هل تُفلح المقاومة اليمنيّة في فرض شروطها على دول العدوان
عقب يومين من حديثها عن جهوزية القوات اليمنية لمواصلة صد العدوان في ظل غياب العزيمة الحقيقيّة لفك العدوان والحصار على اليمن والرغبة العربيّة والدوليّة في استمرار المعركة هناك، أعلنت حركة المقاومة اليمنيّة “أنصار الله” (الحوثيين) مؤخراً، استعدادها إيقاف عملياتها العسكرية مقابل خطوة مماثلة من التحالف العربيّ الذي تقوده السعودية في اليمن، ورفع قيوده المفروضة على المنافذ التي تديرها الحركة، وخروج قواته من البلد الذي يمزقه الصراع منذ بدء العدوان السعودي على الشعب اليمني قبل سبع سنوات، بكل ما يحمله من جرائم ومجازر بشعة لم تستثن الأطفال والنساء والشيوخ وكوارث يندى لها جبين الإنسانية وتجاوزات خطيرة للقوانين الدوليّة ما تسبب بأكبر كارثة إنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، فيما أوضح السفير البريطاني لدى اليمن، وجود عروض اقتصادية جديدة على الطاولة لتمديد الهدنة في البلاد، وذلك قبيل انطلاق جولة جديدة من المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة وتستضيفها العاصمة الأردنية، عمان.
وقف العدوان
بالتزامن مع ما قاله السفير ر يتشارد اوبنهايم خلال لقاء جمعه برشاد العليمي ، رئيس سلطة المجلس الرئاسي الموالي للتحالف حول أن العروض المطروحة مرتبطة بملف فتح الطرق، أكّدت حركة المقاومة اليمنيّة “أنصار الله” على لسان عضو المكتب السياسي محافظ محافظة ذمار، محمد ناصر البخيتي، عبر تغريدة على “تويتر”، أنّهم مستعدون لوقف كافة عملياتهم العسكرية مقابل وقف العدوان في إشارة إلى العمليات الأجراميّة للتحالف العربيّ بقيادة الرياض، ورفع الحصار وانسحاب القوات الأجنبية من الأراضي اليمنيّة، في ظل استمرار العدوان على اليمن منذ 2015 وتصاعد محاولات القوى المشاركة في العدوان لإخضاع الشعب اليمني لما تريده من إملاءات عبر الاستهداف المباشر لكل مكونات اليمن وارتكاب جرائم إنسانيّة تعامت عنها دول غربيّة وعربية ومنظمات دوليّة كبرى مقابل محسوبيات وصفقات ملطخة بدماء اليمنيين.
وإنّ السفير الأجنبيّ كان قد حذر في وقت سابق من العودة إلى الحرب في اليمن، كما كثف لقاءاته خلال الساعات الماضية بالتوازي مع حراك دولي تقوده الولايات المتحدة وسفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بهدف الضغط على سلطة الرئاسي باتجاه تمديد الهدنة التي تنتهي في الثاني من أكتوبر، في وقت تنتقد فيه حركة “أنصار الله”، بيان مجموعة الدول السبع الذي دعا الحركة إلى إيقاف هجومها المستمر منذ أكثر من ثلاثة أشهر على محافظة مأرب الغنية بالنفط، قائلاً: ” إدانة مجموعة الدول السبع لهجمات اليمن على السعودية وعملية تحرير مأرب وتجاهلها للعدوان والحصار والاحتلال يكشف حالة النفاق الدولي”، عقب تزايد حصيلة أرواح اليمنيين التي حصدها ما يسمى التحالف العربيّ، ومع تفاقم الكارثة الإنسانية الناتجة عنه واللتي باتت الأسوأ في القرن الحادي والعشرين.
“سنمضي قدماً في ضرب العمق السعودي وتحرير اليمن”، رسالة وجّهتها الحركة بالتزامن مع الخروقات التي يقوم بها التحالف ومن خلفه، وهي لن تثنيهم وفقاً لتصريحاتهم على الإطلاق عن أن يكونوا حاضرين للمعركة الكبيرة، وللانتصار، والأخد بالثأر للشعب اليمني والأمة العربية الإسلامية، وقد بيّنت الحركة مؤخراً أنّ “خروقات التحالف السعودي تعتبر وقوداً للجبهات لتبقى حية ومستمرة”، وأنّ “الإجرام يقرّب الانتصار، فكلما نبذوا العهود وخالفوا الاتفاق فإنّهم يقتربون من هزيمتهم”، حيث تأتي تلك التصريحات بعد أن عانى اليمنيون لسنوات طويلة من الظلم والقتل الجماعيّ والتخاذل الدوليّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ وزراء خارجية مجموعة السبع التي تضم ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة، في ختام قمة عُقدت في لندن، ما أسموها “هجمات الحوثيين عبر الحدود على المملكة العربية السعودية”، مشدداً على “وجوب أن يتوقف هجوم الحوثيين المستمر في مأرب الذي يهدد ما لا يقل عن مليون نازح”، ودعا البيان، جميع الأطراف في اليمن إلى الموافقة على ما أسموها ” مقترحات الأمم المتحدة بشأن وقف فوري لإطلاق النار، وحرية تدفق الواردات عبر موانئ البحر الأحمر، وإعادة فتح مطار صنعاء، واستئناف الحوار السياسي الشامل”.
وفي وقت سابق، تحدثت مصادر دبلوماسية أنّ العروض شملت أيضا فتح كامل لمطار صنعاء وميناء الحديدة والشروع بصرف المرتبات لكافة موظفي الدولة، متوقعة مناقشة المقترحات خلال الجولة المتوقع انطلاقها خلال الايام القليلة المقبلة، فيما نقلت وسائل إعلام تابعة للإصلاح عن مصدر في وفد حكومة معين قوله إن النقاش في الجولة الجديدة من المفاوضات التي تشارك فيها لجنة صنعاء العسكريّة تتركز حول تمديد الهدنة وتوسيعها، نافيا أن يكون قد تم التطرق لملف فتح الطرق الذي تشترطه حكومة معين وتحاول من خلاله عرقلة أيّ مساعي لتحقيق تقدم جديد رغم مبادرات صنعاء بشأن تعز، حيث تشدّد صنعاء على ضرورة توسيع الهدنة بمعاجلة الضروريّ كالمرتبات ورفع الحصار الكلي عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء قبل الخوض في تمديد الهدنة التي تسعى اطراف دولية لان تكون اطول هذه المرة.
عزيمة حقيقيّة
مؤخراً أبدى الحوثيون رأيهم فيما يتعلق بالقبول الأخير للهدنة وفق الشروط الراهنة، حيث أكدت حركة أنصار الله أنّ “القرارات الأخيرة لا زالت تدرس”، معتبراً أنّه “إذا لم يكن هناك عزيمة حقيقيّة في فك العدوان والحصار فإنّ المعركة ستستمر، نحن لا نأبه بأي تهديد، وإنّ قبولنا بالهدنة جاء لأننا لا نريد الاستمرار في الحرب، لكن إذا استمروا في اعتداءاتهم فلن نقف مكتوفي الأيدي”، في وقت تطالب فيه منظمات كثيرة دوليّاً بوقف التعاون الاستخباراتيّ واللوجستيّ مع الرياض، ووقف بيع الأسلحة لها، وممارسة ضغوط على الحكومة السعوديّة لوقف قصفها الجويّ وانهاء حصارها لليمن إضافة إلى استئناف المساعدات الإنسانيّة لليمنيين.
وباعتبار أنّ العدوان العربيّ والغربيّ على اليمن أظهر ارتكاب أبشع الجرائم بحق اليمنيّين، ناهيك عن أسلوب الحصار الخانق على الشعب اليمنيّ الأعزل الذي يعاني أسوأ ظروف صحيّة واقتصاديّة، أشار عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن مؤخراً إلى أنّ الأسلحة التي خيض بها العدوان: “نعرفها ونفهمها ولدينا ما يواجهها”، مشدّداً على أنّ لدى القوات المسلحة اليمنية “أسلحة الردع التي بإمكانها أن تحدد ميزان الردع والانتصار قريباً”، وهذا أيضاً ما قاله قائد حركة “أنصار الله” عبد الملك الحوثي الذي أكّد، منذ أيام، إنه يجب “البقاء على درجة عالية من الجهوزية، والانتباه لكل مخططات الأعداء” في ظل الهدنة القائمة.
ويشار إلى أنّ الأمم المتحدة أعلنت، في الـ 2 من آب/أغسطس، نقلاً عن مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ، أنّ الأطراف المتحاربين وافقوا على تمديد الهدنة شهرين إضافيَّين، مبينةً أنّ “هذا التمديد يشمل التزاماً بشأن استمرار المفاوضات بُغية التوصل إلى اتفاق هدنة موسَّع في أسرعِ وقتٍ ممكن”، وتتضمّن بنود الهدنة السارية في اليمن، منذ الـ 2 من نيسان/أبريل الماضي، والتي جرى تمديدها أيضاً في الـ 2 من حزيران/يونيو، إيقاف العمليات العسكرية الهجومية براً وبحراً وجواً داخل اليمن وعبر حدوده، وتيسير دخول سفنٍ تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة غرب اليمن، كما تضمنت الهدنة السماح برحلتين جويتين من مطار صنعاء الدولي وإليه أسبوعياً، وعقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات، لتحسين حرية حركة اليمنيين في الداخل.
ختاماً، لا شك أنّ اليمنيون باتوا أصحاب تجربة سياسيّة أقوى بكثير عقب الحرب التي خاضوها على كافة الجبهات والمحافل، وإنّ معادلات الحرب بأكملها باتت بين أيديهم ضد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ومن معهما، لذلك لابدّ أن تُطبق الشروط التي وضعوها لحماية البلاد وشعبها من غطرسة وطمع ودمويّة بعض الدول التي عاشت على دماء المستضعفين، بما من شأنه أن يعدل حسابات تلك الدول تجاه جرائمها الشنيعة بحق الأبرياء، حيث تبدو جماعة “أنصار الله” جادة في رسائلها وشروطها فهي التي أسقطت نظريات ومشاريع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان التخريبيّة، خاصة أنّ اليمن يعيش حرباً وحشيّة، وحصاراً خانقاً، وتدميراً ممنهجاً منذ سنوات، ولا يمكن لأيّ لغة في العالم أن توصف المشهد هناك بعد أن كان هذا البلد يوصف بالسعيد يوماً، لكن الآلة العسكريّة لدول العدوان قصفت بنيته التحتية بشكل شبه كامل، واليوم يعول الجميع على شجاعة ومقاومة اليمنيين التي تستند إلى أخلاقهم الإنسانيّة والعربيّة والإسلاميّة في كل الميادين.
المصدر/ الوقت