في ظل استجواب الغنوشي واحتجاز العريض.. إلى أين يتجه الوضع في تونس
تعود تونس لتصدر نشرات الأخبار من جديد، حيث أرجأت النيابة العامة في البلاد استجواب زعيم حركة النهضة التونسيّة ورئيس البرلمان السابق، راشد الغنوشي، الذي حضر أمامها الإثنين الفائت مع القيادي في الحركة ورئيس الوزراء السابق علي العريض، للتحقيق معهما بتهم تتعلّق بـ”تسفير جهاديين” من الأراضي التونسية إلى بؤر النزاع في سوريا والعراق، ومع تأجيل الوحدة المتخصصة في مكافحة الإرهاب جلسة الاستماع إلى الغنوشي إلا أنها استجوبت العريض لعدة ساعات وقررت الاحتفاظ به لمدة يوم واحد، حيث سيمثل أمام قاض بقطب مكافحة الإرهاب اليوم الأربعاء، وذلك في وقت الأوضاع السياسيّة المتوترة التي تعيشها تونس عقب الإجراءات الاستثنائيّة من الرئيس التونسيّ قيس سعيد لمواجهة حالة الشلل والانقسام السياسيّ في البلاد ومؤسسات الدولة، والتي يصفها بأنّها ضروريّة ومتوافقة مع الدستور.
“بعد أكثر من 12 ساعة من الانتظار، لم تستمع الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب إلى المتهم الغنوشي وقرّرت تأجيل اعترافاته إلى وقت آخر”، هذا ما قاله وكيل الدفاع عن زعيم حركة النهضة الإخوانيّة المحامي سمير ديلو، فيما قرّرت هذه الوحدة “التحفّظ” على العريّض لاستكمال التحقيق معه بعدما تم استجوابه، وذكر المحامي مختار الجماعي لوكالة رويترز أن العريض سيمثل أمام قاض بقطب مكافحة الإرهاب يوم الأربعاء.
بالمقابل، ندّدت حركة النهضة الإخوانيّة في بيان بـ”ظروف التحقيق وتعتبره انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان”، في وقت تتعمق فيه الأزمة السياسيّة في تونس بشدة بعد حرب سياسيّة شعواء وضارية، سمتها الأكبر كيل الاتهامات وتوجيه السهام بشكل مباشر من وإلى الرئيس التونسيّ قيس سعيد، بعد أشهر طويلة من المواجهة العلنيّة، لتصبح خصومة سياسيّة شديدة بين الأطراف التونسيّة، ويُتهم الغنوشي من قبل ناشطين بأنّه يحاول الالتفاف على الديمقراطيّة التونسيّة، وتغيير شكل النظام لمصلحة حزبه الإخوانيّ، فيما يُتهم الرئيس سعيد باحتكار السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ 25 تموز/يوليو 2021.
وإنّ تونس التي شهدت إثر ما سُمي بـ “الربيع العربيّ” عام 2011 توجه عدد كبير من الجهاديين قدرتهم منظمات دولية بالآلاف للقتال في بؤر الصراع في سوريا والعراق وليبيا، ووجهت انتقادات شديدة لحركة النهضة ذات التبعية الإخوانيّة لكونها سهلت سفرهم إلى هذه الدول خلال تواجدها في الحكم وهو ما تدعي الحركة عكسه، أصدرت عبر القضاء التونسي الأسبوع الماضي قرارات بتوقيف قيادات أمنية وسياسيين كانوا منتمين لحزب النهضة في القضية ذاتها، كما أعلنت السلطات التونسية أنّ قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لعشر شخصيات، من بينها الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي، واستُدعي رئيس الحركة التابع لتنظيم الإخوان ويبلغ (81 عاماً) في 19 تموز/يوليو الفائت للتحقيق معه في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد، وأصدر القضاء التونسي في 27 حزيران/يونيو قراراً بمنع سفر الغنوشي في إطار تحقيق باغتيالات سياسية حدثت عام 2013.
وفي هذا الشأن، نبهت حركة النهضة إلى خطورة التمشي الذي انتهجته ما أسمتها “سلطة الانقلاب” ومحاولاتها استهداف المعارضين لها بالتشويه والقضايا الكيدية ومحاولات الضغط، وتتّهم المعارضة، وبالأخص الجماعات الإسلاميّة بالإضافة إلى منظمات حقوقية، الرئيس التونسيّ بالسعي لإقرار دستور مفصّل على مقاسه وتصفية حسابات سياسية ضدّ معارضيه بتوظيف مؤسسات الدولة والقضاء، رغم أنّ راشد الغنوشي حاول إرباك الرئيس التونسيّ، وذلك من خلال طرح سيناريو الاتجاه نحو النظام البرلمانيّ باعتبار حزبه الإخوانيّ يسيطر على رئاسة مجلس النواب، فيما ابتعد زعيم حركة النهضة بالفعل عن تحقيق تطلعات الشعب التونسيّ وتوجهاته، حيث تبرز استطلاعات الرأي أن الغالبية العظمى من الشعب التونسيّ ترفض استمرار مجلس النواب لأنّه يضم فاسدين باعتقادهم، ويحقق رغبة “الإخوان المسلمين” في هذا البلد، باعتبار أنّهم لا يفضلون أبداً الدولة الوطنيّة بل ويكرهونها.
كذلك، يقول الرئيس سعيد أنّه سيضرب بيد من حديد ما يمكن تسميته “سرطان جماعة الإخوان” المصنفة في كثير من الدول “جماعة إرهابيّة” في مؤسسات الدولة، رغم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها، وقد كشف الرئيس التونسيّ محاولة اختراق رئاسة الجمهورية من خلال الدفع باتجاه تعيين مستشارين يدينون بالولاء لمشيخة الإخوان وعلى رأسهم الغنوشي المدين بالولاء للتنظيم الدوليّ، لهذا من غير المتوقع أن يتخلص هذا البلد بسرعة من هذه المعضلة بالتزامن مع الوضع الاقتصادي الذي أرهق كاهل الشعب التونسيّ.
ومنذ فترة طويلة لم تعش تونس استقراراً سياسيّاً، ويمكن القول أن آخر استقرار عاشتعه كان قبل “الثورة التونسيّة” التي اندلعت بعد قيام بائع الفاكهة محمد البوعزيزيّ، البالغ 26 عاما، بإضرام النار في نفسه في 17 ديسمبر / كانون الأول عام 2010، احتجاجاً على معاملة الشرطة له في بلدة سيدي بوزيد وسط تونس، حيث أطلقت وفاة البوعزيزي العنان لسخط كبير ومظاهرات حاشدة ضد الفقر والبطالة والقمع، وارتد تأثير تلك الاضطرابات الشعبيّة خارج الحدود التونسيّة، ما أدى إلى إلى ما تسمى “ثورات الربيع العربيّ” التي أفرزت للأسف دماراً واضطراباً أكبر في العالم العربيّ.
وتأتي هذه الأخبار في الوقت الذي مرت فيه 12 عاماً عن خلع الرئيس التونسيّ الأسبق، زين العابدين بن علي وفراره إلى المنفى، والذي تمت الإطاحة به عقب “ثورة شعبيّة” يوم 14 يناير/ كانون الثاني عام 2010، أنذرت بالانتفاضات الداعية للديمقراطيّة فيما يسمى “الربيع العربيّ”، والذي حول طقس العرب إلى خريف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ونتج عنه صراعات وحروب دموية لم تنته في الكثير من الدول العربيّة، ولم يمر ذلك الربيع على أكثر الدول استبداداً وانغلاقاً وظلماً في العالم العربيّ ما أثار الكثير من الشكوك والتساؤلات حوله، لا سيما أنّه لم يفرز سوى الخيبة والدمار والتشريد للعرب، ولم يحقق أدنى المطالب المحقة التي ثار لأجلها العرب، بل ازداد حجم الاستبداد والتدخلات والفساد والظلم واحتمالات التقسيم، بعد أن خُطفت “ثورات العرب” وزج بطموحاتهم في غياهب النسيان تحقيقاً لمنافع وأطماع من يهمه أن تبقى الدول العربيّة في أوضاع يرثى لها.
المصدر/ الوقت