التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

أسباب الغضب الألمانيّ من تصريحات عباس حول اتهام “إسرائيل” بارتكاب محارق “هولوكوست 

بعد أن وجّه الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتهاما للكيان الإسرائيليّ بارتكاب “محرقة هولوكوست” بحق الفلسطينيين، خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده المستشار الألماني أولاف شولتس مع عباس في ديوان المستشارية الأمانيّة الثلاثاء الفائت، انتقد زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس طريقة تعامل شولتس مع ما حدث، وأوضح رئيس حزب المستشارة السابقة انجيلا ميركل المسيحيّ الديمقراطيّ، في تغريدة على تويتر أن تعامل المسؤول الألمانيّ مع الواقعة ” لا يمكن استيعابه”، وقال إن المستشار الألماني كان عليه أن يعارض الرئيس الفلسطيني ” بشكل واضح وجلي وكان عليه أن يطلب منه المغادرة”، حيث إنّ “الهولوكوست” هي إبادة جماعية وقعت خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939-1945 وقُتِل فيها حوالي ملايين اليهود الأوروبيين على يد ألمانيا النازية وحلفائها، فيما جرت عمليات القتل في جميع أنحاء ألمانيا النازية والمناطق المحتلة من قبل ألمانيا في أوروبا وكانت “الهولوكوست” مثالاً للإبادة الجماعية، التي تعني قتل مجموعات بشرية كبيرة فقط بسبب انتمائهم لجنسية أو عرق أو دين معين.

في الوقت الذي يستغل فيه الإسرائيليون “الهولوكوست” بشكل كبير لجذب التعاطف نحوهم وتبرير جرائمهم منذ احتلال فلسطين عام 1948، استعمل الرئيس الفلسطينيّ المصطلح نفسه لإظهار حجم دمويّة “إسرائيل” بحق أبناء الشعب الفلسطينيّ وهي حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها، حيث إنّ كيان الاحتلال اللقيط منذ ولادته غير الشرعية بني على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، ويوماً بعد آخر يتصاعد إجرام العدو الصهيونيّ الوحشيّ الذي لا يكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، والدليل اتهامه من قبل منظمات دوليّة معنية بحقوق الإنسان، بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، مؤكّدين على أنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، والأخبار التي تأتي بشكل مستمر من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة خيرُ دليل على ذلك.

وبالتزامن مع العلاقات التي توصف بالوثيقة والمستمرة بين ألمانيا والكيان الصهيونيّ الباغي، قال ارمين لاشيت الرئيس السابق للحزب المسيحي والمرشح السابق لمنصب المستشارية في انتخابات 2021 إن ظهور الرئيس الفلسطينيّ في المستشارية ” هو أسوأ خروج عن المسار كان من الممكن سماعه داخل دار المستشارية في أي وقت”، رافضاً بشكل قاطع اتهام عباس للصهاينة بارتكاب “محرقة هولوكوست” بحق الفلسطينيين، وقال في تصريحات لصحيفة “بيلد” الألمانية مؤخراً إنّ ”أي استهانة بشأن الهولوكوست هي أمر لا يمكن احتماله ولا قبوله بالذات بالنسبة لنا نحن الألمان”، وهذا طبيعيّ جداً لأنّ التحيز الألمانيّ الفاضح ليس بجديد أبداً وقد شاهدنا كيف ناصرت بريلين تل أبيب مراراً في حربها على هذا الشعب، ناهيك عن محاربة المقاومة الفلسطينيّة هناك.

