التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

محكمة ألمانية تُنصف صحفية فلسطينية طُردت من الـ “DW”.. الأبعاد والنتائج 

أشارت الصحفية الفلسطينية مرام سالم، التي فصلت قبل أشهر من شبكة “دويتشه فيله” الإعلاميّة الألمانيّة، بسبب إدانتها لانتهاكات الاحتلال، إلى أن المحكمة الألمانية المعنية بتلك القضية، قضت بأن الفصل كان غير قانونيّ، حيث إنّ محكمة ” بون” الألمانيّة أصدرت منذ فترة أمراً قضائياً حول إنهاء عقد شبكة “DW” غير صالح، مؤكّدة أنّ منشورات الصحفية سالم على “فيسبوك” ليست “معادية للسامية” وبالتالي فإنّ الفصل غير قانونيّ، والذي جاء نتيجة العلاقات التي توصف بالوثيقة والمستمرة بين ألمانيا والكيان الصهيونيّ العنصريّ، وقد أطلقت إذاعة DW “صوت ألمانيا” الدوليّة المعروفة، والتي تُعد واحدة من كبريات إذاعات العالم الموجهة لخارج ألمانيا، إجراءات تأديبية في عدة حالات تتعلق بمزاعم “معاداة السامية” من عدد من العاملين بها مع طردهم من عملهم.

فضيحة كبرى

إنّ ما جرى مع الصحفيّة الفلسطينيّة يمكن تسميته بالفضيحة الكبرى لألمانيا التي تدعي على الدوام الديمقراطيّة والإنسانيّة، حيث انكشف التحيز الألمانيّ تجاه الفلسطينيين كعين الشمس، لمصلحة تل أبيب في عدوانها على مختلف الساحات دون أيّ وجه حق، وقد شاهد العالم طريقة تعاطي برلين مع قضية العدوان الإسرائيليّ الهمجيّ على قطاع غزة المحاصر، والذي راح ضحيته مئات الشهداء (نصفهم من الأطفال والنساء) وآلاف الجرحى مع دمار هائل في البنية التحتيّة، ناهيك عن قرار حظر راية حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس” الفلسطينيّة، بدعوى أنها “منظمة إرهابية”.

“إنّ ذريعة الشبكة من أجل فصلها بأنها معادية للسامية، غير قانونية، ولم نجد في المنشورات معاداة للسامية”، هذا ما خلصت إليه المحكمة الألمانيّة حول القضيّة، قضية تسببت بفصل سبعة صحفيين من شبكة “دوتشه فيليه” منذ شباط/ فبراير من العام 2022 الجاري، بتهمة ” معاداة الساميّة” من بينهم الصحفية مرام سالم، التي وصفت إجراء القناة حينها “بمجزرة الإعدام الجماعيّ المهني للصحفيين”، حيث أبدى مراقبون للقرار دعماً واضحاً لكيان الاحتلال الذي بات يُعرف دوليّاً بصفة “الفصل العنصريّ” رغم جرائمه المتصاعدة بحق الفلسطينيين -أصحاب الأرض والمقدسات-، وإهمالٍ فاضح لكل دعوات التحقيق في جنايات العدو الصهيونيّ، فيما تُصر الحكومة الألمانيّة التي تربطها علاقات جيدة بالإسرائيليين أن تواصل الضغط على الفلسطينيين أينما وجدوا، كما أنّ برلين لا ترغب بتعكير صفو علاقتها مع العدو الذي ينزعج بشدة من أدنى انتقاد له، وقد شهدنا مدى الاستماتة الإٍسرائيليّة لدفع ألمانيا لتصنيف “حماس” كمنظمة إرهابيّة، باعتبار أنّها استطاعت الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب.

وفي الوقت الذي طالبت فيه الصحفية الفلسطينية، الشبكة الألمانية بتحمل المسؤولية عن فصلها، وتقديم اعتذار علنيّ، وسحب الادعاءات بحقها، أوضحت أنّه من الضروريّ على الشبكة الألمانيّة التوقف عن إنهاء عقود عمل الفلسطينيين، بسبب حديثهم المتكرر عن انتهاكات حقوق الإنسانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وكانت الصحفية قد قالت: “أنا بريئة ومع ذلك تمت محاولة استخدامي ككبش فداء وتعريض حياتي المهنية وصحتي العقلية للخطر”، كما أُبلغت الصحفيتان الفلسطينية مرام سالم، والأردنية فرح مرقه، اللتان كانتا تعملان مع شبكة “DW” الألمانية قبل مّدة بقرار طردهما من الشبكة، وذلك بعد شهرين من اتهامها بمعاداة السامية (مصطلح يعنى معاداة اليهود) وكيان الاحتلال الصهيونيّ، بجانب موظفين عرب آخرين، وقالت سالم في منشور لها على حسابها على موقع فيسبوك: “لقد تم إعلامي الآن بقرار فصلي من DW، وذلك عقب نشر صحفي ألمانيّ تقريراً يتهمني مع زملاء آخرين بمعاداة السامية والكيان الصهيونيّ، وذلك بسبب منشورات على فيسبوك”، في انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير الذي تتشدق بها ألمانيا والذي أثقبت الدويتشه فيله مسامعنا بها عبر كل تغطياتها وتقاريرها وبرامجها.

تهمة خطيرة

بات موقف الدفاع عن وطنك أو إحدى القضايا الأهم دوليّاً، جريمة وتهمة خطيرة بالنسبة لألمانيا، وإنّ الصحفيّة الفلسطينيّة طابت منذ البداية شبكة “دوتشه فيليه” “بتحمل المسؤولية والاعتذار علناً وسحب الادعاءات”، وأضافت:” يجب ألا تسعى DW بعد الآن إلى إنهاء عقود عمل الفلسطينيين بسبب حديثهم علنا عن انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية ضد الفلسطينيين”، في وقت تتخذ فيه “إسرائيل” ومناصريها تهمة “معاداة السامية” شماعة لمحاربة الفلسطينيين ومن يوالي قضيتهم المحقة في مختلف الميادين، وقد أشارت مرام سالم في وقت سابق إلى أنّ “دويتشه فيله” قمعت حريتها في التعبير عن رأيها، نتيجة لمواقفها السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية قائلة: “هذا هجوم صارخ على حرية التعبير وعلى الصحافيين وعلى هويتي لمجرد أنني فلسطينيّة”.

وفي ظل نجاح الدعوة التي قدمتها سالم أمام القضاء الألمانيّ ضد قرار فصلها التعسفيّ، يبدو أن أصحاب مزاعم “حرية الرأي والتعبير” أصابتهم نوبة شديدة من الضغط الإسرائيليّ لمحاربة كل ما يشكل “رأس حربة” بنظرهم في معركة الدفاع عن قضية فلسطين ضد العصابات الصهيونيّة الغازية، ومنع مساندة الفلسطينيين في ألمانيا لقوى وفصائل المقاومة الفلسطينيّة والأهالي المحاصرين بين فكي كماشة الاحتلال، حيث أكّدت: ” ناضلت طوال حياتي من أجل حقوق المرأة وحقوق الإنسان وحريات التعبير، ودائما كنت أقف بشكل واضح فيما يتعلق بمواقفي من القضايا الإنسانية، ولهذا فإن المزاعم أثرت على خلال الفترة السابقة بشدّة”.

ولا يخفى على أحد أنّ الدعم الألمانيّ المباشر للكيان الصهيوني يزداد يوماً بعد آخر، وقد اختارت برلين حسب مواقفها الوقوف في صف الكيان القاتل الذي باتت تؤرقه كلمات وأشخاص ومنشورات غير مرتبطة به حتى، فيما أثارت قرارات “دوتشه فيليه” وإجراءات التحقيق التي قامت بها وأسفرت عن فصل الصحفيين، مخاوف الصحفيين الفلسطينيين والعرب، من توجه لملاحقة المحتوى الفلسطيني، جراء تأسيس المؤسسة الألمانية نهج الملاحقة الذي يصفه مراقبون بـ ” الغيستابو الإعلامي” حسب تقرير نشره موقع “بوابة اللاجئين الفلسطينيين”، حيث يمزج بعض الألمان بين معاداة كيان الاحتلال والصهيونية ومعاداة “السامية” أي اليهود، وهذا ما تروجه بعض الأحزاب الألمانيّة الداعمة بقوّة للصهاينة كحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي الديموقراطي البافاري، واللّذين يستنفران على “دولة القانون” الألمانية للرد بحزم على المظاهرات التي تشهدها عادة شوارع العديد من المدن الألمانية عند كل عدوان وحشي إسرائيليّ على الفلسطينيين ومقدساتهم، كذلك بدعوى ” معاداة السامية”.

وعلى الرغم من إنصاف القرار النهائيّ للمحكمة رغماً عنها –باعتقادي- لخوفهم من تشويه سمعة القضاء الألمانيّ، إلا أن أغلب القرارات الألمانيّة متحيزة للغاية وتصب في مصلحة الكيان المجرم، لدرجة أنّ إظهار أي دعم علنيّ لأي طرف في محور المقاومة يعتبر تُهمة كافية للطرد من العمل ومخالفة كبرى للقانون الألمانيّ، في ظل تعامٍ قذر من تلك الدول عن جرائم الكيان الصهيونيّ -السرطان الذي زُرع لفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه وتنفيذ المصالح الأمريكيّة والغربيّة-، دون رقيب أو عتيد بسبب فشل الحكومات العربيّة والدوليّة في محاسبته على جرائمه العنصريّة البشعة بحق أصحاب الأرض، والتي لم ينج منها الأطفال ولا الشيوخ ولا النساء ولا الأسرى ولا المرضى حتى.

خلاصة القول، أظهرت الحكومة الألمانيّة نفسها كداعم أول للعصابات الصهيونيّة، وبدل أن تتخلى عن تاريخها النازيّ، باتت تطبقه على الفلسطينيين والداعمين لفلسطين، كما أنّ المؤسسة الإعلاميّة الألمانية -التي تدعي التحرر التام- وضعت نفسها في مأزق حرج نتيجة هذه القضية، وبالتالي ستعدل مجبرة وظاهريّاً عن نهج استهداف الصحفيين الفلسطينيين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي فشلت كل محاولات الكيان الساديّ في إضفاء الشرعية على دولته المزعومة وشرعنة جرائمها، نجد بعض الدول التي تدعي الديمقراطيّة تصطف بكل ما أوتيت من قوة لنصرة المجرم ضد الضحيّة، رغم تزايد نسبة مقاطعة “إسرائيل” في كثير من الدول، فيما لا تُعطي دولنا للأسف فرص عمل إعلاميّة كما يجب لأصحاب الخبرة والأفكار المقاومة، ما يُضطرهم للعمل تحت رحمة تلك المؤسسات الخبيثة، وفقاً للوقائع.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق