التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

مخيم جنين…حكاية صمود لم ولن تنتهي 

بات خطّ النار في الضفة الغربية المحتلّة أكثر وضوحاً، ممتدّاً من جنين مروراً بنابلس وصولاً إلى الخليل، ليبْقى الاشتباك حيّاً، والسلاح متأهّباً لأيّ مواجهة قد تقع، على غرار ما حدث يوم الأربعاء الماضي في مخيّم جنين، الذي شهد معركة جديدة قد تكون الأشرس في الضفة منذ سنوات.

بدأت قوات الاحتلال، الأربعاء، عملية عسكرية واسعة في المخيم، شاركت فيها أكثر من 60 دورية عسكرية وطائرات مروحية، وأخرى مسيّرة مذخّرة بالصواريخ، في ما بدا أقرب إلى اجتياح واسع، استهدف خصوصاً عائلة الشهيد رعد حازم، منفّذ «عملية ديزنغوف» في تل أبيب.

وحسب مصادر محلّية فإن جنود العدو حاصروا منزل العائلة من كلّ الجهات في تطبيق لأسلوب «طنجرة الضغط»، الذي يتّبعه جيش الاحتلال في حصار المقاومين، ومن ثمّ قاموا بقصفه بصاروخ مضادّ للدروع والرصاص الثقيل، ما أدّى إلى احتراقه، واستشهاد شقيق رعد، عبد، ورفيقه محمد الونة، بينما استشهد الشاب أحمد علاونة، وهو أحد عناصر جهاز الاستخبارات العسكرية، برصاصة في الرأس أطلقها عليه قنّاص إسرائيلي، أثناء خوضه مع عشرات المقاومين اشتباكاً مسلّحاً بالبنادق والقنابل المحلّية، منذ اللحظات الأولى للاجتياح.

وادّعت وسائل الإعلام العبرية، نقلاً عن جيش العدو، أن الشهيد عبد حازم متّهَم بتنفيذ عمليات إطلاق نار على آليات لقوات الاحتلال قرب حاجز الجلمة، وتحضيره لتنفيذ هجمات أخرى، في وقت لا تزال فيه ملاحقة والده جارية. وعقب انتهاء الجولة الأولى من الاقتحام، استمرّت المواجهات في محيط المخيّم، ما أدّى إلى إصابة العديد من الشبّان، لتبلغ الحصيلة النهائية للعدوان، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، 4 شهداء و44 جريحاً، بعضهم في حال الخطر، وليعمّ الحداد والحزن والغضب، إثر ذلك، جميع أنحاء الضفة.

وكشف قائد الوحدة الخاصة الإسرائيلية التي نفذت عملية الاغتيال في جنين بحق المقاومين عبدالرحمن خازم، وأحمد علاونة، تفاصيل جديدة حول العملية.

ونشرت وسائل الإعلام العبرية المختلفة المكتوبة والتلفزيونة، مقابلات مع قائد الوحدة وضباطها الذين شاركوا في العملية.

ووصف قائد الوحدة المشار إليه بلقب (د البالغ من العمر 48 عامًا)، العملية بـ “المعقدة”، و “الجحيم الذي استمر لمدة 3 ساعات تحت نيران كثيفة”، مشيرًا إلى أن عشرات الآلاف من الرصاصات أطلقت تجاه الجنود من وحدته والوحدات العسكرية التي شاركت، كما تم للمرة الأولى استخدام عبوة جانبية.

يشير “د”، إلى أنه الساعة 8:50 صباحًا وصلت القوة إلى المنزل الذي كان بداخله المطلوبين، واللذين وصفا بأنهما “قنبلة موقوتة”، لكن تبين أنهما نصبًا “مصيدة موت، وقاموا بتفجير 4 عبوات تزن عشرات الكيلو غرامات الواحدة تلو الأخرى”، مشيرًا إلى أنه لا يتذكر أن رأى منذ سنوات مثل هذه القوة من العبوات.

ويضيف: “كانت عبوات ضخمة اهتزت الأرض من تحتنا، والدخان لوحظ ينبعث من بعيد .. قادتنا رأوه من الجو وكانوا يخشون أن كارثة حلت بنا، وأن المسلحين قتلوا القوة بأكملها”.

