اشتباكات طرابلس الأخيرة.. من المنتصر في المعركة بين باشاغا والدبيبة
– اندلعت اشتباكات بين قوات حكومة الوحدة الوطنية وقوات تابعة لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا، في 27 أغسطس الجاري، تسببت في مقتل 32 شخصا، بينهم 18 مدنيا، وإصابة 159، حسب ما أعلنت وزارة الصحة الليبية.
وقبل نحو شهر، خلف قتال مماثل في طرابلس 16 قتيلا لكن الاشتباكات الأخيرة كانت على نطاق غير مسبوق، واسعة وأكثر عنفا، منذ محاولة حفتر، دخول العاصمة عسكريا في يونيو 2020 ، في ذروة الصراع.
وبالنظر إلى انتهاء ولاية حكومة الدبيبة في يونيو وفقا لخارطة الطريق، عين البرلمان فتحي باشاغا رئيسا للوزراء في فبراير، ومع ذلك، يصر الدبيبة على تسليم السلطة لحكومة تأتي عبر الانتخابات فقط.
وحتى اليوم، يبدو أنه لا اتفاق سياسيا يلوح في الأفق لإجراء الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية منذ 11 عاما، الأمر الذي يزيد من إمكانية توسع النزاع المسلح.
وعقب عودة الهدوء، قال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إنّ اليد ما زالت ممدودة لمن وصفهم بالخصوم للعمل معهم من أجل وصول البلاد إلى بر الأمان.
وأكد الدبيبة -خلال لقاء المجلس البلدي لمدينة مصراتة وعدد من أعيانها في طرابلس- أن هدف حكومته إجراء الانتخابات، لكنها تنتظر القاعدة الدستورية.
كما جدد عُـمَـد بلديات غربي العاصمة الليبية (طرابلس) دعمهم لحكومة الوحدة الوطنية إلى حين إجراء انتخابات.
وطالبوا -في بيان لهم- مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بالإسراع في استكمال القاعدة الدستورية، لتكون أساسا للعملية الانتخابية.
من جهته قال مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني إن فشل تنظيم الانتخابات لم يكن لأسباب داخلية فقط، وإنما هناك دول عملت عمدا على إفشالها.
كما تساءل السني عن أسباب غياب رد فعل حقيقي من المجتمع السياسي تجاه من عملوا على إفشال الانتخابات وعرقلة العملية السياسية في ليبيا.
وقال المتحدث باسم مجلس النواب الليبي في طبرق عبد الله بليحق إن رئيس المجلس عقيلة صالح بحث مع عدد من أعضاء مجلس الدولة سبل التوصل إلى توافق ليبي-ليبي، وإنهاء المرحلة الراهنة، وتحقيق الاستقرار.
وأضاف المتحدث إن عقيلة صالح التقى عددا من أعضاء مجلس الدولة، وبحث معهم تقريب وجهات النظر بين مجلس النواب ومجلس الدولة.
إن الخسائر البشرية والمادية -رغم فداحتها- لم تكن وحدها ما أزاحت الاشتباكات الستار عنه، بل إن تناحر المليشيات سلط الضوء على أزمة غياب الثقة بين الأطراف الليبية، وخاصة بعد غياب الوسيط الأممي، بانتهاء ولاية المستشارة الأممية ستيفاني وليامز في 31 يوليو/تموز الماضي.
وحسب خبراء فإن غياب الوسيط الأممي بين أطراف النزاع الليبي، كان أحد أسباب جر العاصمة طرابلس إلى أتون حرب بين مليشيات تابعة ومؤيدة لكلا الحكومتين المتنازعتين على السلطة، محذرين من تجددها إن استمر غياب الحل السياسي لأزمة الحكومتين.
وقال المحلل السياسي الليبي الطاهر محمد علق إن بلاده أسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 289 في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1949 والذي قضى بمنح ليبيا استقلالها.
وأوضح المحلل الليبي، أن ذلك يعني أن “الأمم المتحدة عليها مسؤوليات تجاه الليبيين عليها الالتزام بها، ومنها حل الإشكاليات الواقعة بين أطرافها”، مشيرًا إلى أن “غياب الدور الأممي حاليا قد يعقد الأزمة إلى الأبد أو يؤخر مساعي حلحلتها”.
المحلل الليبي أشار إلى أن الأزمة الليبية في الأساس أزمة ثقة بين جميع الأطراف المتصارعة، ما يجعل من وجود وسيط أممي يدير الحوارات بين تلك الأطراف “أمرًا ضروريًا”.
وأشار إلى أن “تأخر اهتمام الأمم المتحدة بحل الأزمة الليبية زاد من حدتها، ما دفع البعض لمحاولة الحل عبر السلاح والعنف، وهو ما بدا واضحًا في اشتباكات طرابلس”، مشيرًا إلى أن تلك المحاولات ستهدد الأمن إن لم تحل الأزمة السياسية وتصبح الشرعية لدى أحد الأطراف أو عبر ائتلاف بينها يجعل امتلاك السلاح أمرًا حصريا على الدولة فقط.
إلا أن المحلل الليبي، عبر عن أسفه لـ”وقوع مجلس الأمن والأمم المتحدة فريسة تصارع الدول دائمة العضوية فيه، وخلافهم حول تكليف شخصية لتمثيل الأمم المتحدة في إدارة الحوار لحل الأزمة الليبية”، مشيرا إلى أن “الخلاف الأممي الحاصل ألقى بظلاله على بلاده”.
تطورات الأوضاع في العاصمة طرابلس أضاف إلى الأمم المتحدة عبئًا آخر إلى جانب توسطها بين الأطراف المتنازعة، بحسب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية علام الزوي، الذي أشار إلى أن الوصول إلى الحل لم يعد الغاية الوحيدة، بل على الأمم المتحدة الآن ضمان تطبيقه في ظل التمترس الحالي وراء السلاح في طرابلس.
وتساءل عن ضمانة تطبيق اتفاق بين أطراف النزاع لكل منهم مليشيات تؤيدهم، مطالبًا الأمم المتحدة بإصدار قانون أممي واضح محدد قطعي لمعاقبة كل من يرفض الحل السياسي في حال توصلت له الأطراف الليبية، وعدم الاكتفاء بالبيانات الأممية التي وصفها بـ”الهزيلة”.
وأشار إلى أن الأمم المتحدة “غير جادة في حل الأزمة الليبية؛ لأنها لو كانت كذلك لعاقبت المتسببين في عرقلة إجراء الانتخابات الماضية في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي “.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أنه رغم أن الانتخابات التي تعثر إجراؤها كانت أحد مخرجات حوار أممي فيما عرف بـ”ملتقى الحوار السياسي الليبي”، إلا أن الأمم المتحدة لم تضع ضمانات لتطبيق ما تم الاتفاق عليه آنذاك.
ورغم أنه قال إن “خروقات” قد حدثت لإجهاض نتائج اتفاق ليبي برعاية أممية، إلا أنه قال إن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقدموا على أي خطوة رادعة لكل تلك الأفعال، ما يعني أن أي حوار يأتي عبر الأمم المتحدة لن يكون المجتمع الدولي ضامنا لتطبيقه على أرض الواقع”.
من جهته أشار مدير برامج شمال أفريقيا والمكتب الإقليمي في معهد الولايات المتحدة للسلام، إيلي أبو عون، إلى أن “الخطوة الأولى” في سياق الانتقال السياسي المنشود هي “إيجاد تسوية سياسية بين الأطراف الرئيسية” في إشارة إلى الحكومتين المتنافرتين.
ولتلافي هذا السيناريو، يلفت أبو عون إلى ضرورة إيجاد حل سياسي توافقي يحول دون اللجوء إلى العنف. ويقول أبو عون في الصدد: “التوافق السياسي سيفضي إلى حوار وطني شامل” ثم يشير إلى أن الاشتباكات المسلحة في ليبيا “لا يمكن أن ترجح كفة أي طرف على حساب طرف آخر”. لا يمكن أن يكون هناك رابح من هذه الاشتباكات” وفق أبو عون، الذي اعترف أن المسار السياسي أصبح رهينة مجموعات مسلحة.
ويرى المحلل السياسي الليبي، إبراهيم بلقاسم، أن أي نزاع مسلح قد يزيد من تعقيد الوضع في ليبيا ويؤجل العملية السياسية المنشودة. بلقاسم قال، تعليقا على ما جرى في طرابلس من عنف مسلح إن ليبيا في غنى عن أي دماء تسيل بفعل الاشتباكات التي تهدف لتغليب كفة على أخرى.
وقال كذلك إن أي صدام سينعكس بالسلب حتى على مصالح الكثير من الدول وخص بالذكر الاتحاد الأوروبي، الذي يخشى من تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية نحوه، من ليبيا.
وكشف أنه خلال الاشتباكات الأخيرة، تم استهداف مركز لإيواء المهاجرين “وهذا سيقود حتما أي مهاجر لمغادرة ليبيا فورا نحو أوروبا”.
كما شدد على أن حقول النفط باتت مهددة بفعل هذه الاشتباكات وقال إن تكرار مثل هذا السيناريو سيعيد ليبيا إلى المربع الأول، مضيفا: “ليس هناك منتصر في أي اقتتال أهلي”.
لكنه عاد ليؤكد أن هذا الوضع “سيشجعنا في التفكير الجدي في الحلول والمخارج” مشترطا أن تكون أي تسوية سياسية قادمة “عبر الانتخابات” ونصح بالتعجيل بتنظيم انتخابات برلمانية، تتيح للجميع المشاركة في صياغة المشهد المقبل، للوصول إلى استقرار فعلي.
ورغم تشديده على ضرورة احترام الشرعية التي أفضت إلى إنشاء حكومة وطنية، إلا أنه قال إن الدبيبة، رئيس هذه الحكومة، “لم يحصل على صك على بياض” وذلك يفرض عليه الالتزام بتنظيم الانتخابات نزولا لما تفرضه أسباب وجود حكومته.
وحسب بلقاسم فإن الصدامات الأخيرة التي ندد بها المجتمع الدولي قد تخدم الدبيبة الذي يتمتع بنوع من الشرعية الدولية، لكنها لا تخدم العملية السياسية، في تأكيد لضرورة إيجاد حل توافقي بين الأطراف المتناحرة سياسيا، حتى تصل ليبيا إلى بر الأمان.
المصدر/ الوقت