وإنّ الانزعاج الألمانيّ على ما يبدو يأتي في وقت تتخذ فيه “إسرائيل” ومناصروها تهمة “معاداة السامية” شماعة لمحاربة الفلسطينيين ومن يوالي قضيتهم المحقة في مختلف الميادين ويثقبون مسامعنا بمعلومات وترهات حول “الهولوكوست” ما أنزل بها من سلطان، على الرغم من ارتكاب الآلة العسكريّة الصهيونيّة وعصاباتها التي جُمعت من شتات الأرض أشنع الجرائم ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وما زالوا إلى اليوم يرتكبون أقذر الجنايات الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الأبرياء، ما يُظهر النفاق الألمانيّ في أبهى صوره مع عدو العرب والمسلمين والأحرار الأول، لمساعدة الإسرائيليين في إبادة هذا الشعب، وقد كان عباس صارماً في مؤتمره الصحفي مع شولتس في برلين قائلاً: “اسرائيل ارتكبت منذ عام 1947 حتى اليوم 50 مجزرة في 50 موقعا فلسطينيا” وأردف “50 مجزرة 50 هولوكوست”.

ومن الجدير بالذكر أنّ صحفيّاً سأل عباس حول ما إذا كان سيعتذر للكيان الإسرائيلي بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين للهجوم الفلسطيني على البعثة الرياضية التابعة للعدو في أولمبياد ميونخ 1972، حيث رد عباس بقوله: “إن هناك يوميا قتلى يسقطهم الجيش الإسرائيلي”، ولم يتطرق عباس في إجابته إلى الهجوم على البعثة الأولمبية الإسرائيلية، ويعتبر كثيرون أن السياسات الألمانيّة متحيزة للغاية وتصب في مصلحة الكيان المجرم، لدرجة أنّ إظهار أي دعم علنيّ لأي طرف في محور المقاومة يعتبر تُهمة كافية للطرد من العمل ومخالفة كبرى للقانون الألمانيّ، في ظل تعامٍ قذر من تلك الدولة التي تدعي الإنسانية واليمقراطية عن جرائم الكيان الصهيونيّ -السرطان الذي زُرع لفصل شرق الوطن العربيّ عن غربه وتنفيذ المصالح الأمريكيّة والغربيّة-، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه العنصريّة البشعة بحق أصحاب الأرض، والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا الأسرى ولا المرضى حتى.

ويشار إلى أنّ شولتس كان قد انتقد عباس علناً قبل ذلك، بعد وصفه السياسة الإسرائيلية بأنها “نظام أبارتايد (فصل عنصري)” وقال “إن تقويض حل الدولتين وتحويله إلى واقع جديد للدولة الواحدة بنظام الأبارتايد، لن يخدم الأمن والاستقرار في منطقتنا”، فيما قال شولتس:” أود أن أقول صراحة عند هذه النقطة أنني لا أتبنى كلمة أبارتايد ولا أعتبرها صحيحة لوصف الموقف”، على الرغم من إقرار منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان والتي تضم ما يزيد على 150 بلداً وإقليماً، أن الكيان الصهيوني هو “أبرتهايد” يرتكب جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدوليّ من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، ما يفضح الصهاينة بشكل أكبر على الساحة الدولية.

نتيجة لكل ما ذُكر، إنّ الغضب الألمانيّ يُعد شهادة قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة بدعم من بعض الدول التي تتعامى عن الحقيقة ودماء الأبرياء، ويُعد شراكة واضحة في جرائم الصهاينة المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، وخاصة في ظل رغبة الكيان العارمة في قمع الفلسطينيين والسيطرة عليهم، حيث إنّ العالم بأسره بدأ يعي جيداً حجم الجرائم الإسرائيليّة المنقطعة النظير والعنصريّة الغريبة الوصف بحق الأبرياء، لإنشاء أغلبية يهوديّة عبر عمليات القتل المباشر، والقيود على الحركة، والتطهير العرقيّ وسياسات التهجير، والتمييز المؤسسي، والحرمان من الجنسية والوطنية، كجزء من نظام ممنهج للهيمنة والفصل العنصريّ.

وإنّ الكيان الصهيونيّ لا يُخفي ذلك أساساً، بل يعترف بأنّه لايمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وخيرُ دليل على ذلك ما يجري في فلسطين ونص إعلان الدولة المزعومة، والذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية فيها.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق