التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

انفصال جنوب اليمن عن شماله.. كارثة ستحرق الاخضر واليابس 

علق قيادي اخواني في قناة تابعة للإخوان على الدعوات المتصاعدة بشأن تقسيم اليمن كحل للأزمة التي تدخل عامها الثامن. وقال القيادي الاخواني مصطفى القطيبي إن تقسيم اليمن لن يحدث إطلاقاً ومن يسعى لتقسيمه استغلالاً للظروف الصعبة التي تُمر بها البلاد عليه مراجعة تاريخ اليمن القريب والبعيد. وقال القطيبي في تدوينة له على موقع”تويتر” تقسيم اليمن خط أحمر ومن تسول له نفسه ذلك عليه أن يراجع التاريخ القريب والبعيد ، فاليمن هزمت امبراطوريات ودول كبرى. وأشار القطيبي إلى أن من يستهين بالشعب اليمني بسبب ما وصل إليه من ظروف فهو لا يعرف قوة وصلابة وعظمة هذا الشعب مهما تكن أوضاعه فإنه لا يستكين ولا يقبل الضيم وعصي على التمزيق والتقسيم.

لقد تصاعد الحديث عن خطر تقسيم اليمن بفعل حرب التحالف بقيادة آل سعود وحلفائهم في الإمارات ولا سيما بعد تقليص أبو ظبي قواتها من البلاد وانفضاح مؤامراتها لدفع تقسيمها. وروجت أبوظبي أنها لم تعد قادرة على المضي قدما في هذه الحرب بعد أربع سنوات من الخسائر الضخمة ماديا وبشريا، وسياسيا، ومعنويا وبات الاستمرار في هذا المأزق يعطي نتائج عكسية، أبرزها نقل الخصم للمعركة إلى العمقين السعودي والإماراتي، وتفاقم المعارضة الداخلية والمجتمع الدولي لها في آن. لكن في الوقت نفسه تصاعدات التحذيرات من خطر تقسيم اليمن بفعل ما تنشره الإمارات من ميلشيات مسلحة وخصوصا في جنوب البلاد. ولو حصل تقسيم اليمن فإن مصالح الإمارات ستبقى قائمة، لأنها تسيطر على الجنوب، والمتضرر الوحيد هي السعودية.

وما تزال دعوات انفصال جنوب البلاد عن شمالها مستمرة، رغم التوافق الذي حصل مؤخرا. ودخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية بتاريخ 22 مايو/ أيار عام 1990، بعد اتفاق بين رئيسي الشطرين حينها، “علي عبدالله صالح” (شمال)، و”علي سالم البيض” (جنوب). غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم، وشكاوى قوى جنوبية من “التهميش”، و”الإقصاء”، أدت إلى إعلان الحرب الأهلية التي استمرت قرابة شهرين في 1994، وعلى وقعها لا تزال قوى جنوبية تطالب بالانفصال مجددا، وتطلق على نفسها “الحراك الجنوبي”. وبعد 27 عاما من تحقيق الوحدة، وتحديدا في 2017، تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا ومنذ ذلك الوقت وهو يقود الأصوات الانفصالية، ولا سيما أنه يسيطر على العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (جنوب) ومحافظة سقطرى (جنوب شرق)، إضافة إلى مناطق جنوبية أخرى.

وتأتي هذه الأزمة في ظل حرب مستمرة تشهدها البلاد منذ أكثر من 8 سنوات بين قوات تحالف العدوان السعودي، وحكومة صنعاء المسيطرة على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014. ويرى بعض المطالبين بانفصال جنوب اليمن وعودة الأوضاع إلى ما قبل عام 1990، بأن الانفصال يمثل حلا للتخلص من الأزمات المترتبة على استمرار الوحدة بين شطري اليمن، رغم أن مطالب الانفصال ظهرت في البداية كرد فعل على استغلال الرئيس الراحل علي عبد الله صالح للوحدة وتسخيرها لمصالحه، بعد إحالته للكثير من الموظفين الجنوبيين مدنيين وعسكريين إلى التقاعد بعد حرب صيف 1994 الأهلية، ونهبه هو والمقربين منه لبعض أراضي الجنوب التي كانت مؤممة من قِبَل النظام الحاكم في الجنوب قبل الوحدة.

لكن المظالم التي تسبب بها علي صالح ونظامه للجنوبيين بتسخيره الوحدة لمصلحته، انتهت بعد تركه للسلطة تحت ضغط ثورة 11 فبراير 2011 والتسوية السياسية التي جاءت بها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو ما يعني زوال كل تلك المظالم، لأن المتغيرات التي جاءت بها ثورة 11 فبراير 2011، كان أولها إزالة المظالم التي لحقت بالجنوبيين من قبل علي صالح ونظامه، وبالتالي زوال كل المبررات التي كانت تشكل دافعا لمطالب الانفصال. ونظرا للمتغيرات الجديدة التي طرأت على المشهد السياسي اليمني بعد الانقلاب، وطرأت أيضا على أزمات الإقليم، يمكننا الجزم بأن الانفصال في بيئة سياسية مضطربة يمثل مفتاحا لأزمات جديدة وغير متوقعة، ستلقي بظلالها السلبية على شطري البلاد وعلى استقرار المنطقة والأمن القومي الخليجي والعربي بشكل عام، في وقت تناهض فيه معظم دول العالم أي حركات انفصالية في العالم، خشية من تمددها وتأثيرها على استقرار بلدان أو أقاليم توجد فيها نزعات انفصالية، وهو ما ظهر جليا قبل سنوات قليلة من رفض إقليمي ودولي لمحاولات انفصالية تبناها الأكراد في العراق وإقليم كتالونيا في إسبانيا.

ويعتبر الكاتب السياسي “حسين البهام”، أن “الوحدة اليمنية خيار ومصير شعب عاش على أمل تحقيقها وقدم قافلة من الشهداء من أجل ذلك الهدف السامي”. ويقول: “مؤسف أن نرى اليوم وبعد تحقيق هذا الحلم المنشود تخرج لنا بعض الأصوات المشبوهة لتنادي بالانفصال، بل تقود حملة ضد احتفال الشعب بوحدته”. ويؤكد “البهام” أن “الوحدة لم تكن خيار مكونات أو قيادات سياسية أو أفراد، ولكنها التئام شعب مع بعضه، فليس من السهولة التخلي عنها أو التفريط بها”، موضحا أن “الشعب اليمني سيدافع عنها مهما كانت التضحيات”

حتى الآن، لا يوجد أي توجه إقليمي أو دولي يدعو لانفصال جنوب اليمن صراحة، فجميع الدول الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي اليمني تؤكد مرارا على دعمها للوحدة اليمنية. فضلا عن ذلك، فإن مطالب انفصال جنوب اليمن لا تحظى بالإجماع من قبل جميع القوى والفئات المؤثرة والفاعلة في المحافظات الجنوبية، والتي يؤيد معظمها فكرة الأقاليم الفيدرالية مع استمرار الوحدة، لضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة، وعدم هيمنة فئة محددة، سياسية أو اجتماعية أو غيرها، على السلطة والثروة، سواء في حال استمرار الوحدة أو العودة للانفصال.

لكن لا يعني ذلك زوال خطر الانفصال تماما عن اليمن والمنطقة، فهناك فئات جنوبية ما زالت ترفع مطالب الانفصال، وهناك قوى لديها مليشيات مسلحة وتهدد بالانقلاب على السلطة وإعلان الانفصال، ومن أجل ذلك فهي لا تمانع من تلقي الدعم الخارجي وتنفيذ أجندة الدول الداعمة لها، وهو ما حصل في بداية الحرب على الانقلاب في عدن، عندما تواطأت بعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي مع سيطرة قوات صنعاء على عدن، وكانت تصف الحرب هناك بأنها بين قوى شمالية نقلت معركتها إلى عدن وأنه لا دخل للجنوبيين بها.

نخلص مما سبق إلى أن الانفصال يظل أضعف السيناريوهات احتمالا وأسوأها في نفس الوقت، فهو أضعفها لأنه لا يحظى بالإجماع المحلي والإقليمي والدولي، وأسوأها نظرا لما سيترتب عليه من أزمات جديدة وثغرات أمنية خطيرة ستظل تنخر في جدار الأمن القومي الخليجي والعربي، وعودة الصراعات البينية داخل كل شطر التي ستحركها الثارات التاريخية، وبالتالي ظهور بؤر توتر مزمنة تنهك اليمن بشطريه ودول الجوار بشكل عام، وخاصة أن أزمات الإقليم اعترتها ظواهر سياسية طارئة وغير مألوفة ولا يمكن التقليل من خطرها، مثل الحروب بالوكالة، وظهور تحالفات طائفية وعنصرية عابرة للدول والقوميات، وأيضا ظهور جماعات إرهابية متنقلة ولها قدرة فائقة على التخفي والانتشار والنمو في مناطق الصراعات، إضافة إلى اضطراب العلاقات الدولية وتحولاتها، وعدم الثقة بين الحلفاء والتخلي عن مقتضيات التحالف.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق