التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

اتفاقيات طيران بين تركيا و”إسرائيل”.. ماذا عن شعارات إردوغان 

في الوقت الذي تناسى فيه الرئيس التركيّ رجب طب إردوغان معارضته الشديدة –الظاهريّة- لسياسة الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين، وغضّ الطرف عن الجنايات المروعة للاحتلال وسياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، وانتهاج “إسرائيل” سياسة تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة أبناء فلسطين والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، وعقب تقارب منذ أشهر بين تل أبيب وأنقرة، أعلن المتحدث باسم حكومة العدو، أوفير جندلمان، أن الحكومة الإسرائيليّة صادقت، مؤخراً، على اتفاقية طيران مع تركيا ستسمح لشركات طيران تابعة للعدو بتسيير رحلات جوية من وإلى إسطنبول ومدن أخرى في تركيا، حيث أعاد إردوغان تفعيل العلاقات الكاملة مع الكيان مع عودة تبادل السفراء للمرة الأولى منذ أربع سنوات ناهيك عن زيارات من رأس الهرم الصهيونيّ للأراضي التركيّة.

نفاقٌ تركيّ

“خطوة استراتيجية تساهم في تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، وفي دفع العلاقات بين الكيان الصهيونيّ وتركيا”، هذا ما ادعاه جندلمان في تغريدة على “تويتر”، على الرغم من أنّ الرئيس التركيّ انتقد مراراً وبشكل لاذع السياسات الإسرائيليّة وكان يُعتبر في فترة من الفترات من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، ومن أشدّ المناوئين ولو بالظاهر للسياسات الإسرائيلية الإجراميّة تجاه الفلسطينيين، وسبق أن وصف كيان الاحتلال “إسرائيل” بأنها “دولة إرهابية”، لكنّه أجرى بالمقابل قبل مدّة محادثات مع رئيس الكيان الإسرائيليّ في عاصمة بلاده وبحث الملف الأهم في العالم حاليّاً وهو “إمداد أوروبا بالغاز الفلسطينيّ المسلوب عبر تركيا”، ليلبي طموحات الإسرائيليين أكثر من مسؤولي الحكومة الإسرائيليّة نفسها.

وعقب بضعة سنوات أظهرت فيها تركيا وداً إعلاميّاً تجاه فلسطين وعلى وجه الخصوص “حماس”، يبدو أنّ الحال تغير كثيراً، حيث تأتي تلك الأنباء عقب أيام على مزاعم إردوغان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفلسطينيّ قال فيها إن “الخطوات التي نقدم عليها في علاقاتنا مع إسرائيل لن تقلل من دعمنا للقضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال”، لكنّ الرئيس التركيّ وكما يبدو تعامى عن المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو الإسرائيليّ بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، وفتح أبوابه على مصراعيها لأشدّ أعداء الأمّة الإسلاميّة التي يتشدق الرئيس التركيّ بانتمائه لها، فشدّد الضغوط على الفلسطينيين تحت مبرر أن لتركيا مصالح اقتصادية، وزعم أنّ استئناف العلاقات مع الكيان الغاصب هو أمر سياسي، لكن الفلسطينيين على يقين بأنّ للصهاينة تأثير واضح في تركيا في المسائل الأمنية والزيارات بينهما لا تنقطع وعلى أكثر من منحى.

وفي هذا الشأن، يتغنى الطرف الصهيونيّ بأنّ استئناف العلاقات مع الأتراك يشكل ذخراً مهما بالنسبة للاستقرار الإقليمي وبشرى اقصادية هامة جدا بالنسبة للمهاجرين اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونيّة لسلب وطن الفلسطينيين من أصقاع الدنيا، فبعد أن فشل أردوغان خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، لم ينجح في الهروب من موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس، وإنّ الرئيس الإخوانيّ وعلى ما يبدو هو مجرد خادم للعصابات الصهيونيّة ومساند لها بمختلف الأساليب كما يقول البعض، وماخفي أعظم وفقاً لما يقوله الفلسطينيون والأتراك على حد سواء.

والدليل، تصريح تل أبيب بأنّ العمل جارٍ على تعزيز مكانة الكيان في العالم، أيّ أنّ العلاقة مع تركيا ستجعل بد الصهاينة أوراق ضغوط أكبر على الشعب الفلسطينيّ، حيث إنّ حجم المصلحة السياسيّة لتركيا من التقارب مع العدو ينعكس سلباً بلا شك على هذا الشعب الذي يتعرض لإبادة جماعيّة واضحة وضوح الشمس، حيث يؤكّد محللون أنّ تركيا تسعى تدريجيا وصل الجسور مع دول المنطقة المضطربة والكيان الإسرائيليّ العنصريّ لإبرام اتفاقيات جديدة وجذب الاستثمارات لمساعدة اقتصادها على التعافي من أزمة هي الأسوأ التي تواجه البلاد منذ أكثر من عقدين، وقد ترافق التقارب مع كيان العدو مع مساع لاستئناف الرحلات المباشرة بين تركيا والأراضي الفلسطينيّة المسلوبة من العصابات الصهيونيّة، ما من شأنه أن يجذب مزيدا من السياح إلى المنتجعات التركية، كما تسعى أنقرة إلى إحياء مشروع لبناء خط أنابيب للغاز في شرق المتوسط.

خطوات لمصلحة الكيان

عبّرت تركيا على لسان رئيسها خلال اتصال هاتفيّ مع الصهاينة أنّها “تفضل تعزيز التعاون والحوار على أساس احترام الجوانب ذات الحساسية المتبادلة”، وهذا بمثابة تأكيد لوقوف أنقرة إلى جانب الصهاينة ضد الفلسطينيين بعد أن استأنفت العلاقات مع عدوهم، والدليل على ذلك هو تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، الذي زعم أنّ “القادة الفلسطينيين سواء من حركة فتح أو حماس يرغبون في أن نطبّع علاقتنا مع إسرائيل”، وتابع “يقولون إن الأمر مهم أيضا بالنسبة لهم، وسيخدم هذا الحوار القضية الفلسطينية”، على الرغم من أنّ الرئيس التركيّ لا يمكن أن يهتم سوى بمصالحه الضيقة مع الإسرائيليين، على الرغم من الشهادة التركية والدولية على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة.

وباعتبار أنّ تركيا إردوغان تعلم من أين تؤكل الكتف في السياسة، وقد شاهدنا ذلك في الملف السوريّ والعراقيّ وغيرهما، كما أنّ التاريخ علمنا جيداً كيف تتعامل باستماتة مع مصالحها مهما كلف الأمر من تعاسة على الغير، يبدو أنّ الأتراك سيقدمون التنازلات تلو الأخرى قرباناً لذلكما سينعكس بشكل سلبيّ للغاية على مصلحة القضية الفلسطينية.

وأكبر برهان على ذلك، هو القرار التركيّ بإبعاد النشطاء التابعين لحماس عن الأراضي التركية، ومنع عودتهم إليها، ما أثلج صدور القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، حيث شاهدنا تلك الرغبة مع انتشار فضائح التجسس الإسرائيلية في تركيا عبر شبكات من عدة أفراد، قامت بعمليات تجسس على رعايا أجانب فلسطينيين وسوريين ومنظمات مجتمع مدنيّ، لصالح العدو، وقد تابعنا كيف صنّف العدو الصهيونيّ 6 مراكز حقوقية فلسطينية بأنّها “إرهابيّة”، وبالتالي جرّم عملها والعاملين فيها، باعتبارها تؤدّي دوراً محوريّاً في المجتمع الفلسطينيّ وتوثق بشكل كبير جرائم العصابات الصهيونيّة، رغم أنّها تقديم خدمات رعاية وتطوير هامة للنساء والأطفال ولفئات واسعة من المجتمع القابع تحت الاحتلال، وتأمن حماية قانونيّة واجتماعيةٍ لهم، ناهيك عن أنّها تمثل حقوق الانسان الفلسطينيّ في المنابر الدوليّة.

وجاءت تلك الخطوة بعد أن سلّم الكيان الصهيونيّ قائمة بأسماء نشطاء من حركة حماس للسلطات التركية، ومعلومات عن دورهم في عمليات ضد الكيان الإسرائيلي، فيما أبلغ الأتراك حركة حماس بأنها قد تعهدت بعدم العمل من داخل تركيا، و”الآن عليكم مغادرة البلاد”، وذلك بعد أن أجرى الرئيس التركيّ محادثات مع رئيس الكيان الإسرائيليّ في أنقرة.

نتيجة لكل ذلك، إنّ أكثر ما تلهث وراءه تركيا الغارقة اقتصاديّاً هو المصلحة الاقتصاديّة والدليل هو اتفاقات الطيران الأخيرة وما تحدث به السفير الإسرائيليّ السابق لدى المملكة الأردنيّة والاتحاد الأوروبيّ، عوديد عيران، قبل مدّة، حول أنّ تركيا تعد “أفضل خيار” لنقل الغاز الفلسطينيّ المُسيطر عليه من عصاباتهم الصهيونيّة إلى أوروبا، وأن اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي والإسرائيليّ قد يسفر عن تفعيل هذا الخيار الذي تعطل نتيجة مزاعم الخلافات بين تركيا والكيان الإسرائيليّ، حيث إنّ أنقرة تعلم أنّها الخيار الأنسب لنقل الغاز من منطقة شرقي البحر المتوسط إلى أوروبا خاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولهذا لا شيء أهم من ذلك بالنسبة للأتراك.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق