“دس السم في العسل”.. سياسة “إسرائيل” الجديدة في التعامل مع غزة
في ظل القلق الإسرائيليّ من انفجار الأوضاع بسبب سياسة المماطلة والتسويف التي تتبعها تل أبيب في رفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر منذ 15 عاماً، تحدث مسؤولون إسرائيليون مؤخراً، عن سياسة جديدة تتبعها حكومة الاحتلال مع قطاع غزة في أعقاب جولة التصعيد الأخيرة، مضيفين إنّ السياسة المتبعة والتي ستتوسع خلال الفترة المقبلة حسب زعمهم، تظهر مؤشرات مشجعة على تحسن طفيف في الاقتصاد المنهار الذي يعيش في ظله 2.2 مليون فلسطيني في قطاع غزة، وذلك بأوامر من وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، حيث يفرض العدو حصاراً شديداً على القطاع الذي ربما يشهد قليلاً من التسهيلات الإسرائيليّة للتهرب والمماطلة من الملفات الأكبر، دون أدنى تجاوب مع مطالب إنهاء الأزمة الإنسانيّة في غزة التي تعيش “حالة ضبابيّة” مع استمرار قيود الحصار الخانق، وآثاره المدمرة على كل مظاهر الحياة في مناطق القطاع وشل مؤسساته، ناهيك عن التصعيد المتكرر لقوات العدو الغاصب بالقصف وتضييق الخناق على الصيادين والتجار وغيرها من الحالات التعسفيّة.
لا يخفى على مطلع في الشأن الفلسطينيّ أنّ الإجراءات الإسرائيليّة التي تتم لإنهاء الحصار والتخفيف عن الفلسطينيين تشهد نوعاً كبيراً من المماطلة والتسويف، الأمر الذي ينذر بتفجر الأوضاع في أي وقت، ومع إصرار فصائل المقاومة الفلسطينيّة على ضرورة إنهاء حصار القطاع بشكل كامل، عرقلت تل أبيب سير تلك القضيّة وربطتها ولا تزال بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى حركة حماس، ويؤكّد الفلسطينيون أنّ إنهاء الحصار هو حق طبيعيّ، وليس منّة من العدو الإسرائيليّ، يُنتزع من العدو، ولا يعطى أيّ ثمن سياسيّ مقابله، في ظل التصعيد العسكريّ الإسرائيليّ المتقطع والتعنت المستمر بفرض حصار خانق لتجويع وتعذيب سكان قطاع غزة إضافة إلى سياسة الابتزاز والمماطلة وتعطيل الإعمار التي تمارسها تل أبيب لمحاولة التأثير على شعبية المقاومة.
وفي ظل إرهاب الاحتلال الصهيونيّ وعدوانه المتمثل في الحصار ومنع الإعمار، وذلك في سياق محاولة ابتزاز الشعب الفلسطينيّ والضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة، بيّنت المصادر الإسرائيلية، أنّ هذه السياسة أحادية الجانب لا علاقة لها بمفاوضات وقف إطلاق النار بعد العملية الأخيرة، أو بموجب أي ترتيب، كما كان في الماضي، وأنها تتم بغض النظر عن سلوك حركة حماس، مشيرة إلى أنّ هذه السياسة الجديدة كانت أول اختبار مهم لها خلال العملية الأخيرة بغزة عندما لم تنضم حماس إلى جولة القتال مع الجهاد الإسلاميّ.
وباعتبار أنّ سكان قطاع غزة، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، يعيشون أوضاعا اقتصادية ومعيشية صعبة جراء استمرار الحصار الإسرائيلي منذ عقد ونصف العقد، قال مصدر أمنيّ تابع للعدو، أنّ حصة عمال غزة تبلغ حاليًا 20 ألفًا يدخل فعليًا منهم 14 ألف، ولا يتوقع زيادتها في الوقت القريب حتى يظهر تقدم في محاولات دفع صفقة لإعادة الأسرى لدى “حماس” وهذا ما ترفضه الأخيرة نتيجة التعنت الإسرائيليّ في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وقد أكّدت الفصائل الفلسطينيّة مراراً على أنّ الشعب الفلسطينيّ ومقاومته، لن يخضعا للحصار الصهيونيّ، وسيواصلون طريق النضال والكفاح دفاعاً عن أبسط حقوقهم، مع تصميمهم على أن تل أبيب في النهاية ستقدم التنازلات مرغمة في تلك القضية.
وحسب المعلومات الإسرائيليّة فإنّ الزيادة في العدد بالتصاريح خلال الفترة الأخيرة جاء بشكل منتظم، وأن هناك زيادة في نطاق الصادرات والواردات من وإلى القطاع، بما في ذلك المنتجات التي كانت عالقة في السابق كأغذية مصنعة بغزة يتم نقلها للضفة الغربية، كما أن هناك زيادة في إدخال الأدوية والمعدات الطبية، فيما كشف ممثل منسق أعمال حكومة العدو، أنه يعتزم البدء في مشروع تجريبيّ يشمل تشغيل عدة مئات من النساء بغزة في الأراضي السليبة كجزء من الحصة البالغة 14 ألفًاـ مضيفاً إنّه يجري إدخال مخارط لعدد من المصانع الجديدة بما في ذلك شركة “كوكا كولا”، بعد فحصها واعتماد المهندسين في الأجهزة الأمنية التابعة للكيان.
ومن الجدير بالذكر أنّ الفصائل الفلسطينيّة تتمسك بشدّة بضرورة فك حصار غزة وإعادة إعمارها، لوضع حد لمعاناة الأهالي داخل القطاع، وإفشال محاولات تل أبيب تدمير حياتهم وعزلهم عن أراضي بلادهم المحتلة، وخاصة مع تشديد الحصار بشكل أكبر على غزة، من خلال فرض حصار بريّ عبر إغلاق المنافذ ومنع حتى المرضى من الخروج للعلاج، وآخر بحريّ إما بمنع الصيد أو تقليل مساحته، في تغييب كامل للقرارات الدوليّة بفرض سياسة الأمر الواقع واستباحته الأرواح، وخرقه الفاضح لكل القوانيّن والمواثيق الدوليّة المتعلقة بحقوق الإنسان.
ويصف الفلسطينيون وبالأخص أهالي القطاع الإجراءات الإسرائيليّة بأنّها “إرهابٌ منقطع النظير”، لكنهم في الوقت ذاته يسعون بكل ما أوتوا من قوّة لإنهاء حصار غزة ويعتبرون ذلك إجراماً لا يمكن الاستسلام أمامه بل يجب مواجهته والتصدي له، وكذلك تُصر المقاومة الفلسطينيّة على أنّها لن تسمح للاحتلال باتخاذ الحصار وسيلة لإخفاء فشله، وقد أصبحت تل أبيب بالفعل مسؤولة عن تداعيات سياستها العدوانيّة التي لم ولن تفلح في محاولات عزل غزة عن القضايا الوطنيّة.
ويشار إلى أنّ الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة يقومون بشكل دائم بالتعبير عن غضبهم من الظلم الكبير الذي يتعرضون له من سلطات العدو، عبر إطلاق بعض البالونات الحارقة على محيط غزة، وتحاول الفصائل الفلسطينيّة حاليّاً إلقاء الضوء على الحصار ونتائجه، حيث إنّ منع إدخال جميع السلع والمواد الخام من قبل سلطات الاحتلال على سبيل المثال لا الحصر، ساهم بشكل كبير في زيادة نسب الفقر والبطالة، ما يجعل من الضروري أن يكون هناك تدخل فوريّ لإنهاء الحصار وفتح المعابر.
في الختام، إنّ القليل من التسهيلات الإسرائيليّة لقطاع غزة غير كافية أبداً وهي خطوات تهرب ومماطلة، حيث إن السياسة الإسرائيليّة تدور حول شرط واحد “إما الرضوخ لمطالبنا أو عيشوا على الفتات تحت أنقاض الأبنيّة التي دمرناها”، ما يعني أن الهدف الإسرائيليّ الحالي هو تعقيد هذا الملف وتحميل فصائل المقاومة مسؤوليّة ذلك للتأثير على شعبيتها.
المصدر/ الوقت