلمان، بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان؛ حتى أنه خلال هذه السنوات، ذكر الغربيون أن بن سلمان منتهك بارز لحقوق الإنسان، وكان يُعرف باسم “سيد المنشار” بين الدول الغربية.
وتسببت هذه القضية في عزل بن سلمان عن الأوساط الإقليمية والعالمية لمدة أربع سنوات، وعامله رؤساء الدول بمهانة في لقاءات عقدت بحضور ولي العهد السعودي. لكن هذه الضغوط ازدادت عندما وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملته الانتخابية عام 2020، بكسب رأي الأمريكيين بأنه في حال فوزه بهذه الانتخابات، فإنه سيعيد فتح ملف حقوق الإنسان السعودي، لا سيما قضية مقتل جمال خاشقجي وأنه سوف يسعى لإحداث تغييراً جوهرياً في مكانة النشطاء والمنتقدين في السعودية. حتى أن بايدن اتخذ موقفًا متشددًا ضد بن سلمان، قائلاً إنه على عكس دونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة، فإنه لن ينتبه إلى بن سلمان وسيتواصل مباشرة مع الملك سلمان بشأن العلاقات مع المملكة العربية السعودية؛ وهي قضية لم ترض بن سلمان وضاعفت حصار الغرب عليه.
لكن في المرحلة الجديدة، حدثت تطورات على المستوى العالمي طويت الصفحة وأظهرت أن حقوق الإنسان بالنسبة للأمريكيين والأوروبيين ليست سوى ورقة لعب يمكن التخلص منها عند الضرورة. بعبارة أخرى، حقوق الإنسان لها معنى بالنسبة للغرب وأمريكا عندما تخدم مصالحهما، وإلا فإنهم يجدون ذريعة لتجاهلها.
كانت أوضح حالة لفضح فضيحة الغربيين والأمريكيين في دعاواهم الحقوقية هي رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، عندما وصل جدة وسط استقبال بارد من السعوديين، وبينما قال إنه لن يتحدث أبدًا مع بن سلمان، جلس أمامه ولم يقل شيئًا عن خاشقجي. حتى أن سلوك بايدن هذا أثار انتقادات العديد من الصحفيين الحاضرين في لقائه الثنائي مع ولي العهد السعودي، وكذلك ناشطين في أمريكا والغرب، وتم اعتباره علامة على نفاق رئيس الولايات المتحدة وحكومته.
في حالة أدت فيها سياسات العقوبات الأمريكية ضد روسيا خلال الأزمة الأوكرانية إلى نتائج عكسية ودفع الأمريكيون والأوروبيون أنفسهم الثمن، فإن بايدن، إلى جانب بعض الدوافع الأخرى، سعى إلى إقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط وتعويض نقص الوقود في البلاد. لقد تراجعت أمريكا وأوروبا أمام بن سلمان، لكن بايدن عاد في النهاية إلى البيت الأبيض دون تحقيق أي من هذه الأهداف. ويبدو أن الإنجاز الوحيد لرحلة بايدن الإقليمية كان الكشف عن الوجه المنافق للحكومة الأمريكية وجميع حلفائها الغربيين.
جولة بن سلمان الأوروبية والترحيب الغربي الحار بقاتل خاشقجي
بعد فترة وجيزة من رحلة بايدن إلى المملكة العربية السعودية، بدأ محمد بن سلمان، الذي يشعر بأنه يخرج من عزلته، هذه المرة جولة في الرحلات الأوروبية للحصول على موافقة الغرب رسميًا على تبرئة نفسه من جريمة قتل خاشقجي. وقبل 3 أيام ذهب بن سلمان إلى اليونان في أول رحلة له إلى دول الاتحاد الأوروبي بعد مقتل خاشقجي ووقع عدة اتفاقيات تعاون مع هذا البلد. لكن نقطة التحول في جولة بن سلمان الأوروبية كانت رحلته إلى فرنسا والعشاء مع الرئيس إيمانويل ماكرون. وأثارت هذه الرحلة غضب النشطاء وجماعات حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه، تقدمت ثلاث مجموعات مدنية أيضًا بشكوى أمام المحاكم الفرنسية، تطالب بمحاكمة محمد بن سلمان المتهم بارتكاب “تعذيب وقتل” جمال خاشقجي.
