الديمقراطية الغربية تتجسد في محاربة “انستغرام” للفلسطينيين
بعد أن عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بأكملها بعشرات الصور والمقاطع المصورة التي تظهر جرائم الصهاينة في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات طويلة، حظرت موقع التواصل الاجتماعي “إنستغرام” إعادة نشر صورة الشهيدة الفلسطينية آلاء قدوم البالغ من العمر 5 سنوات والتي كانت قد استشهدت في اعتداءات هذا الكيان على قطاع غزة، في تحالف كامل مع العدو الصهيوني للتستر على جرائمه في قتل أهالي غزة، فيما قوبل هذا الإجراء من قبل إدارة إنستغرام باحتجاجات وانتقادات واسعة من ناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان وبالأخص في فلسطين.
تواطؤ كبير
من منا لا يتذكر انخراط موقع “انستغرام” مع العدو الصهيونيّ في المعركة الإعلاميّة التي رافقت حرب الـ11 يوماً على غزة، وقيامه بمنع ظهور منشورات وقصص أحداث الشيخ جراح بالعاصمة الفلسطينيّة القدس رغم سعيّ الاحتلال الغاصب حينها لطرد عائلات فلسطينية من منازلها وإعطائها لمستوطنين، واليوم لا غرابة في تواطؤ هذا الموقع الخبيث في سياق الحملة الصهيونيّة المسعورة، للتغطيّة على الجرائم الكثيرة للعدو والصواريخ التي أطلقتها قوات الاحتلال على الأطفال والأبرياء، ولمنع انتشار المقاطع المصورة التي تُظهر كعين الشمس استهداف قوات العدو للطفولة قبل أيّ شيء تم إخفاء الصورة التي تُظهر “إسرائيل” وعصاباتها بالشكل الحقيقيّ.
والدليل على ذلك، قيام الموقع بحذف القصص والمنشورات المرتبطة بهذه الطفلة بالتحديد، بزعم أنّ نشر هذه القصة “يخالف ضوابط أنشطة المنظمات الخطيرة والعنيفة”، لكن وعلى الرغم من “الحرب الإعلاميّة” الي شنّتها أغلب مواقع التواصل الاجتماعيّ إلا أنّ الصور ومقاطع الفيديو التي وثقت الإجرام الصهيونيّ عادة ما تلاقي انتشاراً لا مثيل له، حيث تظهر جنايات قوات العدو بحق الأبرياء، كما توثق تفاصيل الاستبداد الصهيونيّ على كل المستويات وفي كل المناطق الفلسطينيّة الرازحة تحت نير الاحتلال وعدوانه.
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه محللون أنّها ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها إنستغرام بفرض رقابة على محتوى يتعلق بالقضية الفلسطينية، يشيرون إلى أنّ موقع فيسبوك وإنستغرام اتبعا نهجاً مماثلا العام الفائت، في أعقاب موجة العنف في القدس وغزة، حيث ساعد هذان الموقعان الإسرائيليين في حربهم على المسجد الأقصى إضافة إلى دعم قوات العدو لإجبار سكان الشيخ جراح على إخلاء منازلهم وإقامة مستوطنات صهيونية في القدس الشرقية، ناهيك عن قصف الكيان الصهيوني الضفة الغربية وغزة وقتل 120 شخصًا بينهم 20 طفلًا، وذلك بإزالة كل المنشورات المناصرة لفلسطين والتي توثق جرائم الصهاينة، وزعموا أن هذا “لمنع كراهية اليهود”، متناسين أنّ تلك الهجمات الإسرائيليّة أسفرت عن إصابة ما لا يقل عن 900 فلسطيني وتدمير هائل بالبنية التحتيّة.
