إهمال ممنهج يعاني منه ناشطو الرأي في سجون آل خليفة
تتقصى تقارير دولية على الدوام الاعتقالات التعسفية دون محاكمة بحق منتقدي الحكومة البحرينية وناشطين سياسيين، بعضهم يخضع لمحاكمة سريعة ليس فيها أي احترام لحقوق المدَّعى عليه و البعض الآخر يعاني الموت البطيء.
فقد جددت مؤخراً 15 منظمة حقوقية دولية، دعوتها لملك البحرين “حمد بن عيسى آل خليفة”، إلى إطلاق سراح المعارض “عبدالجليل السنكيس”، الذي يواجه الموت داخل سجنه، بسبب تراجع وضعه الصحي.
ويقضي عبد الجليل السنكيس (60 عاما) حكما بالسجن مدى الحياة، لدوره في التظاهرات الداعية إلى الإصلاح الديمقراطي في البحرين عام 2011، وهو مضرب عن الطعام منذ الثامن من يوليو/تموز 2021، أي ما يزيد على 400 يوم من دون طعام صلب. ويعد السنكيس ناشط بحرينيّ بارز في مجال حقوق الإنسان وكان أستاذاً جامعيّاً في السابق ومهندساً أيضاً. وهو يقضي عقوبته بالسجن المؤبد في سجن جو منذ عام 2011.
تمّ اعتقاله وتعذيبه من قبل ضباط الأمن بعد مُشاركته في الاحتجاجات المُناهضة للديمقراطيّة في عام 2011 عن عمرٍ يُناهزُ 49 عاماً، كما وجّهوا إليه تهمة التآمر للإطاحةِ بالحكومة.
وقالت المنظمات إنه مرّ على سجن السنكيس قرابة 12 عاما، “لمجرد ممارسته حقه الإنساني في حرية التعبير والتجمع السلمي”.
وناشدت المنظمات ومن ضمنها “هيومن رايتس ووتش”، في رسالة وجّهتها إلى ملك البحرين، بإطلاق سراح “السنكيس” (60 عاماً)، المضرب عن الطعام منذ مدة طويلة، والذي يعاني من متلازمة ما بعد شلل الأطفال، ومشاكل صحية أخرى متعددة، منها صداع متقطع شديد و مشكلة في البروستات و التهاب مفاصل الكتف و ارتعاش و تنميل و ضعف نظر وعلى الرغم من ذلك فهو محروم من الحصول على الرعاية الطبية المناسبة.
والتمست المنظمات “بكل احترام ضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن السنكيس، وفي انتظار تحقيق ذلك، يجب ضمان حصوله على الرعاية الطبية اللازمة وحمايته من التعذيب وسوء المعاملة، ونقل عمله الأكاديمي إلى أسرته”.
وجاء في الرسالة “نحن قلقون بشدة حول وضعه الصحي الحالي، وخاصة أن مستوى السكر في دمه أصبح منخفضا للغاية. يساورنا القلق بشكل خاص بسبب تأخير ومنع وصول أدوية أساسية وصفها طبيبه، منها أقراص ضرورية لجهازه العصبي ووظائف جسده وقطرات عيون، في تجاهل صارخ لتعليمات أطبائه”.
وكانت الرسالة قد وَقعت من منظمات هيومن رايتس ووتش، والتحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين، ورابطة القلم الإنجليزية، ورابطة القلم الدولية، والديمقراطية الآن للعالم العربي، والمركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، وشبكة العلماء في خطر، وفريدوم هاوس، ولجنة حماية الصحفيين، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، ومنظمة العفو الدولية.
ومن الحقوق التي يطالب فيها السنكيس خلال اضرابه إعادة كتابه له ، تسليم جواز سفره الجديد وهويته إلى عائلته، والسماح له بالاتصال بهم عبر مُكالمة فيديو ، وإعطائه الأدوية التي وصفها له الأطباء المُتوافّرة خارج مُستشفى السلمانية ومركز كانو، وتسليمه صور التصوير بالرنين المغناطيسيّ التي أجراها في المستشفى العسكريّ، وتزويده بعكازات وزجاجة ماء دافئة لظهره، والسماح له بتلقي صور عائلته.
بلطجة تجاه سجناء الرأي
يُشكل اعتقال السنكيس التعسفيّ، والتعذيب والاعتداء الذي تعرّض له إضافة إلى القيود التي فرضها الضباط عليه، انتهاكا واضحا لاتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانيّة (CAT) والاتفاقيات الدوليّة الخاصّة بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والتي تُشارك البحرين فيهما. وترمز معاناة السنكيس في السجن إلى كيفية تعامل الحكومة البحرينية مع النّشطاء السّياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان وجميع سكان البلاد.
فيما تتكرر شكاوى السجناء السياسيين عن سوء معاملة و امتهان كرامة معتقلي الرأي في سجون النظام الخليفي التي يديرها عناصر شرطة من جنسيات مختلفة قامت سلطات آل خليفة بالاستعانة بهم لقمع الشعب البحريني حيث يقبع مئات من الساسة المعارضين والنشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السجون البحرينية منذ انتفاضة 2011 وما تلاها من حملات لحكومة آل خليفة.
من جهتها أكدت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، أن سوء المعاملة في سجن جو البحريني مشكلة متكررة في البحرين. وأشارت معلوف إلى أن المنظمة وثقت ذلك عدة مرات في السنوات الأخيرة.
وفي السياق ذاته، ترد أنباء متوالية عن تعرض نزلاء مبنى 21 بسجن جو المركزي للضرب المبرح من قبل حراس السجن بسبب ممارستهم الشعائر الدينية.
حيث جاء ذلك في رسالة من والد السجين محمد فؤاد الاسكافي الذي طالب بحماية حياة ابنه الذي تعرض للضرب، وتمّ نقله لجهة مجهولة وانقطع عن الاتصال.
من جهتها، أفادت والدة محمد عبد الامیر أن وضعه الصحي ما زال سيّئًا جدًا وهناك خشية من خسارته، مُطالبة بالإفراج عنه وتمكينه من العلاج تحت اشراف طبي متخصص، كما ذكّرت بأنها تقدمت بطلب للأحكام البديلة ولم تحصل على رد.
أما السجين “السيد محمود” الذي كان يخضع للعلاج بمستشفى الطب النفسي لمدة سنة فاستطاع الخروج من المستشفى لمنزل جده بسبب إهماله صحيًا، غير أن العناصر الأمنية وبدل أن تحاسب عناصرها كونها مسؤولة عن حياة مريض يقع تحت قبضتها، اعتقلت افراد عائلته.
كذلك تشكو والدة السجين السياسي حسن عبد الله حبيب مريض السكر الحاد من عدم إمكانية زيارة ابنها الذي نقل للمستشفى السلمانية، حيث خضع لاستئصال غدة في الرئة، أصيب بها اثناء وجوده في السجن.
نظام آل خليفة من الأنظمة الأكثر قمعا في الشرق الأوسط
وصفت منظمة فريدوم هاوس الدولية مؤخرا في تقرير لها النظام الخليفي بأنه أحد أكثر الأنظمة قمعا في الشرق الأوسط، وأدرجت البحرين مجددا ضمن الدول “غير الحرة”. و اعتبرت المنظمة أن النظام الملكي الذي يقوده السنة، واحدًا من أكثر دول الشرق الأوسط قمعية، إذ ألغى بشكلٍ منهجي مجموعة واسعة من الحقوق السياسية والحريات المدنية، وفكك المعارضة السياسية، وقمع بشدة المعارضة المستمرة المتركزة بين السكان الشيعة، وخاصةً منذ أن سحق بعنفٍ حركة الاحتجاجٍ الشعبية المؤيدة للديمقراطية عام 2011”. ويهيمن النظام الملكي في البحرين و الذي يقوده السنة على مؤسسات الدولة في ظل انتخابات غير تنافسية أو شاملة لمجلس النواب. وشهدت انتخابات مجلس النواب عام 2018 حظر مشاركة الجمعيات السياسية المعارضة، وعدم السماح لترشيح أي شخصٍ ينتمي إلى هذه الجمعيات، وسط انتخاباتٍ لم تتحقق فيها العدالة، كما تم تغييب المواطنين من أبناء الطائفة الشيعية، والذين يشكلون غالبية المواطنين. في حين يواجه الصحفيون عقبات قانونية أمام ممارسة عملهم حيث تستخدم الأجهزة الأمنية شبكة من المخبرين و تراقب الاتصالات الشخصية للنشطاء و المنتقدين و أعضاء المعارضة حيث تم اختراق الهواتف المحمولة لتسعة ناشطين سياسيين بحرينيين، باستخدام مجموعة برامج التجسس بيغاسوس عامي 2020 -2021.
من جانب آخر يواجه رجال الدين الشيعة وقادة المجتمع مضايقات مستمرة إضافة إلى الاستجواب والمحاكمة والسجن، كما تم هدم أو تخريب ما يقدر بخمسةٍ وأربعين موقعًا دينيًا شيعيًا عام 2011.
نهضة الشعب البحريني
خلال أكثر من 11 عامًا، حين اتّخذ المحتجون خطوات غير مسبوقة للتّحرك الجماهيري والمطالبة بالإصلاح والحقوق السياسية، أصبحت البحرين أكثر قمعًا مما كانت عليه – ولا تزال شريكًا وثيقًا للولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول غربية أخرى.
حقيقة الأمر هي أن حملة القمع في البحرين لم تبدأ في العام 2011، بل بدأت في أغسطس/آب 2010. في العام 2001، عندما قال (الأمير آنذاك) حمد بن عيسى آل خليفة إنه سوف يطرح ملكية دستورية، غيّر الدستور من جانب واحد ليجعل نفسه ملكًا، وليجعل البحرين مملكة ، ثم أنشأ برلمانًا ليس له سلطات تشريعية أو مساءلة، أو رقابة. في الواقع، أنشأ نظامًا أصبح فيه ديكتاتورًا أكثر من والده.
تستخدم الحكومة البحرينية الورقة الطائفية منذ وقت طويل جدًا، تمامًا كما تفعل الحكومة السّعودية وغيرها في العالم العربي. تستخدمها لخلق هوة بين المجتمعات، لجعلها أقل تسييسًا بطريقة ما، ولكن أيضًا لجعل تعبئة النّاس أكثر صعوبة، ولجعل الاحتجاجات والهتافات تتعلق بطوائف معينة، لا بحقوق الإنسان والكرامة. عندما نشرت دول مجلس التعاون الخليجي قوة درع الجزيرة في البحرين في العام 2011، لم تقل إنّها تهدف لسحق الثورة، بل قالت إن الهدف منها “حماية” البحرين من “التّدخل الأجنبي”. وهناك الكثير من الناس، بما في ذلك في الخليج، الّذين دعموا الاحتجاجات في عدد من الدّول في العالم العربي، لكن توقفوا عندما وصل الأمر إلى البحرين، لأن الحكومتين البحرينية والسعودية تلاعبتا بهذه الورقة الطائفية، واستخدمتا إيران كفزّاعة، لإبعادهم عن تقديم الدّعم لها.
المصدر/ الوقت