أحلام أمريكية جديدة للعراق وسوريا.. ما الذي تخطط له واشنطن
خلال العام الماضي، ومع تزايد الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على القواعد الأمريكية في شرق سوريا (محافظة دير الزور)، أصبحت المواجهة بين قوات جبهة المقاومة والولايات المتحدة أكثر خطورة من ذي قبل، وفي الجولة الأخيرة من هذه الهجمات، التي وقعت يوم الاثنين الماضي، استهدفت طائرات مسيرة قاعدة التنف، في غضون ذلك، أفادت بعض المصادر بزيادة التحركات العسكرية الأمريكية المشبوهة في البادية السورية.
وفي هذا الصدد كشفت تقارير إعلامية عن تدريبات للقوات الأمريكية في منطقة “55” بالصحراء السورية. وهذه التدريبات التي بدأت يوم الجمعة الماضي تجري باستخدام أسلحة ومعدات خفيفة وثقيلة وبحضور مقاتلين هجوميين وتحاكي أجواء المعارك الحقيقية. وهذه هي التدريبات الأمريكية الثانية التي تحدث في الشهر الماضي. وأجرت واشنطن العام الماضي عدة تدريبات في البادية السورية. والصحراء السورية مهمة لأنها تشكل في الواقع مثلثًا حدوديًا بين سوريا والأردن والعراق، ولهذا السبب ربما رأى الأمريكيون أحلامًا جديدة لدول المنطقة، وخاصة العراق وسوريا.
تدريبات لتقوية خلايا داعش السرية
اختيار المنطقة الصحراوية السورية للتدريب من قبل القيادة المركزية الأمريكية يحتوي على نقاط مهمة. وهذه المنطقة الشاسعة غير مأهولة تقريبًا وأصبحت ملاذًا آمنًا للإرهابيين في السنوات الأخيرة. ويقال إن إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية استخدموا هذه المنطقة لشن هجمات مؤقتة على المدن والقرى المحيطة بهذه الصحراء، وكانت هذه المنطقة نفسها المصدر الرئيسي لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية للسيطرة على أجزاء كثيرة منها مدينة تدمر التاريخية. لذلك، فإن اختيار هذه المنطقة ليس عرضيًا، ولكنه هادف للغاية. وبالنظر إلى أن العراق وسوريا تمكنا من قمع الجماعات الإرهابية تقريبًا وتحقيق سلام نسبي في السنوات الأخيرة، وبما أن الاستقرار في هذه الدول سيهدد استمرار الوجود غير الشرعي للجنود الأمريكيين، يبدو أن واشنطن تبحث عن طريقة لخلق حالة من إنعدام الأمن في تلك المناطق. في هذا السياق، فإن أفضل أداة هي استخدام إرهابيي داعش المخفيين والهاربين.
حاليًا، ما زالت فلول داعش في العراق وسوريا على اتصال بالأمريكيين، ومؤخراً تم تسليم 700 من عناصر داعش الذين اعتقلتهم الحكومة السورية إلى العراق، وآلاف الأشخاص محتجزون في سجون سورية في مناطق سيطرة الأكراد. ويمكنهم مواجهة المنطقة بأزمة جديدة مرة أخرى. وحقيقة أن المئات من عناصر داعش الخطرين قد تم نقلهم إلى سجون عراقية هي خطة أمريكية حتى يتمكنوا بسهولة أكبر من الاستفادة من نفوذ هؤلاء الإرهابيين على الأراضي العراقية. لأن للأمريكيين نفوذا كبيرا في الطبقات الأمنية في العراق وخاصة في سجون هذا البلد، ويمكنهم إذا لزم الأمر تهريب عناصر داعش بمساعدة عناصر عراقية. وفي هذا الصدد، لا ينبغي أن ننسى تجربة إطلاق سراح زعيم داعش أبو بكر البغدادي من سجن بوكا عام 2009، ما أدى إلى نشوء داعش. ومع تنامي تهديدات داعش في العراق العام الماضي، يبدو أن مسؤولي البيت الأبيض يريدون استخدام نفوذ داعش للضغط على رجال الدولة العراقيين والحصول على تنازلات منهم.
من ناحية أخرى، اختارت الولايات المتحدة منطقة لممارسة قواتها، يكون فيها للجيش السوري أقل حركة ومكان مناسب للأمريكيين، ويمكنهم تنفيذ خططهم بأمان. وبناء على ذلك يرى أحمد رحال الخبير العسكري أن الحكومة السورية ليس لديها جبهة قوية حول البادية السورية، ولا تملك المعلومات الأمنية اللازمة عنها، وتفتقر إلى القوات المدربة للقيام بعمليات عسكرية في الباديةوالمطاردة وعمل الكمائن، بينما يتم تدريب إرهابيي داعش في هذه المناطق.
إن داعش هي صناعة أمريكية، وقد اعترف المسؤولون السابقون في هذا البلد مرات عديدة أنهم أسسوا هذه المجموعة التكفيرية للإطاحة بالحكومة السورية وبنفقات مالية على مشيخات الخليج الفارسي ومساعدات الأسلحة الغربية، من أجل تحقيق الهدف الأكبر وخلق شرق أوسط جديد.
وعلى صعيد متصل، قال الناطق العسكري باسم “الحشد الشعبي” العراقي كريم النوري، الاثنين الماضي، إن “الحشد” يرحب بدخول روسيا في الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق، متهماً الولايات المتحدة الأمريكة بتوظيف “داعش” ودعمه.
وأضاف النوري إن “روسيا أكثر جدية في الحرب على الإرهاب، وهي تواجه تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا، وستواجه “داعش” في العراق”. وبعكس روسيا، لم يكن “التحالف الدولي ضد الإرهاب”، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، جاداً طوال الفترة الماضية، فأمريكا توظف “داعش” وتدعمه، ولا تسعى للقضاء عليه، حسب تصريح النوري. وأوضح النوري أن أمريكا تدعم المسلحين في سوريا ضد الرئيس بشار الأسد، وتقاتلهم في العراق… و”هذه الازدواجية تختلف عن الموقف الروسي، المرحب به من قبل العراق وسوريا، في مواجهة الإرهاب ولاسيما تنظيم داعش”.
لقد زعمت سلطات واشنطن مرارًا وتكرارًا في السنوات الأخيرة أنها اغتالت كبار قادة داعش من أجل إظهار أنفسهم كأعداء للإرهابيين بهذه المزاعم، ولكن حتى الآن لم يكن هناك دليل قاطع على ما إذا كان الأمريكيون قد استهدفوا بالفعل قادة داعش وهذه المجموعة التكفيرية.
وفي هذا السياق، هناك تصريحات فارغة لمسؤولي البيت الأبيض. وهذا بينما شكلت الولايات المتحدة، عندما كان تنظيم داعش منتشرًا في سوريا والعراق، تحالفاً ظاهرياً وادعوا أنهم يريدون تدمير جذور داعش، ولكن بدلاً من مواجهة داعش، قتل مقاتلو هذا البلد وطائراته المسيرة عراقيين وسوريين. لذلك فإن ادعاء قتل قيادات داعش ليس أكثر من كذبة، ويتم بهدف خداع الرأي العام من أجل تبرئة أنفسهم من الاتهامات بدعم هذه المجموعة الارهابية.
كذلك، من خلال الادعاء بتدمير داعش التكفيري، يحاول الأمريكيون التلميح إلى أن هذه المجموعة قد ضعفت ولا تشكل أي خطر على المنطقة، حيث لا تركز حكومتا العراق وسوريا على التعامل مع تهديدات هذه المجموعة، و في حال استعاد داعش السلطة، سوف يفاجئون القادة العراقيين والسوريين ولن يتمكنوا من التوصل إلى حل، وتبني استراتيجية فورية للتعامل مع التكفيريين. لأن داعش أظهر أنه قادر على تجنيد جنود في العراق وسوريا في أقصر وقت ممكن إذا توافرت الظروف، وأن بعض القبائل المعارضة للحكومة المركزية، مثل البعثيين، متحالفة مع التكفيريين، وهذه القضية يمكن أن تطرح مشكلة وتهديداً لأمن العراقيين. لقد أظهرت قوى المقاومة العراقية عملياً أنها لن تستسلم لخداع الأمريكيين المتفائل، ولهذا السبب فهي دائماً على أتم الاستعداد لمواجهة أي تهديدات مفاجئة، حيث تمكنت من القبض على العديد من العناصر السرية لداعش في العراق في العام الماضي بعد القيام بعمليات مكثفة.
على الرغم من ادعاءات مسؤولي البيت الأبيض بإرساء الاستقرار والأمن في غرب آسيا، فإن الإجراءات التي يتخذها الأمريكيون هذه الأيام في أراضي العراق وسوريا تهدف إلى تعطيل الترتيبات الأمنية في المنطقة وجعل دول العراق و سوريا غير آمنة، على يد إرهابيين تدعمهم واشنطن.
المصدر/ الوقت