تأكيد علميّ
بالتزامن مع الهجمات الصهيونيّة المستمرة ضد الفلسطينيين ومنازلهم ومقدساتهم، وانتقال المعركة مع العدو أيضاً إلى “الحرب الالكترونيّة” التي أصبحت لا تقل أهميّة عن مقاومتهم وسعيهم لتحرير بلادهم من الجناة المحتلين، كشف بحثٌ علميّ صادر عن جامعة نيويورك قبل مدّة، بعنوان: “تأجيج النار: كيف تكثف وسائل التواصل الاجتماعيّ الاستقطاب السياسيّ في الولايات المتحدة”، من إعداد الباحثين بول باريت وجوستين هندريكس، أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ تمارس رقابة مشدّدة على المحتوى الفلسطينيّ، إضافة إلى تضييق كبير على وصوله إلى العالم.
وتحاول “إسرائيل” بالتعاون مع بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ كفيسبوك وانستغرام منع أصحاب الأرض من فضح ممارسات العدو العنصريّ وخاصة مع وجود رصيد كبير من مقاطع الفيديو والصور الجديدة التي توثّق حجم دمويّة وإرهاب هذا الكيان على جميع المنصات الإلكترونيّة، وكان موقع “فيسبوك” ضمن الساحات الالكترونيّة التي عجّت بالمنشورات والتعليقات والهاشتاغات المناصرة لفلسطين وشعبها المظلوم، قبل أن تقوم الشركة في التعامل مع مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي من الفلسطينيين، وحذف منشورات وإغلاق حسابات، بسبب استخدام كلمات مثل الأقصى المبارك أو المقاومة أو شهيد، وخاصة عقب معركة “سيف القدس” حيث أطلق نشطاء على مواقع التواصل حينها حملة ضد شركة “فيسبوك” رداً على سياساتها الأخيرة بحذف المنشورات التي تفضح العدو الغاصب، وإغلاق عدد كبير من الحسابات بدعوى “مخالفة معايير النشر”.
وفي هذا الخصوص، يثبت البحث الأمريكيّ أنّ “شركتي فيسبوك وتويتر أقدمتا بشكل وصفه بالخاطئ، بتقييد وحذف ملايين المنشورات المؤيدة للفلسطينيين، عن طريق خوارزميات (مجموعة تعليمات) خاصة”، الشيء الذي أدى إلى تراجع تقييم الموقع بشكل كبير أثناء وعقب انتهاء معركة سيف القدس، بسبب قيام عدد كبير من المستخدمين بإعطاء تقييم متدنٍ للموقع على المتاجر الإلكترونيّة، تعبيراً عن غضبهم من إغلاق حساباتهم، بسبب منشورات بعضها يعود لأعوام سابقة، وتتحدث عن القضية الفلسطينيّة، وجرائم الكيان القاتل، وقد اعترف “فيسبوك” و”واتساب” و”انستغرام” بصراحة بتقاعسهم عن مسؤولياتهم القانونيّة والأخلاقيّة في احترام القانون الإنسانيّ الدوليّ، وحق الشعب الفلسطينيّ في التعبير عن الاضطهاد الكبير الذي يتعرض له.
هدف إسرائيليّ
بوضوح تام يسعى العدو القاتل وتلك الشركات إلى إسكات أصوات الفلسطينيين وداعمي قضية فلسطين على منصات التواصل الاجتماعيّ، والبدء بتفعيل نظام رقابة، وحظر الحملات الرسميّة والشعبيّة الصهيونيّة للتحريض على القتل في الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو ومستوطنوه، وحذف منشورات وإغلاق حسابات لساسة كيان الاحتلال، والدليل على ما ذُكر أنّ بحث جامعة نيويورك أكّد أن شركة “فيسبوك” أقامت مركز عمليات خاص في الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو، يعمل فيه موظفون يجيدون اللغة العربيّة لرصد المحتوى الفلسطينيّ، موضحاً أنّ معظم المنشورات المؤيدة للفلسطينيين تمت إزالتها لأنها تضمنت كلمات مثل “شهيد” و “مقاومة”.
وبعد أن فضح المناصرون لفلسطين الجرائم الإسرائيليّة وأمثلة التحريض على القتل والكراهية والعنصريّة والعنف من المستويين الرسميّ والإعلاميّ في حكومة العدو، شدد البحث الأمريكيّ على أنّ “هذه الخوارزميات تسببت في تعرض الفلسطينيين لدرجة غير مبررة من الرقابة” على منصات وسائل التواصل الاجتماعيّ، في ظل امتلاك تل أبيب وحدات إلكترونيّة محترفة ترصد كميات كبيرة من المحتوى الفلسطينيّ، والتبليغ عنه، ما يتسبب في اختلال التوازن لعدم امتلاك الفلسطينيين لهذه الأساليب على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
وإنّ الهدف الأساس من هذا التعاون بين الصهاينة وشركات التواصل الاجتماعيّ هو ممارسة التعتيم وتكميم الأفواه وتشويه النضال الفلسطينيّ من جهة، ودعم حملات التحريض الصهيونيّة الممنهجة من جهة أخرى، بالتزامن مع خطأ جسيم تمارسه منصات التواصل الاجتماعي لتغيير جملة إطار التعامل مع قضية فلسطين كقضية تحرر ونضال ضد الاحتلال والاستعمار والاضطهاد والفصل العنصريّ، مقابل تبني الرواية الأمنية المخادعة للعدو، والتي تعتبر نضال ومقاومة الشعب الفلسطينيّ المشروع “أعمال شغب وعنف وإرهاب”، فيما تعتبر حملات العصابات الصهيونيّة العسكريّة بشتى الأسلحة الثقيلة حقاً للكيان ومؤسساته الدمويّة.
ويشار إلى أنّ أنّ الكيان الصهيونيّ الباغي يلجأ إلى تلك الممارسات المعادية لأبسط حقوق الإنسان، بعد الصدمات الكبيرة من التضامن الفريد الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعيّ تعاطفاً مع الفلسطينيين ضد عدو العرب والمسلمين الأول، والذي أفشل محاولات تلك الشركات المتحيزة والمخادعة في كبح جماح الغضب العارم من إجرام وعنصريّة وجبروت الكيان وفضحها أمام الرأي العام العالميّ بعد أن فشلت بشكل لا يوصف في التستر والتغطية على قتلة الأطفال والنساء، لتبقى الصورة الوحيدة المرسومة في أذهان الجميع عند ذكر “إسرائيل”، هي الموت والدمار، في ظل الاتهامات الدولية للعدو العنصريّ بأنّه يوظّف علاقاته مع تلك الشركات في محاربة المحتوى الفلسطينيّ في الفضاء الإلكترونيّ.
ومن المعروف أنّ لتك المواقع تاريخ سيء للغاية في قمع النشطاء الفلسطينيين وداعمي فلسطين، وقد عملت مع حكومة العدو الصهيونيّ على إلغاء حسابات الكثير من الفلسطينيين بحجة منع التحريض، رغم أنّ الكيان الصهيونيّ الإرهابي، منذ مطلع القرن المنصرم حتى اليوم، يستمر بقمع الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه دون رقيب أو حسيب بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتزايدة، بالتزامن مع استمرار بعض الشركات والمؤسسات العالميّة بمساعدته في انتهاكاته للقانون الدوليّ.
بناء على ما ذُكر، لا يوجد دليل قاطع أكثر مما ذُكر، للتأكيد على التبعيّة الحقيقيّة لتلك البرامج التي تدعي أنّها تُعطي الأفراد حريّة لا يتمتعون بها في واقعهم، لكن وعلى ما يبدو فإن الخطوط الحمراء للشركات العملاقة أصبحت مكشوفة لأبعد حد، الشيء الذي يجب أن يُفرز برامج تواصل اجتماعيّ ذات تبعية عربيّة أو إسلاميّة لمنافسة مثيلتها المعاديّة، وكبح جماح الحرب الإلكترونيّة الشعواء التي لا تقل ضراوة وتأثيراً عن الحروب العسكريّة، وإن “إسرائيل” تدعو بكل وقاحة وعلى لسان مسؤوليها التنفيذيين لشركات التواصل الاجتماعي إلى أن يكونوا أكثر استباقية في إزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين في مواقع مختلفة.
المصدر/ الوقت