إحدى المجموعات التي تقدمت بالشكوى تسمى “الديمقراطية للعالم العربي الآن”، والتي تقول إن فرنسا هي واحدة من الدول القليلة في العالم التي يمكن محاكمة محمد بن سلمان فيها. وقال “بنديكت جانيراد” من منظمة “هيومن رايتس ووتش”، ردا على هذه الرحلة، إن ماكرون، دون “التزام قوي وصلب” بحقوق الإنسان، خاطر بـ “تبييض” الوجه المشوه لمحمد بن سلمان.
لكن يبدو أن هذه الانتقادات ليست مهمة للغاية بالنسبة للزعماء الأوروبيين، بمن فيهم ماكرون، حيث قالت “إليزابيث بورن”، رئيسة وزراء فرنسا، رداً على الانتقادات، إنه بالنظر إلى الوضع الحالي، فإنه ليس منطقيا بالنسبة لأهالي هذا البلد أن لا يقوم رئيسهم بالتباحث مع قادة العالم للحصول على الطاقة.
الامتثال الأوروبي للسياسة الأمريكية في الحالة السعودية
تريد فرنسا، شأنها شأن دول أوروبية أخرى، أن ترفع السعودية إنتاجها النفطي بعد أزمة الطاقة العالمية، على غرار دول أوروبية أخرى. ويعتقد “كريستيان أولريتشسن”، الباحث في معهد بيكر بجامعة رايس في أمريكا، أن إقامة ولي العهد السعودي في أوروبا تمثل خطوة رمزية للغاية بعد عزلته في أعقاب مقتل خاشقجي.
بالطبع، لم تكن اليونان وفرنسا الطرفان الوحيدان اللذان رحبا بزيارة بن سلمان إلى أوروبا. وبدلاً من ذلك ، قال “بيتر ستانو”، المتحدث الرئيسي باسم السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، في اجتماع، رغم الانتقادات العالمية لولي العهد السعودي: “هذا جزء من العملية الطبيعية لعلاقاتنا، والتي تشمل تعزيز العلاقات ودراستها والارتقاء بها مع الدول الاخرى. كما أن الاتحاد الأوروبي مهتم بتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات، بما في ذلك مجال الطاقة”. بالطبع لا ينبغي أن نتجاهل حقيقة أن الأوروبيين والأمريكيين كانوا المصدر الرئيسي للأسلحة للسعودية خلال 8 سنوات من الحرب المدمرة في اليمن، على الرغم من كل مزاعم حقوق الإنسان.
بينما يحاول الأوروبيون تشجيع المملكة العربية السعودية على حل أزمة الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة وفق الطريقة الأمريكية، يحاول محمد بن سلمان أيضًا تحسين صورته المشوهة، باستثناء الولايات المتحدة، ويسعى أيضًا للحصول على دعم الأوروبيين لإيجاد موقع إقليمي وتسهيل عملية الوصول إلى العرش في السعودية. لكن يعتقد الكثيرون أنه إذا كانت أوروبا تعتزم خلق غطاء سياسي كامل لابن سلمان ودفن قضية مقتل خاشقجي بالكامل مقابل الطاقة، فإنها ستعاني من الازدواجية، وبالطبع ضمان زيادة إنتاج النفط السعودي؛ ليست الطريقة التي يريدها الغرب وأمريكا وعلى وجه الخصوص، أنه لا يمكن للسعوديين الانسحاب من اتفاقهم مع روسيا في أوبك بلس.
المصدر/ الوقت