التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

ازواجيّة المعايير في فيسبوك تجاه فلسطين.. حقيقتها وأسبابها 

أورد موقع “ذا إنترسبت” (The Intercept) الأميركي أن شركة فيسبوك توجه المشرفين لبث صور الضربات الجوية الروسية ضد الأوكرانيين لكنها تمنع السماح ببث الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين حسب وسائل إعلام عربية، وقال الموقع في تقرير له إن مستخدمي فيسبوك وإنستغرام الفلسطينيين، وبعد سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية ضد قطاع غزة المحاصر والمكتظ بالسكان في وقت سابق من هذا الشهر، احتجوا على الحذف المفاجئ للمنشورات التي توثق الموت والدمار الناجمين عن ذلك، بالتزامن مع محاولات العدو الصهيونيّ القاتل منع أصحاب الأرض من فضح ممارساته الإجراميّة بحق الفلسطينيين، بالتعاون مع بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ كفيسبوك وخاصة مع وجود رصيد كبير من مقاطع الفيديو والصور الجديدة التي توثّق حجم دمويّة وإرهاب هذا الكيان على جميع المنصات الإلكترونيّة.

رقابة مشدّدة

في الوقت الذي تستعين فيه تل أبيب بمواقع التواصل الاجتماعيّ لتمارس رقابة مشدّدة على المحتوى الفلسطينيّ، إضافة إلى تضييق كبير على وصوله إلى العالم، لتقتل كما يحلو لها، أشار التقرير الأمريكيّ إلى أنّها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المستخدمون الفلسطينيون لمنصتي التواصل الاجتماعي العملاقتين، المملوكتين لشركة “ميتا”، لإزالة منشوراتهم دون مبرر، واصفا ذلك بأنه أصبح نمطا يظهر كالتالي: ينشر الفلسطينيون أحيانا مقاطع فيديو مصورة وصورا للهجمات الإسرائيلية، وتقوم ميتا بإزالة المحتوى بسرعة، وتقدم فقط إشارة غير مباشرة إلى انتهاك “معايير المجتمع” للشركة أو في كثير من الحالات لا يوجد تفسير على الإطلاق.

وبذلك، تقدم وسائل التواصل الاجتماعيّ تلك دعماً آخر للكيان الصهيونيّ الباغي الذي يسعى بالتعاون معها إلى إسكات أصوات الفلسطينيين وداعمي قضية فلسطين على منصات التواصل الاجتماعيّ من خلال “نظام رقابة” وحظر الحملات الرسميّة والشعبيّة الداعمة للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينيّة وخارجها، وقد أقامت شركة “فيسبوك” مركز عمليات خاص في الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها العدو ومستوطنوه، يعمل فيه موظفون يجيدون اللغة العربيّة لرصد المحتوى الفلسطينيّ وإزالة معظم المنشورات المؤيدة للفلسطينيين.

وتؤكّد المستشارة في مركز “حملة المركز العربي لتقدم وسائل التواصل الاجتماعي”، وهي مجموعة مجتمع مدني تتعاون رسميا مع ميتا في قضايا التعبير، وجود رقابة متعمدة على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والرواية الفلسطينية، حيث أجرى المركز خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على غزة، بين 5 أغسطس/آب و15 من الشهر ذاته، ما يقرب من 90 عملية حذف للمحتوى أو تعليق الحسابات المتعلقة بالتفجيرات على منصات ميتا، ونقل الموقع الأمريكيّ عن مروة فطافطة مديرة سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في أكسيس ناو Access Now)) وهي مجموعة دولية للحقوق الرقمية، أن “رقابتهم تعمل تقريبا كالساعة، فكلما تصاعد العنف على الأرض تتصاعد عملية إزالة المحتوى الفلسطيني”، وفقاً لقناة الجزيرة القطريّة.

وفي ظل تأكيد الأبحاث العلميّة المتعلقة بتلك المواقع معلومات حول تقييد أو حذف ملايين المنشورات المؤيدة للفلسطينيين، عن طريق خوارزميات (مجموعة تعليمات) خاصة، ذكر التقرير الأمريكيّ أن من الأمثلة على الرقابة التي يخضع لها المحتوى الفلسطيني أنه وفي 5 أغسطس/آب تمت إزالة مادة لمقتل آلاء قدوم، فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 5 سنوات، في هجوم صاروخي إسرائيلي، وكذلك مقطع فيديو على إنستغرام يظهر سكان غزة يسحبون الجثث من تحت الأنقاض، وقد تمت إزالة كلتا المادتين بإشعار يزعم أن الصور “تتعارض مع إرشاداتنا بشأن العنف أو المنظمات الخطرة” – في إشارة إلى سياسة شركة ميتا ضد المحتوى العنيف أو المعلومات المتعلقة بقائمتها الواسعة من الأشخاص والمجموعات المحظورة تماشيا مع فرض الرقابة على المحتوى الذي يروّج “للجماعات الإرهابية المصنفة فيدراليا في الولايات المتحدة”.

ومع غياب أيّ مبرر لأن تؤثر صورة فتاة عمرها 5 سنوات ورجل مدفونين تحت الأنقاض على ترويج للإرهاب، يتصاعد غضب الكثير من المستخدمين نتيجة إغلاق حساباتهم، بسبب منشورات بعضها يعود لأعوام سابقة، وتتحدث عن القضية الفلسطينيّة، وجرائم الكيان القاتل، وقد اعترف “فيسبوك” و”واتساب” و”انستغرام” بصراحة بتقاعسهم عن مسؤولياتهم القانونيّة والأخلاقيّة في احترام القانون الإنسانيّ الدوليّ، وحق الشعب الفلسطينيّ في التعبير عن الاضطهاد الكبير الذي يتعرض له، فيما عبر الفلسطينيون والمتعاطفون مع قضيتهم العادلة علناً عن شكاوى من الرقابة التي فرضت على الشبكات الاجتماعية في أيار/مايو الماضي، عندما أدت محاولات استيلاء العصابات الصهيونيّة على منازل السكان في القدس الشرقية المحتلة إلى تصعيد إسرائيليّ انتهى إلى مواجهة عسكريّة دامية بين الصهاينة ومقاومي قطاع غزة الذين أمطروا الأراضي المحتلة بصواريخ ردت عليها قوات العدو بغارات جويّة إجراميّة.

وعلى الرغم من أنّ منشورات المستخدمين التي توثق الاعتداءات الإسرائيلية لا تحتوي على رسائل سياسية أو تشير إلى أي انتماء لحركات مسلحة، يمكن القول إنّ خوارزميات فيسبوك تسببت في تعرض الفلسطينيين لدرجة غير مبررة من الرقابة، بعد أن فضح المناصرون لفلسطين الجرائم الإسرائيليّة وأمثلة التحريض على القتل والكراهية والعنصريّة والعنف من المستويين الرسميّ والإعلاميّ في حكومة العدو، في ظل امتلاك “إسرائيل” وحدات إلكترونيّة محترفة ترصد كميات كبيرة من المحتوى الفلسطينيّ، والتبليغ عنه، ما يتسبب في اختلال في التوازن لعدم امتلاك الفلسطينيين لهذه الأساليب على وسائل التواصل الاجتماعيّ.

تعاونٌ مفضوح

بكل تأكيد، تحولت مواقع التواصل الاجتماعيّ في وقتنا هذا إلى ساحات للحروب الالكترونيّة التي تعج بالمنشورات والتعليقات والهاشتاغات المناصرة لفلسطين وشعبها المظلوم، وفي إطار الهجمات الصهيونيّة المستمرة ضد الفلسطينيين ومنازلهم ومقدساتهم، وانتقال المعركة مع العدو أيضاً إلى “الحرب الالكترونيّة” التي أصبحت لا تقل أهميّة عن مقاومتهم وسعيهم لتحرير بلادهم من الجناة المحتلين، تستعين تل أبيب بمواقع التواصل الاجتماعيّ لتمارس رقابة مشدّدة على المحتوى الفلسطينيّ، إضافة إلى تضييق كبير على وصوله إلى العالم، لتقتل كما يحلو لها.

وبات واضحاً للجميع، أنّ الهدف الأساس من هذا التعاون بين حكومة تل أبيب وشركات التواصل الاجتماعيّ هو ممارسة التعتيم وتكميم الأفواه وتشويه النضال الفلسطينيّ من جهة، ودعم حملات التحريض الصهيونيّة الممنهجة من جهة أخرى، بالتزامن مع خطأ جسيم تمارسه منصات التواصل الاجتماعي لتغيير جملة إطار التعامل مع قضية فلسطين كقضية تحرر ونضال ضد الاحتلال والاستعمار والاضطهاد والفصل العنصريّ، مقابل تبني الرواية الأمنية المخادعة للعدو، والتي تعتبر نضال ومقاومة الشعب الفلسطينيّ المشروع “أعمال شغب وعنف وإرهاب”، فيما تعتبر حملات العصابات الصهيونيّة العسكريّة بشتى الأسلحة الثقيلة حقاً للكيان ومؤسساته الدمويّة.

وبما لا شك فيه، يلجأ العدو الإسرائيليّ إلى تلك الممارسات المعادية لأبسط حقوق الإنسان، خوفاً من التضامن العربيّ والعالميّ –على المستوى الشعبيّ- الذي ربما تشهده مواقع التواصل الاجتماعيّ تعاطفاً مع الفلسطينيين ضد من يقتلهم، بالتعاون مع الشركات المتحيزة والمخادعة لكبح جماح الغضب العارم من إجرام وعنصريّة وجبروت الكيان وفضحه أمام الرأي العام العالميّ بعد أن فشل الإسرائيليون مراراً في التستر والتغطية على قتلة الأطفال والنساء، لتبقى الصورة الوحيدة المرسومة في أذهان الجميع عند ذكر “إسرائيل”، هي الموت والدمار، بالتزامن مع الاتهامات الدولية للعدو بأنّه يوظّف علاقاته مع شركة فيسبوك في محاربة المحتوى الفلسطينيّ في الفضاء الإلكتروني الأزرق.

وبالفعل، إنّ تاريخ هذا الموقع سيء للغاية في قمع النشطاء الفلسطينيين وداعمي فلسطين، وقد عمل مع حكومة العدو الصهيونيّ على إلغاء حسابات الكثير من الفلسطينيين بحجة منع التحريض، على الرغم من أنّ الكيان الصهيونيّ الإرهابي منذ مطلع القرن المنصرم حتى اليوم، يستمر بقمع الشعب الفلسطينيّ واستعمار أرضه دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه المتزايدة، بالتزامن مع استمرار بعض الشركات والمؤسسات العالميّة بمساعدته في انتهاكاته للقانون الدوليّ.

ويشار إلى أنّ الحرب الروسية – الأوكرانية أثبتت بالدليل القاطع أنّ المعايير المزدوجة بين معاملة ميتا للمجتمعات الغربية وبقية العالم دليل على المعاملة الخاصة للقضية الأوكرانية من جانب ميتا منذ بداية الحرب، وكذلك من خلال التغطية الإعلامية للحرب على نطاق أوسع، فحسب التقرير الأمريكيّ إن استثناءات العنف المصور في أوكرانيا ليست سوى عدد قليل من الطرق العديدة التي قامت ميتا بتعديلها بسرعة لإرضاء المقاومة الأوكرانية، ففي بداية الحرب اتخذت الشركة خطوة نادرة لرفع قيود الكلام حول كتيبة آزوف، وهي وحدة نازية جديدة تابعة للجيش الأوكراني كانت محظورة سابقا بموجب سياسة الشركة الخاصة بالأفراد والمنظمات الخطرين، كما ذكرت وكالة رويترز في مارس/آذار، أن ميتا سمحت مؤقتا للمستخدمين بالدعوة صراحة لقتل الجنود الروس، وهو خطاب من شأنه انتهاك قواعد الشركة.

خلاصة القول، دعا الكيان الصهيونيّ الغاصب وبكل صراحة على لسان مسؤوليه، المسؤولين التنفيذيين في فيسبوك إلى أن يكونوا أكثر استباقية في إزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين في مواقع مختلفة، ولا يوجد دليل قاطع أكثر مما ذُكر، للتأكيد على التبعيّة الحقيقيّة لتلك البرامج التي تدعي أنّها تُعطي الأفراد حريّة لا يتمتعون بها في واقعهم، لكن وعلى ما يبدو فإن الخطوط الحمراء للشركات العملاقة أصبحت مكشوفة لأبعد حد، كما أنّ موقع فيسبوك المتواطئ مع تل أبيب لم يعالج في السابق القضايا التي أثارها الناشطون الأحرار وتعامل معها كرسائل عدوانيّة، فهل من دليل أعظم من ذلك.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق