عقب اتفاق ترسيم الحدود.. حزب الله عنوان عريض في معادلة الانتصار
كالنار في الهشيم، انتشر خبر اتفاق ترسيم الحدود البحريّة الفلسطينية المُحتلة من الكيان الإسرائيليّ مع الجمهورية اللبنانية، عقب تمسك لبنانيّ طويل في حق حماية واستخراج ثروة البلاد من النفط والغاز وبالأخص المقاومة التي قامت بحماية سيادة لبنان وحقوقه وثروته للحصول على حقه في استثمار ثروته النفطية والغازية وهو الأمل الوحيد الجاد والحقيقي لتجاوز الخطر المحدق بالبلاد، فيما يحتدِم الخلاف داخل كيان الاحتلال الإسرائيليّ حول الاتفاق على ترسيم الحدود بين لبنان والعصابات الصهيونيّة التي تسيطر على الأراضي العربية، حيُث يستمّر تراشق الاتهامات بين مؤيّدي الاتفاق ومعارضيه، على الرغم من أنّ القاسم المُشترك بينهما هو نجاح نصر الله، في “ليّ ذراع الولايات المُتحدّة الأمريكيّة وكيانها الإسرائيليّ”، وإلزامهما، تحت طائل التهديد والوعيد بفتح معركة شاملة في الشمال، على التنازل ومنح اللبنانيين حقهم وفق القوانين والمعاهدات والمواثيق الدوليّة، درءاً لمعركة المنتصر الأوحد فيها “محور المقاومة”، في وقت تحوّل فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم.
في الوقت الذي لاقى الاتفاق بين لبنان والكيان الإسرائيليّ ترحيباً إقليميّاً و دوليّاً كبيراً، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو اتفاق ترسيم الحدود البحرية الفلسطينية مع لبنان بـ”المخزي”، معتبرًا أنه رضوخ لمطالب المقاومة اللبنانية، وهذا ما أقّر به محللو الكيان الذين اعترفوا بأنّ كبار جنرالات جيش العدو خضعوا لإملاءات نصر الله، وطالبوا مؤخراً حكومة كيانهم في توصية رسميّة، كشفت النقاب عنها القناة الـ12 بالتلفزيون العبريّ، بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان بأسرع وقت ممكن لمنع أي تصعيد في الشمال، كما هدّدّ السيد نصر الله، وهذا ما حصل بالفعل.
“هذا ليس اتفاقًا تاريخيّاً، بل استسلاماً تاريخيّاً”، هذا ما قاله نتنياهو عبر تويتر، بعد أن رضخ الكيان الصهيوني لموقف الأمين العام لحزب الله اللبناني وزعيم المقاومة، وأوقف نشاط هذا الكيان في حقول النفط والغاز، الشيء الذي تسبب بنجاح ميزان الردع (المرعب) الذي مارسته المقاومة والذي أجبر الكيان الإسرائيلي على إعادة كل حساباته وتوقيع الاتفاق مع لبنان وفقاً لما يراه اللبنانيون مناسباً، وقد تحدثت مصادر أمنيّةٍ واسعة الاطلاع بالمؤسسة الأمنيّة التابعة للعدو للإعلام العبريّ، أنّه “لم يولد بعدُ لا القائد ولا رجل الاستخبارات الإسرائيليّ أو الغربيّ، الذي يستطيع دخول رأس السيد نصر الله، وينجح في تحليل ما يخطط له”، وبالفعل إن رسائل حزب الله كانت واضحة جدا وفعلت ما كان من المفترض أن تفعله، وأفهمت الإسرائيلي أن الثروة الوطنية للبنان هي “خط أحمر”.
وإنّ نجاح لبنان بالاستناد إلى مقاومته يساهم بشكل كبير في تعزيز الوحدة الوطنية في البلاد، ويرفع شعبية المقاومة بشكل كبير للغاية على ساحة الوطن رغم كل محاولات خفضها في السنوات الأخيرة، والدليل حديث إعلام العدو أنّ نصر الله “اعتاد تسلّق الأشجار بفضل سياسة إسرائيل في العقد الأخير، لذلك يشعر بأنّه يستطيع تهديدها بخصوص ترسيم الحدود”، وبالفعل نجح حزب الله في إقامة معادلة الردع الخاصة به ضد العدو الصهيوني، وهذا الردع لا يقتصر فقط على حماية الموارد البحرية اللبنانية من عدوان كيان الاحتلال، كما أنه يأتي في سياق التعامل مع التهديدات الإسرائيلية ضد مجموعات المقاومة الأخرى والفلسطينيين، وإن الاتفاق وصف من قبل الإسرائيليين بأنه “فشل تلو الآخر”.
من ناحية أُخرى، كشف الاتفاق النقاب عن مدى قدرة حزب الله على تحقيق مصالح اللبنانيين في الأوضاع الاقتصادية التي لا يمكن وصفها سوى بـ “حرب لقمة العيش”، واعتبر من قبل المعارضة الإسرائيلية أنه “اتفاق استسلام مخزٍ من قبل رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس لالأمين العام لحزب الله، فيما أعلنت الرئاسة اللبنانية مؤخراً أن الصيغة النهائية للعرض الأمريكيّ بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي “مُرضية للبنان وتلبّي مطالبه وحافظت على حقوقه في ثروته الطبيعية”، وهذا بالضبط هو هدف حزب الله.
أمّا رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيليّ، فقد أشار إلى أن هذا الاتفاق يبعد إمكانية اندلاع مواجهات مسلحة مع “حزب الله”، وقد تدخل جيش الاحتلال الإسرائيليّ بقوّة في الأيام الأخيرة من أجل تسريع توقيع الاتفاق بين الكيان الغاصب والجمهورية اللبنانية، وذلك لمنع التصعيد العسكريّ على الجبهة الشماليّة بين الأراضي الفلسطينية السليبة ولبنان، والمقصود هنا حزب الله، وهو التصعيد الذي كان من المُتوقّع جدًا أنْ ينفجر في حال لم ترضخ حكومة العدو لمطالب اللبنانيين، ليسجل حزب الله من جديد نهوضاً بالمسؤولية في الدفاع عن حقوق لبنان النفطية والغازية في مياه المتوسّط.
وبناء على ذلك، فتحت المقاومة في لبنان بوابة جديدة لإخراج المحتلين من المنطقة فمن هنا المتوسط ومن هناك الخليج الفارسي وما بينهما باب المندب، حيث إن أمين عام حزب الله معادلة رسم خريطة جديدة عنوانها النصر، وأثبت أنه “صاحب قول وفعل” ولو لم يكن كذلك لما رضخ الإسرائيليون المشهورون بعنصريّتهم ودمويّتهم، وحدد منطقته الاقتصادية الخالصة في مياه المتوسّط لاستخراج ثروته منها، رغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية الهائلة التي حاولت دفع لبنان نحو تقديم التنازلات، لكن الخيار العسكري الذي لا يدرك العدو سواه ردع كيان الاحتلال بالفعل، وكان لافتاً أسلوب تغطية الإعلام الإسرائيلي لهذا الحدث الذي شكّل نصرالله عنوانه الأبرز.
ومن الجدير بالذكر أنّ الموقف اللبنانيّ وعلى رأسه المقاومة المتمسّك بالحقوق البحرية ورفضه للتنازل أمام الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة، كان خطوة مهمة في مسار حماية سيادة اللبنانيين على ثرواتهم ومقدراتهم وحقهم في التصرّف فيها، وهو ما دفع العدو للاستعجال في حل تلك القضية وتوقيع اتفاق سريع قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتصل إلى “حرب شاملة”، في ظل تعاظم قوّة المقاومة اللبنانية العسكريّة والتي تستند بالدرجة الأولى على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، والتي دفعت قادة الجيش والأجهزة الأمنيّة للكيان للرضوخ لتهديداته، وإن توقيع تل أبيب على الاتفاق يؤكد خشيتهم العارمة من أنْ يقوم السيد نصر الله بتنفيذ تهديداته التي أكّد فيها أنّ قادرٌ على إصابة واستهداف أيّ هدف ومنشأة استراتيجيّة في العمق الإسرائيليّ.
في الختام، سجّلت المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في حزب الله نجاحاً عظيماً في الداخل والخارج باعتراف العدو نفسه وإن كان على مضض، فيما بات الإسرائيليون على قناعة تامة بأنّ قادتهم تطوّعوا لتوقيع بين الكيان ولبنان، نتيجة التهديدات التي أطلقها السيد نصر الله، مايعني أنّ القادة الأمنيين الإسرائيليين هُزِموا أمام المقاومة اللبنانية وخضعوا للإملاءات التي وضعها الحزب، ومن بين هؤلاء القادة القائد العّام للجيش، الجنرال أفيف كوخافي، والقائد القادم الجنرال هرتسي هليفي، وجميع نظرائهم في هيئة الأركان العامّة، حيث تحوّل “حزب الله” بالفعل إلى تهديد حقيقيّ لكيان الاحتلال الغاشم عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة، تجعل العدو الإسرائيلي يحسب ألف حساب قبل الدخول في أيّ حرب، فيما يظهر حزب الله اللبنانيّ كقوة مهمة ومؤثرة تُرعب الصهاينة وتزلزل خططهم الشنيعة، مقابل صورة ضعف يتجسد بها العدو الصهيونيّ الذي يقف عاجزاً عن إدراك وتفسير حجم تنامي وثبات المقاومة التي تعادي احتلاله العسكريّ.
المصدر/ الوقت