التصعيد الإماراتي تجاه إيران وتركيا..المصالح الاقتصادية والسياسية تؤثر على سلوك أبوظبي
بعد ما كشف عنه عراب المافيا التركية ضد حكومة أنقرة، حذرت حكومة الإمارات من أنها ستبعده عن البلاد إذا نُشرت تصريحاته على مواقع التواصل الاجتماعي. إن تحرك أبو ظبي في دعم أنقرة يتم في اتجاه تطبيع العلاقات، لكن الإماراتيين يتخذون نهجًا مزدوجًا في التعامل مع المعارضة المناهضة لإيران في أراضيهم ويحاولون تكثيف الفوضى في إيران بدعمهم السياسي.
إن حكومة الإمارات التي استأنفت في الأشهر الأخيرة علاقاتها مع تركيا بعد سنوات من التوتر وأصبح الجانبان يسيران في طريق التطبيع، لذلك، لإرضاء سلطات أنقرة، تسيطر أبوظبي بشكل صارم على أنشطة خصوم أنقرة في الإمارات. وعقب ما كشف عنه سادات بيكار، المعروف بلقب عراب المافيا التركية، عن وجود فساد بين السلطات التركية، حذرته الإمارات من أنه إذا تم نشر مثل هذه الاخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، فسيتم طرده من هذا البلد. هذا بينما يحمل الرئيس الحالي للإنتربول الجنسية الإماراتية والتقى مؤخرًا بوزير الداخلية التركي سليمان صويلو.
وحسب صحفي تركي، لم يتضح بعد إلى أي دولة ستسلم الإمارات باكر إذا قررت ترحيله، لكن هذا التهديد الإماراتي في ظل تحسن العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة وارتفاع عدد الزيارات الرسمية بين مسئولي الجانبين بعد فترة طويلة من العلاقات المتوترة بسبب دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين. وعلى الرغم من توتر العلاقات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة منذ عدة سنوات، إلا أن رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، سعى في الأشهر الأخيرة إلى تحسين العلاقات مع أبو ظبي، وزار أبوظبي قبل بضعة أشهر. وبحث في كلمته علاقات تركيا مع الامارات ووصف السلام في المنطقة بالتاريخي. ولهذا السبب تحاول سلطات أبوظبي عدم السماح لخصوم أردوغان بممارسة أنشطتهم السياسية في الإمارات، لأن هذه الإجراءات ستؤدي إلى تعتيم العلاقات بين الجانبين مرة أخرى.
نهج الإمارات المختلف في التعامل مع إيران
من أجل تطبيع العلاقات مع تركيا، تحاول السلطات الإماراتية حصر أنشطة المعارضين السياسيين لهذا البلد في مدن الإمارات، حتى لا تخلق فجوة في العلاقات الثنائية بين البلدين، لكنها تظهر مقاربة متناقضة تجاه إيران. وفي العام الماضي، أعلنت الإمارات مرارًا وتكرارًا أنها تعتزم تهدئة التوترات مع إيران واستئناف العلاقات الدبلوماسية، لكن إضافة إلى هذه القضية، فإنها تواصل اتخاذ إجراءات ضد وحدة أراضي إيران. وقيل في الأسابيع الأخيرة أن سفير الإمارات سيأتي قريباً إلى إيران لرفع مستوى العلاقات السياسية من التمثيل إلى مستوى السفير، لكن على الرغم من نوايا طهران الحسنة لتطوير العلاقات، إلا أن سلطات أبوظبي لم تتخذ أي إجراء لإزالة التوترات وتصريحات الإماراتيين تثبت عكس ما يدعونه.
وفي السنوات الأخيرة، تماشيًا مع سياسات الولايات المتحدة والنظام السعودي، دعمت الإمارات مرارًا أعمال الشغب المتفرقة من خلال التدخل في الشؤون الداخلية لإيران وحاولت تعزيز خططها ضد وحدة أراضي إيران من خلال المعارضة الداخلية.
وتستضيف الإمارات عشرات الآلاف من الإيرانيين الذين يعيشون في هذا البلد وبعضهم لديه تاريخ من الأنشطة السياسية ضد جمهورية إيران الإسلامية، لكن حتى الآن لم تنظر سلطات أبو ظبي في وضع أي قيود على هؤلاء الأشخاص بل ودعمتهم بالقدر نفسه بقدر استطاعتهم وقدموا لهم التسهيلات وأعطوهم القوة لتحريض المعارضة داخل إيران في الفضاء السيبراني. وعلى الرغم من أن الإمارات لم تدعم علنًا الاضطرابات الداخلية الإيرانية مثل السعوديين، إلا أنها دعمت المعارضين الايرانيين من وراء الكواليس.
ومن خلال وسائل إعلامها مثل “إيران الدولية” ومقرها لندن، تحرض السعودية دائمًا المعارضة على إثارة الفتنة والفوضى داخل إيران، لكن الإمارات التي ليس لديها إعلام قوي تحت تصرفها، ولكنها تدعم مواقف السعوديون ووسائل إعلامهم، وهذا مخالف لسياسة أبو ظبي المعلنة لخفض التوتر مع طهران. ويمكن رؤية التزام الإمارات المطلق بالسياسات السعودية في المنطقة بشكل جيد في قصة قطع الرياض للعلاقات السياسية مع طهران في عام 2014، بعد مهاجمة عدد من الإيرانيين للسفارة السعودية، قامت أبوظبي على الفور بتخفيض علاقاتها مع إيران إلى المستوى الدبلوماسي وهذا الامر يُظهر تعاون الإمارات مع السعودية وأمريكا ضد إيران، بينما طهران لم تتدخل في الشؤون الداخلية للعرب وتطالب بحل الخلافات في المنطقة.
حتى أن الإمارات العربية المتحدة تقدم مطالبات إقليمية ضد إيران وتدعي دائمًا أن الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى) تنتمي إلى هذا البلد وأن إيران ليس لها حقوق سيادية في هذه الجزر، وهو ادعاء لم يعترف به أي بلد. وهذا الامر أدى فقط إلى تصعيد التوتر بين طهران وأبوظبي. ولقد ردت طهران على البيان الصادر عن الاجتماع الـ153 لوزراء خارجية مجلس التعاون للخليج، مؤكدة أن الجزر الثلاث المتنازع عليها مع الإمارات، هي “جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية”.
ووصف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، ما اعتبرته طهران “اتهامات” واردة في بيان وزراء خارجية مجلس التعاون للخليج، بأنها “لا أساس لها من الصحة، وإن هذه الجزر الثلاث: “أبو موسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى”، جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية”.
وعن “أسباب انعدام الأمن في المنطقة”، أوضح كنعاني قائلا: “إن السياسات الهدامة التي تنهجها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والحسابات الخاطئة لبعض دول المنطقة، أدت إلى تدخل الأجانب في المعادلات الإقليمية”. وأعرب عن “أسفه لأن عددا من دول مجلس التعاون الخليجي، وبدلا عن تحمل المسؤولية وتعديل سياساته الفاشلة، يعمل على الإسقاط ويصر على مزاعم متكررة”، متابعا: “الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكما أعلنت دوما، تعتقد أن التعاون الإقليمي بعيدا عن تدخل الأجانب يمثل أفصل السبل لمعالجة المشاكل وتوطيد العلاقات بين دول الجوار، من أجل إرساء الأمن والاستقرار المشترك في المنطقة”.
بل إن الإمارات قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، وفي السنوات الأخيرة من خلال تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، فتحت باب هذا النظام على المنطقة حتى يتمكن من تنفيذ خططه ضد إيران عن كثب. ولهذا الغرض، استقر آلاف الصهاينة في العامين الماضيين في مدن مختلفة من هذا البلد والمناطق الجنوبية من اليمن بمساعدة الإمارات من أجل مراقبة تحركات طهران عن كثب، وتم تنفيذ هذه البرامج بالتوامن مع إعلان أبوظبي عن سياسة تطوير العلاقات مع طهران. إن اقتراب الصهاينة من حدود إيران لن يرسخ السلام والاستقرار في المنطقة فحسب، بل سيؤجج أيضًا تصعيد التوترات، وسيذهب دخانها في المقام الأول إلى عيون المشيخات العربية التي تدافع عن مصالح إسرائيل. لذلك، مع المواقف المتناقضة التي اتخذتها السلطات الإماراتية تجاه إيران، لا يمكن الاعتماد على تصريحات أبو ظبي للتهدئة.
المصدر/ الوقت