يشير “د”، إلى أن العملية ضد المطلوبين استغرقت 10 دقائق فقط، ولكنها استمرت 3 ساعات بسبب كثافة النيران من المسلحين الآخرين، مشيرًا إلى أنهم كانوا يتوقعون أن يواجهوا مقاومة لكن ليست بهذا الحجم الكبير جدًا.

ولفت إلى أن شظايا العبوات وصلت إلى مكان تواجد الجنود في “الدوار الثاني” من مكان العملية والذين تمركزوا على بعد نحو 40 مترًا من المنزل، مشيرًا إلى أنه كان يخشى أن تنتهي العملية بسقوط قتلى وجرحى، وأنه كان يتنقل من جندي إلى آخر للاطنئنان عليهم، واصفًا ما كان يجري بأنها “لحظات صعبة”.

وأشار إلى أنه تمت تصفية المطلوبين الاثنين على بعد 4 أمتار من أحد الجنود الذي صادفهما وهما يحاولان الهرب من المنزل بعد تفجير العبوات.

وحاول الضابط، التفاخر بالجندي الذي يعمل تحت أمره، وزعم أنه لم يستلق مثل باقي الجنود الآخرين، وأنه واجه المطلوبين وقتلهما.

ويقول “ن” الجندي القاتل، إنه كان مسؤولًا عن الجنود الذين استلموا مهمة العمل في الجناح الخلفي من المنزل والذي كان من المفترض أن يكون طريق هروب المطلوبين، وفي غضون ثوانٍ من الانفجار الكبير، وقف أحد المطلوبين أمامي ولم يتوانَ بمحاولة إطلاق النار، وفي جزء من الثانية أطلقت النار عليه، ثم لاحظت المطلوب الثاني يقف خلفه متفاجئًا، وأطلقت عليه النار.

وأشار إلى أنهم واجهوا مقاومة شديدة، قائلًا: “في جنين تعرف دائمًا كيف تدخل إليها، لكن لا تعرف أبدًا كيف تخرج .. عشرات الجنود تحولوا إلى أهداف مركزة، عبوات ناسفة تلقى من كل مكان، وآلاف الرصاصات”.

وبالعودة لقائد الوحدة “د”، قال: وصلنا بصعوبة إلى المدرعات ولم نتمكن من الخروج سيرًا على الأقدام .. شعرنا أن حياتنا كلها في خطر لكن كنت متأكدًا أننا سنخرج من هناك لأن هذه وظيفتنا العمل تحت النار، لقد كانت حقًا مثل فيلم حرب في هوليود .. كان الأمر أسوأ من فيلم بلاك هوك داون الذي يعد عملًا وديًا مقارنةً بما مررنا به في جنين.

تأتي الجريمة الصهيونية في الذكرى الثانية والعشرين لانتفاضة الأقصى لتؤكد حسب بعض المحللين للكل أن مسار المقاومة وحده الذي يمكن أن يقود إلى حرية الفلسطينيين، وأن الضفة خزان ثوري يجتهد الاحتلال لقضم التجربة المقاومة الناشئة في ربوعها، عبر سياسة الاغتيالات المستمرة يوما بعد يوم.
ذلك أن الضفة بإمكاناتها البشرية المهيأة للثورة، وتضاريسها الجبلية، وموقعها الذي يضرب الكيان في مقتل، حيث تقف بجبالها الشامخة قريبة جدا من مركز ثقله البشري في غوش دان، ما يجعل الوصول إلى أولئك المستوطنين قريبا جدا بأبسط الأسلحة، كما أنها تطل على مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وتشرف على عشرات الطرق الحيوية، ما يجعل قدرتها على إيذاء هذا المحتل كبيرة ومؤلمة.



وكان المشهد الذي رأيناه في عملية الاغتيال هذه، مشهد يظهر هشاشة الجبهة الداخلية للعدو،حيث بالغ الضابط الصهيوني في الوصف وأراد القول إن قدرة قواته كانت أكبر حسب تعبيره ،وحاول أن ينسج قصة من خياله لإظهار القوة المزيفة لإسرائيل، لكن الحقيقة هي أن شباب هذه المنطقة ثاروا على الاحتلال. وأدركوا أن عليهم أن يقاوموا بالسلاح وكانوا يؤمنون بخيارهم لدرجة أنهم وقفوا بوجه العدو المدجج بالسلاح على الرغم من حجم اسلحتهم القلیل. وهذا ما أرعب الكيان، وهذا يمكن أن يسحق معنويات الجندي الإسرائيلي.

ففي إسرائيل يتعامل المستوى الرسمي والأمني والإعلامي مع المخيم على أنه “الرقم الصعب” في الضفة، ولمجرد اقتحامه توضع الخطط التي يتوقع خلالها وقوع إصابات وقتلى في صفوف جيش الاحتلال.

والحديث عن مخيم جنين والتحريض ضده لا يتوقف في الإعلام العبري، فقد تحول لأيقونة للمقاومة، وخلق حالة استثنائية استوجب من المستوى الأمني الإسرائيلي التعامل معها بشكل مختلف، وهو أيضا ما تبرر به إسرائيل حالة العنف التي تتعامل فيها مع محاولاتها اقتحام المخيم، إلى جانب الدعوات” لسور واقي 2″ والقصد منها اجتياح مخيم جنين فقط.

وفي هذا المشهد أيضاً المقاومين ذكّروا الاحتلال ببأْسهم في مواجهته إبّان الاجتياح الذي كبّده خسائر مؤلمة، فضلاً عن العمليات الفدائية التي خرجت من هذه المدينة تحديداً. وإذا كانت جنين قد برزت كقائدة للمقاومة خلال الانتفاضة الثانية، وشكّلت معركة مخيّمها آنذاك علامة فارقة في تاريخها، اكتسبت المدينة على إثرها ألقاب «جنين غراد» و«عاصمة الإرهاب» و«عشّ الدبابير»، فإنها تبدو اليوم أكثر ثباتاً على نهجها، الذي استطاعت تجديده منذ معركة «سيف القدس»، وصولاً إلى شكله الحالي، حيث لا يفتأ يتوسّع في اتّجاه مدن أخرى، على رأسها نابلس القديمة ومخيّماتها والخليل ورام الله. وهذا النهج تحديداً هو ما أعادت جماهير الضفة تمسّكها به أمس، في مسيرات مندّدة خرجت إثر مجزرة مخيّم جنين، في حين أعلنت سلطات الاحتلال رفع التأهّب الأمني إلى درجة قصوى، ليس في الضفة فقط، وإنّما أيضاً في الداخل المحتل، خشية خروج تظاهرات ساخطة قد تتحوّل إلى مواجهات عنيفة على غرار ما جرى في أيار 2021. وبينما احتفى قادة العدو والمستوطِنون بالمجزرة، ودعوا إلى تكرارها في جنين ونابلس، كان الفلسطينيون يهتفون بالمطالبة بالانتقام، وعلى رأسهم أبو رعد حازم الذي خاطب المقاومين في فيديو قصير إثر استشهاد نجله الثاني، بالقول: «المخيم أمانة في أعناقكم… لا تُضيّعوا وحدة الصفّ الفلسطيني».

وفي وقت يهدّد فيه العدو بحملات جديدة ضدّ جنين ونابلس، وتتواصل استفزازات مستوطِنيه في القدس، يبدو أن عدوان الأمس على المخيّم سيكون عنصر تأجيج إضافي للأوضاع الميدانية في الأراضي المحتلّة، ودافعاً إلى مزيد من المواجهات والعمليات الفدائية، في مسلسل لا يزال متواصلاً،

وسبقت أحداثَ جنين مواجهاتُ عنيفة عاشتها أحياء مدينة القدس المحتلّة لليوم الثالث على التوالي، حيث ألقى عشرات الملثّمين في بلدات صور باهر والطور وسلوان الزجاجات الحارقة والألعاب النارية والمفرقعات والحجارة على شرطة الاحتلال، لتردّ الأخيرة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت عليهم وعلى منازل الواطنين، ما أدّى إلى إصابة 15 مقدسياً.

وتزامَنت تلك المواجهات مع «عيد رأس السنة العبرية»، والذي فشلت فيه الجماعات الاستيطانية في حشد آلاف المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى وإقامة الشعائر التلمودية داخله، كما كانت تخطّط له. لكن ذلك لن يمنع استمرار التأهّب الأمني في الضفة والقدس، وخصوصاً أن «الأعياد اليهودية» ستستمرّ حتى الـ17 من تشرين الأول، وأن اقتحامات المستوطِنين للمسجد ستتكرّر، فضلاً عن أن مجزرة جنين ستُلقي بظلالها على المشهد برمّته.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق