الخلاف الحدودي والسيناريو الأمريكي الجديد لخلق أزمة في لبنان.. هل سيفتح حزب الله الطريق المسدود
الأزمات والمأزق والنقطة العمياء وغيرها هي مصطلحات مألوفة في الحالة السياسية في لبنان. وحتى أنه على الأقل في العقد الماضي، لم يتمكن اللبنانيون من إدارة شؤونهم السياسية بشكل طبيعي وبناء اتفاق وطني، بالطبع، هذه هي سمة بعض الدول العربية في المنطقة، ومثال واضح آخر في هذا الميدان هو العراق الذي لم يجد مسؤولوه بعد مرور عدة أشهر على الانتخابات النيابية حلاً لتشكيل حكومة أو انتخاب رئيس.
استمرار التدخلات الخارجية والطريق المسدود السياسي للبنان
لقد ساد لبنان مأزق سياسي بعد الانتخابات النيابية في أيار الماضي، وحتى دوائر هذا البلد ليست لديها رغبة كبيرة في الحديث عن تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس جديد. وتشير المؤشرات بوضوح إلى أنه إلى جانب الخلافات الداخلية وعجز الحكومة اللبنانية عن إدارة الملف السياسي للبلاد، كانت التدخلات الخارجية في جميع الفترات الكبرى سببًا في نشوء الأزمة السياسية واستمرارها. ولسوء الحظ، منذ 30 عامًا، لم تتمكن الحكومات التي أتت للعمل في لبنان أبدًا من إدارة بلدها بعيدًا عن التدخلات الأجنبية التي يقودها المحور الأمريكي السعودي.
وفي أسوأ الاحوال فإن هذه الحكومات بحاجة إلى إذن من المحور المذكور حتى لتشكيلها، وإذا لم تتم تلبية شروط ومطالب هذا المحور، فسيظهر وضع مشابه للوضع الحالي في الحالة السياسية اللبنانية. و 22 يونيو 2022، بعد فترة وجيزة من الانتخابات النيابية اللبنانية، كان “نجيب ميقاتي”، الذي كان قد وصل إلى منصب رئيس الوزراء العام الماضي بعد فشل رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري في تشكيل الحكومة، أعيد انتخابه كمسؤول لتشكيل الحكومة. ومثل الحريري، وعد بالكشف عن الحكومة الجديدة والبدء في إجراء الإصلاحات في غضون أسبوعين، ولكن الآن، بعد مرور أكثر من شهرين على ذلك التاريخ، لا يوجد أي احتمال لتشكيل الحكومة.
من جهة أخرى، ستنتهي ولاية “ميشال عون” الرئاسية في 31 تشرين الأول (أكتوبر)، أي بعد نحو شهرين، ولم يتم ترشيح أي مرشح رسمي أو حتى غير رسمي ليحل محله، ما يعني ذلك بسبب مماطلة البعض والأطراف، بما في ذلك نجيب ميقاتي نفسه والمقربون منه في تشكيل الحكومة، وقد يدخل لبنان في فراغ رئاسي، ويزداد هذا الوضع خطورة عندما يتورط اللبنانيون الآن في قضايا حساسة مثل ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وهم بحاجة إلى حكومة رسمية ورئيس للنجاح في هذه الحالة.
ترسيم حدود لبنان مع فلسطين المحتلة والسيناريو الأمريكي الجديد في الحالة السياسية لبيروت
إضافة إلى التحديات المستمرة في القضية السياسية اللبنانية، يعتقد بعض المراقبين أن حساسية قضية الخلاف الحدودي مع النظام الصهيوني لا يمكن أن تفشل في التأثير على المأزق السياسي في لبنان. وكانت مصادر لبنانية قد كشفت عدة مرات من قبل عن أن الأمريكيين، الذين يطلق عليهم الوساطة في قضية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، لا يريدون حل هذه القضية خلال رئاسة ميشال عون حليف حزب الله. واضح أن السبب في ذلك هو الدخول المباشر للمقاومة اللبنانية على خط الخلاف الحدودي مع الصهاينة وتأييد فريق الرئيس لمواقف حزب الله.
والحقيقة أنه قبل دخول حزب الله والسيد “حسن نصر الله”، الأمين العام لهذه الحركة، إلى خط الدفاع عن حقوق لبنان البحرية، كانت جميع الأطراف الخارجية ذات الصلة بهذه القضية مرتاحة لها ولم تهتم كثيرًا بهذا الموضوع. وعلى وجه الخصوص، كان النظام الصهيوني، بدعم من الولايات المتحدة، دائمًا ما ينفذ اعتداءات في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان ويستخرج الطاقة التي يحتاجها، لكن بعد المواقف الحاسمة للمقاومة وتهديدات السيد حسن نصرالله ضد الغزاة، الذي وصل إلى حد التهديد بتبني الخيار العسكري، تغير مسار قضية الخلاف الحدودي وانقلب كل شيء.
بعد ذلك بدأ الصهاينة على عجل في فحص المخاطر الأمنية والعسكرية لقضية الخلاف الحدودي مع لبنان وأبلغوا حلفاءهم حول العالم أنهم يواجهون تهديدًا خطيرًا، لذلك أدرك الجميع عمليًا أن وضع هذه القضية قد تغير تمامًا. وقاعدتها الأساسية تعود إلى موقع المقاومة، وحسب المهلة التي حددها السيد حسن نصرالله، فإن الصهاينة أمامهم أقل من شهر. وبحلول منتصف أيلول (سبتمبر) القادم، يجب إعادة حقوق لبنان الكاملة إليهم والسماح لشركات الحفر الدولية بالعمل لمصلحة لبنان، أو لن يكون لإسرائيل حتى الحق في الوجود في المنطقة المتنازع عليها.
وعليه، وبعد الجهود الفاشلة التي بذلها المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين (الملقب بدور الوسيط في قضية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة) لإنقاذ تل أبيب من المأزق الكبير الذي وقعت فيه، رسم الأمريكيون موقفًا جديدًا وسيناريو جديد لابتزاز لبنان. وهذا السيناريو مرتبط بحالة لبنان السياسية ورهان إسرائيل وأمريكا على إحداث الفوضى في لبنان.
لقد استنتج الأمريكيون، من خلال تجارب الماضي، أنه بسبب الثقل السياسي الكبير لحزب الله في لبنان والمكانة الشعبية العالية للمقاومة في هذا البلد، لن يتم تشكيل الحكومة التي تريدها واشنطن وحلفاؤها في لبنان. ولهذا الغرض، تحاول الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها في لبنان، تأجيل تشكيل الحكومة في هذا البلد على الأقل إلى ما بعد انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية، حتى تتمكن الحكومة المؤقتة من تولي زمام الأمور. ويُعتبر ميشال عون والتيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل حليفين مستقرين لحزب الله على مدى العقدين الماضيين وتوحدوا في المواقف دفاعاً عن المصالح الوطنية للبنان، على الرغم من أن العديد من الحكومات اللبنانية برئاسة أشخاص مثل فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي، إلخ ، حاولت دائمًا إرضاء المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
لذلك، تتصور واشنطن أن استمرار الجمود السياسي في لبنان يطرح خيارين لهذا البلد: أولاً، في ظل الفوضى التي أحدثتها الأزمة السياسية، لا يمكن أن يظل اللبنانيون ملتزمين بمواقفهم السابقة الداعمة لثروة النفط والغاز في حدودهم البحرية. ثانيًا، على الأقل، سيتم تأجيل معالجة قضية الخلاف الحدودي لمدة شهرين آخرين وبعد انتهاء ولاية عون الرئاسية، وفي هذه الحالة إما أن تتولى الحكومة المؤقتة برئاسة ميقاتي إدارة القضية المذكورة رسميًا والمضي قدمًا فيها. وإما أن تظل الولايات المتحدة أو إسرائيل على الأقل في مأمن من تهديدات حزب الله خلال هذه الفترة وستكون قادرة على الوصول إلى حل مناسب لتحقيق أهدافها في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان.
خطة حزب الله لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان
وبناءً على ذلك، تعتقد العديد من المصادر السياسية اللبنانية أن اللقاءين الأخيرين اللذين عقدهما نجيب ميقاتي مع عون كانا أكثر في شكل مناورة سياسية، وكان ميقاتي ينوي التظاهر بأنه جاد في تشكيل الحكومة، حتى تسقط الكرة في ملعب ميشال عون، لكن في مثل هذا الوضع، قرر حزب الله الدخول في خط حل الأزمة السياسية في نفس الوقت الذي يدير فيه قضية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية. ولقد شدد السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير على ضرورة تشكيل حكومة فاعلة تتماشى مع الدفاع عن المصالح الوطنية للبنان، وبعد ذلك أعلنت مصادر لبنانية مطلعة أن مسؤولي حزب الله ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يفكرون في خطة لتفعيل عملية تشكيل مجلس الوزراء.
وبعد الاجتماع الأخير بين ميقاتي وعون الأسبوع الماضي، دخل الممثلون السياسيون لحزب الله على خط الوساطة وحاولوا تقريب وجهات نظر الجانبين بحيث تصبح مع تشكيل الحكومة الجديدة آلية انتخاب رئيس. ولقد تواصل ممثلو حزب الله مع حركة التحرير الوطنية التي يقودها جبران باسيل الذي اتخذ مؤخرا مواقف قوية ضد نجيب ميقاتي واعتبره العقبة الرئيسية أمام حل الأزمة السياسية في لبنان وانتهاك الدستور، وطالبوهم بالتعاون من خلال اتخاذ موقف هادئ في عملية تشكيل الحكومة للخروج من المأزق السياسي.
وتعرب القوى السياسية اللبنانية عن أملها في أن تساعد إجراءات قيادة حزب الله في فتح الجمود السياسي في البلاد إضافة إلى الدفاع عن ثروة لبنان البحرية. ومن المنتظر أن يعقد لقاء جديد بين ميشال عون ونجيب ميقاتي خلال الأيام المقبلة للحديث عن هيكلية الحكومة الجديدة، كما يحاول حزب الله تفادي أي مناورات جديدة لتأجيل تشكيل الحكومة مع التحذير من مخاطر استمرار الازمة السياسية على المصالح الوطنية للبنان.
المصدر/ الوقت