السكك الحديدية العابرة لأفغانستان… الأهداف والجهات الفاعلة والتحديات القادمة
تتطلع البلدان غير الساحلية في آسيا الوسطى، التي تعتبر السكك الحديدية وممرات العبور على أنها السبيل الوحيد للخروج من الاختناقات الجغرافية، إلى تنويع هذه الطرق حتى تتمكن من حل بعض مشاكلها التجارية بهذه الطريقة. لهذا الغرض، التقى رئيس أوزبكستان برئيس وزراء باكستان على هامش اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند، وأكد الجانبان على الإسراع في تنفيذ مشروع السكك الحديدية العابرة لأفغانستان وإزالة الحواجز التجارية فيه.
لا يزال خط سكة الحديد هذا في مراحله الأولى، لكن السلطات الأوزبكية فتحت حسابًا خاصًا لهذا الطريق وبدأت الاستعدادات لتنفيذه داخل أوزبكستان منذ بضع سنوات. من المفترض أن يرتبط خط سكة الحديد هذا بخط سكة حديد ترميز – مزار شريف – كابول – بيشاور، وتأمل السلطات الأوزبكية استكمال هذا الخط في السنوات الخمس المقبلة.
خط السكة الحديد هذا، الذي يبلغ طوله 760 كيلومترًا، سيحتوي على 33 جسرًا للسكك الحديدية و3 محطات. وتقدر الميزانية المقدرة لإنشاء خط سكة الحديد عبر أفغانستان حوالي 5 مليارات دولار. أقامت أوزبكستان حتى الآن خطًا للسكك الحديدية بطول 75 كيلومترًا يربط مدينة حيراتان على حدود أوزبكستان وأفغانستان بمدينة مزار الشريف، لكن لم يتم استخدامه بعد. قبل أيام قليلة، ناقش القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي ووزير التجارة الأوزبكي سيرجي عمرزاكوف استكمال خط السكك الحديدية بين البلدين بشكل ممر عابر لأفغانستان.
نظرًا لحقيقة أن طالبان ليس لديها ميزانية لبناء هذا الطريق، فقد تحمل الأوزبك والباكستانيون التكلفة، وكما قال رئيس السكك الحديدية الأفغانية، فقد تولت أوزبكستان بناء هذا المشروع من نايب أباد الأوزبكية إلى مزار الشريف وسمنغان في أفغانستان، وسيتم بناء تورخام إلى جلال أباد على نفقة باكستان. من أجل إظهار مدى أهمية بناء هذا المسار للسكك الحديدية بالنسبة لطالبان، فقد أكدوا أنه إذا تم بناء هذا المشروع، فسيستخدمون حوالي 4000 من قواتهم لضمان أمنه. مع التنفيذ الكامل لهذا المشروع، سيتم تقليل وقت نقل البضائع من باكستان إلى أوزبكستان من 35 يومًا إلى 5 أيام، وسيتم تخفيض تكلفة نقل حاوية الشحن القياسية إلى الثلث. ويمكن زيادة البضائع المنقولة عبر هذا الطريق إلى 10 ملايين طن سنويا. يعتقد سيف الدين جباروف، الأستاذ في جامعة طشقند، أن بناء خط سكة حديد أفغانستان سيساعد على تعزيز التفاعل السياسي والاقتصادي بين وسط وجنوب آسيا وسيفتح سوقًا كبيرًا لدول مثل باكستان وإيران والهند وأفغانستان، وسيتم تأمين المتطلبات الاقتصادية وفرص التنمية المستدامة والسلام والاستقرار. ووفقا له، فإن السكك الحديدية الأفغانية ستغير وجه المنطقة بالكامل.
أهمية السكك الحديدية العابرة لأفغانستان لأوزبكستان وباكستان
تحاول أوزبكستان، وهي دولة غير ساحلية ولا يمكنها الوصول إلى المياه المفتوحة، خفض تكاليف النقل باستخدام طرق العبور. بعد بدء الحرب في أوكرانيا، تتابع السلطات الأوزبكية هذه القضية بجدية حتى تتمكن من مواصلة التصدير والاستيراد عبر طرق السكك الحديدية البديلة عن الطريق الأوروبي المغلق. لذلك، وعلى الرغم من انعدام الأمن في أفغانستان، تحاول أوزبكستان استكمال الممر العابر لأفغانستان في أسرع وقت ممكن لحل جزء من مشاكلها في مجال النقل عبر هذا الطريق.
باكستان، التي تعتبر أفغانستان بوابة آسيا الوسطى، تحاول نقل بضائعها إلى هذه المنطقة في أقصر وقت وبتكلفة منخفضة للغاية عبر خط السكك الحديدية العابر لأفغانستان. إضافة إلى الأهداف التجارية، توصلت أوزبكستان وباكستان إلى يقين بأن طالبان ستحكم أفغانستان لفترة طويلة، ولهذا السبب لا يمكن تجاهل تأثير هذه المجموعة على التطورات في المنطقة. لذلك، تحاول سلطات طشقند وإسلام آباد إقحام طالبان في القضايا التجارية للمنطقة بمثل هذه المشاريع من أجل القضاء على تهديدات هذه المجموعة التي كانت موجودة في العشرين عامًا الماضية. لأن طالبان بمشاركتها في مشروع تجاري كهذا ستكون مستفيدة منه أيضا، وسيجعل طالبان تقضي على التهديدات الإرهابية ضد هذه المشاريع الإقليمية بكل قوتها.
منذ توليها السلطة، أعربت طالبان مرارًا عن براءتها من التهديدات الإرهابية وأعلنت استعدادها لمواجهة هذه التهديدات. إن قضية الإرهاب في غاية الأهمية لدول المنطقة، وجميع أعضاء منظمة شنغهاي قلقون للغاية من حدوث انعدام الأمن في أفغانستان، وقد حذروا دائمًا من هذه القضية. وقد طلبت دول المنطقة من طالبان التعاون مع جيرانها الآخرين في هذا المجال من أجل القضاء على هذا الشر المطلق بمساعدة بعضهم البعض. إن دول المنطقة تعلم جيدًا أنها إذا تركت أفغانستان غير الآمنة بمفردها مع هذا الوضع، فإن الوضع سيصبح أسوأ مما هو عليه، فقد تكون له آثار لا يمكن إصلاحها ومن شأنها زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. لهذا السبب، تبنت دول مثل أوزبكستان وباكستان هذا الخوف الأمني من أجل تخفيف عبء عدم الاستقرار وانعدام الأمن في أفغانستان من خلال التفاعلات التجارية.
على الرغم من أن بعض الدول تحاول استخدام خطوط السكك الحديدية الأفغانية للتجارة، فقد وضعت العديد من الدول شروطًا لحكومة طالبان لدخول السوق الأفغانية واستئناف التعاون التجاري، وتشكيل حكومة شاملة في أفغانستان هو أحد الشروط التي تمت مناقشتها، وقد أثيرت هذه القضية مرة أخرى في سمرقند في اجتماع منظمة شنغهاي. كما تدرك طالبان أنها إذا لم تمتثل لمطالب المجتمع الدولي، فستكون معزولة وغير قادرة على التعاون مع الآخرين، وبالتالي فهي تحاول استئناف العلاقات التجارية مع جيرانها أولاً، والسكك الحديدية العابرة لأفغانستان يمكن أن يكون الطريق مقدمة لبدء التعاون مع الجيران.
الأهمية الجيوسياسية لأفغانستان بالنسبة للهند والصين
على الرغم من أن أفغانستان تعاني من عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن منذ عدة عقود، وهذه القضية تشكل عقبة رئيسية أمام التعاون مع الدول الأخرى، إلا أن الموقع الجغرافي السياسي لهذا البلد يعتبر نقطة انطلاق لبعض الجهات الفاعلة في المنطقة لتحسين وضعها الإقليمي والعالمي. نظرًا لوقوعها على الطريق السريع بين جنوب ووسط آسيا، تلعب أفغانستان دورًا مهمًا في التفاعلات التجارية بين البلدان المعنية. الصين، التي تعتبر آسيا الوسطى مهمة لاقتصادها المتنامي، تحاول إقامة علاقات تجارية مع هذه المنطقة في أقصر وقت وبأقل التكاليف من خلال خطوط السكك الحديدية، وأفغانستان هي إحدى هذه الطرق التي يمكن أن تعزز العلاقات بين بكين وآسيا الوسطى بشكل مؤثر.
تحاول الصين، التي تتنافس مع الولايات المتحدة في الساحة العالمية، استخدام قدرات دول مثل أفغانستان لتحسين وضعها العالمي، وقد زادت الثروات الباطنية والنادرة الموجودة في أفغانستان من أهمية هذا البلد بالنسبة للصين. كما وقعت الصين اتفاقيات في مجال الطاقة والبنية التحتية في أفغانستان في الأشهر الأخيرة، حيث يمكن من خلال الاستثمار في هذه القطاعات أن تحتكر استغلال هذه الموارد.
كما تلعب أفغانستان دورًا حيويًا في مشروع طريق الحرير في الصين، ويمر جزء من هذا المشروع عبر أفغانستان، ولكن نظرًا لانعدام الأمن بسبب حرب حركة طالبان ضد الحكومة الأفغانية السابقة في السنوات الأخيرة، فقد تأخر تنفيذ هذا المشروع. وبمجرد عودة الاستقرار لأفغانستان يمكن للصينيين الاعتماد على هذا البلد لتنفيذ خططهم الكبيرة. وبشأن الموقف الجيوسياسي لأفغانستان، قال محمد أظفر أحسن، رئيس هيئة الاستثمار الباكستانية، في وقت سابق، إن أفغانستان لطالما أطلق عليها اسم “قلب آسيا” بسبب دورها المترابط بين أجزاء مختلفة من القارة. لذلك، فإن المشروع العابر لأفغانستان سيساعد هذا البلد أيضًا على التواصل مع خطة “حزام واحد وطريق واحد” الصينية.
اختارت الهند، التي تتنافس مع الصين لزيادة نفوذها في المنطقة، أفغانستان كأحد هذه المجالات، ونظرا لأن الهند تعتبر نفوذ الصين وباكستان في أفغانستان تهديدا لمصالحها الوطنية، فإنها تحاول تحسين وضعها في المنطقة اقتصاديا من خلال تطوير علاقاتها مع هذا البلد. من خلال توسيع علاقاتها مع أفغانستان، يمكن للهند تحييد خطط باكستان ضدها في هذا البلد. نظرًا لأن الهند لديها تفاعلات مكثفة مع دول آسيا الوسطى، فإنها تشعر بالقلق من التهديدات الإرهابية من أفغانستان وتحاول المساعدة في إرساء السلام والاستقرار في هذا البلد، لأن استمرار انعدام الأمن سيكون له تأثير سلبي على تفاعلات نيودلهي مع آسيا الوسطى. لذلك، مع انسحاب أمريكا من أفغانستان، أصبح التفاعل مع آسيا الوسطى قضية مهمة لنيودلهي من النواحي الأمنية والتجارية. إضافة إلى جهود دول المنطقة للوجود في أفغانستان، أبدت طالبان، التي أصبحت الآن طرفًا في هذه التفاعلات، وجهًا سعيدًا لجيرانها.
وترحب حركة طالبان، التي هي بأمس الحاجة إلى استثمارات أجنبية لحل مشاكلها الاقتصادية، بالخطط الخارجية لتطوير البنية التحتية لأفغانستان، لأن تدخل القوى الإقليمية في التطورات الأفغانية يمكن أن يزيد من شرعية حكومة طالبان ويحقق الكثير من الواردات لأفغانستان. يمكن أن تساعد طرق السكك الحديدية التي تربط آسيا الوسطى والمحيط الهندي وحتى الصين في نمو وازدهار الاقتصاد الأفغاني، ولا يبدو أن طالبان لديها أي اعتراض على هذه الإجراءات. أيضًا، في حال قام الغربيون بحجز مليارات الدولارات من الأموال الأفغانية في بنوكهم وبالنظر إلى الوضع الأمني والسياسي لأفغانستان والمشاكل الاقتصادية لأوزبكستان وباكستان، فضلاً عن تضارب مصالح الأطراف الجيوسياسية على المستوى الإقليمي، من المتوقع أن تظل الاتفاقات التي تم التوصل إليها لبناء خط سكة حديد عبر أفغانستان حبراً على الورق مثل العديد من الخطط الإقليمية، وقد يستغرق استغلالها عقودًا، تمامًا مثل تجربة المشاريع السابقة التي كان من المفترض أن تكون أفغانستان جزءًا منها، والتي لم تنجح حتى الآن. خط أنابيب “تابي” الذي كان من المفترض أن ينقل غاز تركمانستان إلى باكستان والهند وفي المستقبل إلى الصين حسب الاتفاقات المبرمة منذ عام 1995، ظل عمليا على نفس مستوى الاتفاقية الأصلية، وبعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود.، حتى البناء لم يبدأ، ولم يتم بناء خط الأنابيب أيضًا. لذلك، حتى يختفي انعدام الأمن في أفغانستان والخوف من التهديدات الإرهابية من هذا البلد، لن تكون الدول الأخرى مستعدة لاستخدام أراضي هذا البلد للتجارة مع المناطق الأخرى.
المصدر/ الوقت