التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

كيف تنظر دمشق إلى تغيير لهجة أردوغان تجاه سوريا 

استقطبت المرونة التدريجية في موقف تركيا من سوريا هذه الأيام، اهتمام المراقبين.

قال رجب طيب أردوغان منذ فترة إنه يجب أن يتخذ هو وحكومته خطوات كبيرة مع سوريا، لإحباط مخططات الأعداء الذين يهدفون إلى تدمير المنطقة والعالم الإسلامي. وأضاف إن بلاده ليس لديها أطماع في الأراضي السورية، وهي ملتزمة بالحفاظ على وحدة أراضي هذا البلد.

من وجهة نظر المراقبين، فإن هذا التغيير المفاجئ في لهجة أردوغان ربما يأتي في إطار إعادة تقييم سياساته طوال السنوات العشر الماضية، ويعكس رغبته في فتح صفحة جديدة ومختلفة مع سوريا في جميع المجالات.

لا يمكن أن يكون هذا التغيير المفاجئ في الموقف واللهجة التصالحية تجاه سوريا صدفةً، ومن المحتمل أن يکون رئيس تركيا، وبعد دراسة عميقة للأخطار التي تهدد تركيا والمنطقة بأسرها، قد توصل إلى استنتاج مفاده بأنه لا توجد طريقة أخرى سوى اتخاذ هذا القرار والتراجع عن كل السياسات السابقة.

يدرك الرئيس أردوغان جيدًا أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في حزيران(يونيو) المقبل، ستكون قضية اللاجئين السوريين ورقةً رابحةً في يد خصومه في الانتخابات، والتي ستستخدم وسط موجة من السخط ضده وضد حزبه الداعم له.

لأن المعارضة التركية المكونة من ستة أحزاب، لديها خطة سياسية واقتصادية وإنسانية خاصة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بالاتفاق مع سلطات دمشق.

لكن ما هو رد فعل سوريا على لهجة أردوغان هذه؟

في الواقع، الجميع يدرك جيدًا الجرح العميق الذي أصاب سوريا حكومةً وشعباً، والأضرار التي لحقت بها في السنوات العشر الماضية ومقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتدمير المدن ونهب الثروات الوطنية، نتيجةً لتدخل تركيا السياسي والعسكري في الشؤون السورية.

سوريا لم تتخذ إجراءات ضد تركيا واعتبرتها حليفةً لها، أي إنها لا تعتبر نفسها مستحقةً لمثل هذه السياسات التدخلية. ودمشق التي تغلبت على جراحها ترحب بأي تغيير في النهج، ولكن بشرط أن يكون جاداً وليس مقصوراً على الكلام.

دمشق تهتم بمصالح الشعب السوري، ودهاء سوريا وسياستها القائمة على الصبر والإيمان الراسخ بالنصر النهائي والقتال حتى آخر قطرة دم للحفاظ على البلاد وأراضيها، كانت استراتيجيةً صحيحةً ومثمرةً. لكن الأمر الذي يجب التفكير فيه هو أن دمشق تنظر بعين الريبة إلى موقف أردوغان.

في الواقع، سوريا تريد تنفيذ تصريحات السلطات التركية، ولا سيما رجب طيب أردوغان، ولا تثق في أقواله. ما تريده دمشق أولاً وقبل كل شيء هو انسحاب جميع القوات المسلحة التركية من الأراضي السورية، وسحب أنقرة دعمها للجماعات المسلحة الموجودة في شمال وشمال غرب سوريا، بما في ذلك حلب وإدلب والحسكة.

دمشق تريد إقامة العلاقات والتطبيع مع تركيا على غرار ما كان قبل 2011، لكنها تريد أن تكون هذه العملية متينةً وموثوقةً، وليس فعلاً إعلامياً فارغاً.

في الواقع، تريد سوريا تفاهمات مع تركيا تكون استراتيجيةً ومستقرةً وليست تكتيكية. على أي حال، يبدو أن الوساطة الروسية بين دمشق وتركيا تؤتي ثمارها. وإذا كانت تركيا تريد تطبيع العلاقات مع سوريا، فعليها التوقف عن دعم الجماعات المسلحة.

كما ذكرنا، يتطلع أردوغان للتخلص من قضية اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا، والتي أصبحت أداة ضغط قوية في أيدي خصوم أردوغان.

بالنظر إلى ذلك، يمكن توقع أن يسعى أردوغان، الذي لا يدخر أي جهد للبقاء في السلطة، للضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى أرضهم، وبهذه الطريقة يفي بأحد مطالب الحكومة السورية التي طال أمدها. لأن دمشق أعلنت دائماً أن الأرضية جاهزة لعودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا ولبنان ومناطق أخرى.

على أي حال، أردوغان سياسي محترف ويقول ذلك أصدقاؤه وأعداؤه، ولن يدخر أي جهد لبقاء نفسه وحزبه في السلطة. وبالتالي، لن يتردد في المصالحة مع بشار الأسد، وسياساته الأخيرة في التطبيع الكامل للعلاقات مع الکيان الصهيوني والتقارب مع الرياض وأبو ظبي، دليل على ذلك.

لن يتمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حل أهم تحدياته الداخلية، أي موضوع وجود اللاجئين السوريين، إلا إذا أقدم علی حل أزمة العلاقات مع دمشق والإنجازات الكبيرة الناتجة عن ذلك.

ويأتي هذا الوضع في ظل تراجع خيار الهجوم العسكري على الأراضي السورية لإنشاء ما تسمى المنطقة الآمنة لأردوغان، من أجل نقل هؤلاء اللاجئين إلى هناك قبل انتخابات 2023 في تركيا.

وعلى الرغم من أن خيار الهجوم العسكري لإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترًا في الشريط الحدودي مع سوريا لا يزال محل نقاش في الأوساط العسكرية التركية، إلا أن التكلفة الباهظة لهذا الخيار تجعل أردوغان مضطرًا لاختيار مسار التقارب مع دمشق، حتی يتمکن بهذه الطريقة من حل المشاكل الأمنية على الحدود وقضية اللاجئين السوريين كتحدٍّ حيوي، للحصول على أصوات الناخبين الأتراك المعارضين لوجودهم في تركيا قبل الانتخابات، وکذلك لتحقيق الإنجازات الاقتصادية والعسكرية المنشودة في علاقاته مع موسكو.

لكن كما ذكرنا سابقًا، لا يثق القادة السوريون بأردوغان، لأنه سعى دائمًا لتحقيق الفوائد دون دفع التكاليف وتقديم التنازلات اللازمة. وفي الواقع، يعتبر قادة دمشق أن موقف أردوغان ولهجته لهما أهداف انتخابية.

من وجهة نظر دمشق، فإن مقدمة تحسين العلاقات بين البلدين هي أن تتوقف تركيا عن دعم الجماعات الإرهابية. کما أن الانفراج في العلاقات مع سوريا كغيرها من دول الجوار، والسير في طريق المفاوضات السياسية لحل المشاكل، مرهون بتوفير الظروف المناسبة.

مصالح تركيا وسوريا متداخلة بالكامل، ويرتبط مصير وسلامة أراضي البلدين ومستقبلهما ببعضهما البعض. کما أن وحدة أراضي سوريا تعني سلامة الأراضي التركية، وأمن تركيا يعني أمن سوريا. لأن كلا البلدين يواجهان تهديدات مماثلة، ويشکلان درعاً أمام السياسة الأمريكية العدوانية في المنطقة.

تستخدم أمريكا حزب العمال الكردستاني وداعش لزعزعة استقرار هذين البلدين وتقسيمهما. لذا، في هذه الحالة، الحل الأكثر منطقيةً هو تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

بالطبع، كان من المفترض أن يتم تحقيق ذلك في وقت أسرع جدًا، ولكن مع ذلك، فإن إمكانية بدء مثل هذه العملية، وإن كان ذلك بتأخير، مهم جدًا. فتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، سيؤدي إلى فشل الخطط الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن تكتفي تركيا وسوريا بتطبيع العلاقات. لأنه يجب أن يكون هناك تعاون جاد بين الحكومتين في مجال مكافحة الإرهاب وضمان أمن الحدود.

كما تظهر الحاجة إلى التعاون بين البلدين في مجال الاقتصاد والطاقة. لأن أمريكا هذه الأيام تسرق النفط السوري، ويمكن لتركيا أن تتعاون مع سوريا لمنع ذلك، حيث يمكن استغلال هذه الثروة الوطنية لصالح الشعب السوري.

اليوم، الحكومة الشرعية في سوريا هي حكومة بشار الأسد. لذلك، يجب أن تكون جهة الاتصال التركية الوحيدة فيما يتعلق بسوريا هي حكومة دمشق. کما يجب القضاء على أي عنصر يخلّ بوحدة أراضي سوريا. وكلتا المنطقتين شرق الفرات وإدلب هي في الواقع جبهة واحدة، ويجب اتباع سياسة تمنع إنشاء الهياكل المستقلة في هاتين المنطقتين.

ويجب أن يكون لحكومة دمشق السيادة على كامل أراضي سوريا، لأن ذلك في مصلحة تركيا. ويجب توفير الظروف لعودة بعض فصائل المعارضة السورية من تركيا إلى سوريا. على سبيل المثال، يمكن لحكومة دمشق أن تعلن عفوًا عامًا في هذا الصدد، ويجب أن تدعم تركيا سلطة حكومة دمشق على البلاد بأكملها.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق