تحذيرات مصريّة لـ”إسرائيل” من انفجار الأوضاع في الضفة الغربيّة.. هل تؤتِي أُكلها
مؤخراً، حذر مسؤولون رسميون في مصر “إسرائيل” من استمرار عملياتها العسكريّة في الضفة الغربية المحتلة، وفقاً لقناة “كان” الإسرائيلية، التي أوضحت أنّ المصريين قلقون للغاية من التصعيد في الضفة الغربية في الأيام الأخيرة، وذلك بالتزامن مع تمادي قوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم بالأخص في الضفة الغربيّة المحتلة التي تتزايد فيها دعوات تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين ما يُظهر بشكل أكبر العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن، وقد أقرّت تل أبيب بنفسها بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة معترفة أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”.
تحذير وانتقاد مصريّ
بشكل واضح وصريح، انتقدت القاهرة تعاطي القيادة الإسرائيليّة مع الضفة الغربيّة، حيث حذرت الكيان الإسرائيليّ من أنّ الوضع قد يخرج عن السيطرة، في ظل إجماع شبه تام على أنّ الضفة الغربية المحتلة على موعد مع انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحاليّ، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وستكون وفقاً لمراقبين ومحللين كُثر ومنهم إسرائيليون رداً حقيقياً وعملياً على الاحتلال الصهيوني، مع صعود احتماليّة عودة المقاومة المسلحة إلى هذه المنطقة، ويمكن أن يكون أقرب مما يتخيل البعض، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة.
وفي الوقت الذي تشير فيه الوقائع إلى الاحتماليّة الكبيرة في أن تُفتح أبواب جهنم على “إسرائيل” التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام، يسود التوتر بين القاهرة وتل أبيب، منذ الخلافات حول نهاية العدوان الإسرائيلي على غزة قبل نحو أسبوعين، فيما بيّنت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أنّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كان قد طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لابيد، خفض التوتر في الضفة الغربية، و”كبح جماح الجيش الإسرائيلي لمنع صدام آخر مع حركة الجهاد الإسلامي في غزة”.
في ظل فشل الوسيط المصريّ بشكل ذريع في حلحلة أيّ ملف بشكل جيد على الساحة الفلسطينيّة، ذكرت قناة “كان” العبريّة، أنّ المسؤولين المصريين انتقدوا السلوك الإسرائيليّ، وأوضحوا أنّ الزيادة الأخيرة في عمليات قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، تحرج السلطة الفلسطينية وتضعف موقفها أكثر، كما يؤكّد الإعلام الإسرائيليّ أنّ عمليات إطلاق النار باتجاه أهداف إسرائيليّة في أنحاء الضفّة الغربيّة ازدادت بشكلٍ كبيرٍ، وذلك خلال العام الحاليّ، بيد أنّ فصائل المقاومة الفلسطينية تُجمع بكل تشكيلاتها على الوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن الضفة الغربية، وتشدّد على أنها لن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين هناك، وقد كانت رسالة واضحة من الفصائل التي حذرت تل أبيب مراراً من استمرار عدوانها على مدن الضفة، وهي تدعو بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة.
“إذا استمر الوضع في الضفة على ما هو عليه، فإنّ إسرائيل ستواجه انفجاراً وفوضى في الأراضي الفلسطينية”، لم يأت المسؤولون المصريون بجديد، فمع كل عدوان جديد تنفذه قوات الاحتلال، يُحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى “غزة ثانية” لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أن أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة رسالة لهذا الشعب بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، وخاصة أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل العنصريّ.
ذعرٌ إسرائيليّ
بالتزامن مع استعدادات الاحتلال الإسرائيلي منذ الأسبوع الفائت لاستخدام طائرات مسيرة هجومية في عملياته العسكرية بالضفة الغربية التي تصاعدت منذ نهاية مارس/آذار الماضي، وفقاً للإعلام العبريّ، تشهد الضفة الغربية حالة من الغليان والاضطراب، وسط مخاوف إسرائيلية من تحولها إلى انتفاضة يشعلها شبان فلسطينيون تحت الـ20 عاماً، وفق تقرير صدر مؤخراً لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في ظل ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة، واستمرار حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها ستظهر في وقت قريب حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكرين الصهاينة.
ومع إقدام قوات الاحتلال على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، تتصاعد احتمالات انفجار الأوضاع التي يتحدث عنها المصريون، بيد أنّ الاحتلال ينسب إخفاقاته المتكررة إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينيّة، معتبراً أنّه يتحتّم على أجهزة الأمن الفلسطينيّة العمل على لجم ما أسماها “العمليات المسلحة” ضد قوّات العدو ومستوطنيه، والذين بلغ تعدادهم حوالي 700 ألف مستوطنٍ.
“ما شهدناه في الأشهر الماضية في الضفة الغربية هو انتفاضة من نوع آخر تختلف عن انتفاضتي الثمانينيات وعام 2000، وتتميّز بكثرة العنف ضد الجيش”، هذا ما ركّز عليه الإعلام التابع للعدو، والسبب الأوحد في عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية، هو الشعور الذي أوصلته العصابات الصهيونيّة للأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة الإسرائيليّة لا يمكن أن تتغير، مع إشارة الإعلام العبريّ إلى فشل سياسية حكومات الاحتلال الإسرائيليّ في التعامل مع الساحة الفلسطينية منذ عام 2009، إضافة إلى القلق الأمني المتزايد في حكومة العدو من ضعف السلطة الفلسطينية، ولا يخفون أنّ أبطال المقاومة الفلسطينيّة لا يتوقفون عن تنفيذ عمليات إطلاق نار تستهدف قوات الاحتلال والمستوطنين في مختلفة مناطق الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، وإنّ تكبيرات الأهالي المتكررة فرحًا وابتهاجًا بعمليات إطلاق النار في بلداتهم، تدلل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال.
وفي هذا الشأن، تتحمل السلطة الفلسطينيّة بالفعل مسؤولية الجرائم التي يرتكبها العدو، في الوقت الذي تمنع فيه إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، فيما تستمر تل أبيب باتهام السلطة بالضعف، حيث زعمت قبل بضعة أشهر أنّ قوّات الأمن التابعة للسلطة في رام الله لا تجرؤ على اقتحام مخيم اللاجئين في منطقة جنين، وأكّدت أنّه عمليًا بات تحت سيطرة مَنْ أسمتهم بـ “المُسلحين”، وهذا ما تكرر مجدداً حيث اتهمت السلطة التي يرأسها محمود عباس بـ “العجز”، فيما يتهم الفلسطينيون سلطتهم بأنّها لا تملك سوى “الهراء الإعلاميّ” و”التنديد والوعيد” بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب.
ومن الطبيعيّ أن يُصاب العدو بهذا الذعر الكبير، وخاصة مع تركيز تصريحات فصائل المقاومة الفلسطينيّة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ الشعب الفلسطينيّ يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، بالتزامن مع ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم وحشية إسرائيلية.
وإنّ ما تشهده الضفة الغربية ويقلق المصريين، هو صورة غُيبت لعدة سنوات، رغم أنها يجب أن تسود بين قوة احتلالية وشعب يتعرض للاحتلال، وإنّ عمليات إطلاق النار التي تستهدف القوات الصهيونيّة التي تقتحم المدن بشكل مستمر ومتصاعد، كما يجري في جنين ونابلس شمال الضفة على سبيل المثال لا الحصر، تدب الرعب الحقيقيّ في قلوب القيادات الصهيونيّة، في وقت يروجون فيه عبر بعض وسائل إعلامهم أنّ عمليات إطلاق نار سوف تبقى قليلة الأثر، لكن في حال حدوث “ثورة ثالثة” ستنتقل العمليات إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق، لتصبح بالفعل قوية إلى الحد المطلوب، بدلاً من استهداف آليات مصفحة، أو نقاط عسكرية اسمنتيّة، وهذا بالضبط ما يرعب الصهاينة.
وفي هذا الإطار، يبدو أنّ الذعر الذي يصيب أركان كيان الاحتلال الغاشم في مكانه، لأنّه ومن غير المعقول أن يسلم الفلسطينيون أرضهم للمحتل الأرعن على طبق من ذهب، رغم التخاذل العربي والدوليّ الفاضح تجاه قضية فلسطين وشعبها المقهور، ليبقى مصير هذه المنطقة مرهوناً بمدى التصعيد الإسرائيليّ، في ظل ازدياد عمليات إطلاق نار واستهداف قوات الاحتلال، إلى جانب إلقاء عبوات متفجرة وحارقة نحو العصابات الصهيونيّة.
وضع متفجر
لا يخفي الإعلام التابع للكيان حجم القلق الإسرائيليّ ما يحدث في الضفة، ويؤكّد مسؤول عسكريّ في قوات الاحتلال، أنّ “الوضع الفلسطيني على الأرض متفجر، وأنّ إسرائيل أمام ظاهرة مقلقة، وتواجه مجموعات مسلّحة لا تعمل من خلال قيادات وتنظيمات”، في وقت يكرر فيه الفلسطينيون بأنّهم سيشعلون كل نقطة يوجد فيها جنود الاحتلال ومستوطنوه بسبب الجرائم الإسرائيليّة، ويشدّدون على أنّهم لن يسكتوا على الاعتداءات الإسرائيليّة الجبانة، ويرددون عبارة “دماء شهدائهم ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً”.
وفي هذه الأيام بالتحديد، أدرك الفلسطينيون بشكل عام وأهالي الضفة الغربية على وجه التحديد أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأدركوا بالكامل أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، وهذا الخيار هو السبيل الأوحد للتصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة، بما يقطع الطريق أمام قوات الاحتلال والمستوطنين ويوقف عربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين، لمحاولة إنهاء الوجود الفلسطينيّ عبر كل الوسائل.
وأكبر دليل على ذلك، نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من “بلادهم”، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
وبالاستناد إلى أنّ سلطة محمود عباس المتعاونة مع الإسرائيليين، منعت بقوّة إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، يتصاعد الرد الفرديّ الذي بات جماعيّاً حاليّاً على هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة، وترسل الضفة المحتلة رسالة للعالم، بأنّها ستكون على الدوام وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، وبيّنت بالوقائع أنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.
إذن، الجميع متوتر وقلق من تصرفات الحكومة الإسرائيليّة الطائشة وأجهزتها العسكريّة، لدرجة أنّ الأميركيين الداعمين الأوائل للعدو من كل النواحي عبروا عن قلقهم العارم مما يحدث في الضفة الغربية، وخشيتهم من حدوث تصعيد، لكن شرارات انتفاضة فلسطينيّة جديدة في الضفة الغربية باتت أمراً واقعاً، وإنّ حدوث ذلك سيغير بالفعل من طبيعة الوضع في فلسطين لمصلحة المقاومة والشعب الرازح تحت نير المُحتل السفاح، ويقود إلى جولة مختلفة بشكل كبير من الحرب، قد تدهور الأوضاع وتقلب الطاولة على رؤوس الإسرائيليين.
المصدر/ الوقت