الضفة الغربية تشهد توترات خطيرة والوضع ينذر بقرب نشوب حرب مسلحة
بينما يحاول الجيش الصهيوني القضاء على فصائل المقاومة التي تشكلت حديثًا في هذه المنطقة وكبح أزمة النظام الأمنية بهجمات مستمرة على الضفة الغربية المحتلة والقدس، إلا أن هذه المحاولات لم يكن لها نهاية سعيدة للصهاينة. وتقوم فصائل المقاومة الفلسطينية، التي حولت الضفة الغربية إلى مسلخ للصهاينة في الأشهر الأخيرة، بإلحاق خسائر جسيمة بالجيش الصهيوني من خلال زيادة العمليات الاستشهادية.
وفي آخر التطورات، أطلق فلسطيني النار على قوات الاحتلال عند حاجز “شعفاط” بالقدس المحتلة، ما أدى إلى مقتل صهيوني وإصابة اثنين آخرين. وتولت كتائب شهداء الأقصى التابعة للجناح العسكري لحركة فتح المسؤولية عن هذه العملية. وفور هذه العملية، حاصر جنود الاحتلال هذه المنطقة. وأعلنت مصادر ناطقة بالعبرية أن منفذ عملية شعفاط فلسطيني يبلغ من العمر 22 عاما. واعتقل الجيش الإسرائيلي حتى الآن أكثر من 30 فلسطينيا في القدس المحتلة وخاصة في مخيم شعفاط. كما أصيب في المواجهات الشاب الفلسطيني الذي نفذ عملية شعفاط وهو الان يعالج في أحد مستشفيات القدس. ولقد أغلق جنود الاحتلال جميع مداخل ومخارج مخيم شعفاط ومنعوا حركة الفلسطينيين في هذه المنطقة.
ولقد أكد الدكتور هاني المصري، المدير العام للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات” أن خطط الاحتلال الإسرائيلي قد فشلت في التصدي للمقاومة الفلسطينية التي تصاعدت خلال الآونة الأخيرة. ولم تعد المقاومة الفلسطينية -وفق المصري- تكتفي بالدفاع عن مناطقها وأحيائها التي تقتحمها قوات الاحتلال بل باتت تقوم بتنفيذ هجمات في نابلس وفي مناطق الضفة الغربية، مؤكدا أن مئات المقاتلين ظهروا في الساحة ويحظون بتعاطف شعبي كبير، في ظاهرة أصبحت تنتقل في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة. وتشهد الضفة الغربية أوضاعا أمنية ساخنة، زادت تصاعدا بمقتل جندي إسرائيلي في عملية تبنتها مجموعة فلسطينية، وذلك في هجوم يعد الثاني من نوعه في أقل من أسبوع. وفي المسجد الأقصى تتجدد اقتحامات المستوطنين بمناسبة ما يعرف بـ”عيد العُرش” أو “عيد المظلة” اليهودي، بينما تتواصل المواجهات بين شبان فلسطينيين والقوات الإسرائيلية في مناطق أهمها أحياء شعفاط وبلدة عناتا شمال القدس المحتلة.
وأضاف المصري إن قوات الاحتلال تبدو في وضع حرج في الوقت الحالي، لأن قيامها بعمليات واسعة سيثير ردود فعل فلسطينية كبيرة وستتصاعد عمليات المقاومة أكثر، مشددا على أن لا خيار أمام الفلسطينيين سوى المقاومة لإعادة قضيتهم لسلم الأولويات في العالم. كما رأى أن السلطة الوطنية الفلسطينية غير مرتاحة لظاهرة الهجمات التي يشنها المقاومون ضد قوات الاحتلال في شمال الضفة الغربية، لكنها عاجزة عن إيقافها. وعلى صعيد الموقف الإسرائيلي، قال أميخاي شتاين، مراسل الشؤون الدبلوماسية في هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية إن إسرائيل تبذل قصارى جهدها من أجل وقف الهجمات التي يشنها الفلسطينيون على الجنود الإسرائيليين، لكنه رفض أن تكون تلك الهجمات دليلا على فشل أمني إسرائيلي في الضفة الغربية. وأرجع تصاعد العمليات الفلسطينية ضد جنود الاحتلال إلى ما وصفه بتراخي قبضة السلطة الفلسطينية التي قال أيضا إن هذه الهجمات ليست في مصلحتها، ومبرزا أن الأميركيين من جانبهم لا يريدون القيام بدورهم من أجل تهدئة الأوضاع، رغم التصريحات التي يصدرونها بهذا الخصوص.
وفي المقابل، قال الجيش الإسرائيلي إن جنوده “رصدوا مشتبها به يلقي قنابل مولوتوف باتجاههم” قرب قلقيلية. وأضاف: “رد الجنود بفتح النار” مشيرا إلى إصابة شخص، كما قال الجيش الإسرائيلي إنه كان يقوم بنشاط روتيني بالقرب من قلقيلية في وقت سابق. وأضاف المصدر نفسه بأن “مثيري شغب” ألقوا حجارة على المستوطنين والقوات الإسرائيلية، ما أدى إلى إصابة جندي بجروح طفيفة، وبأن القوات ردت باستخدام وسائل تفريق أعمال الشغب “وفقا للإجراءات المتعارف عليها”، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية. وأضاف المتحدث باسمه إن كلا الحادثين قيد المراجعة.
من جانبه، قال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيان إن “هذه الجرائم امتداد لمسلسل الانتهاكات والإعدامات الميدانية المتواصلة بحق أبناء شعبنا.. استمرار هذه السياسة، سيؤدي إلى انفجار الأوضاع وإلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار”. وعادة ما تشهد الضفة الغربية، الأراضي الفلسطينية التي تحتلها الدولة العبرية منذ 1967، أيام الجمعة احتجاجات على توسع المستوطنات غير الشرعية في نظر القانون الدولي. وغالبا ما تتخلل هذه الاحتجاجات صدامات مع القوات الإسرائيلية التي كثفت مداهماتها خلال الأشهر الأخيرة في أعقاب سلسلة من الهجمات الفلسطينية أسفرت عن مقتل 19 شخصا في مدنها، ولكن أيضا مع اقتراب موعد الانتخابات في 1 نوفمبر/تشرين الثاني.
خوف في تل أبيب
سلَّط الإعلام الصهيوني الضوء على العملية التي نفذها الشهيد أحمد عابد، والذي ينتمي لجهاز الاستخبارات العسكرية التابع للسلطة الفلسطينية، ولم يمضِ على تخرجه من جامعة الاستقلال العسكرية إلا شهور قليلة. ووصف محللون صهاينة العملية بجزء من السيناريو المرعب الذي كان يخشاه العدو الإسرائيلي إذ اعتبر محلل قناة “12 العبرية” للشؤون الفلسطينية، أوهاد حمو مشاركة عناصر الأجهزة الأمنية بـ”تجاوز للخطوط الحمراء”. ويعزو خبراء هذه العمليات التي يقدم عليها عناصر من أجهزة أمنية تابعة للسلطة، إلى حالة ضعف تشهدها الأخيرة، وفجوة آخذة في الاتساع مع الشارع الفلسطيني.
دفعت الحالة الجديدة وارتباط منفذي العمليات بالأجهزة الأمنية الفلسطينية، إلى تعزيز الاعتقاد لدى العدو الإسرائيلي بوجود مزيد من العناصر الذين يعملون في أجهزة السلطة نهاراً، وفي الليل ينضمون لصفوف المقاومة المسلحة. لكن بالنسبة لخبراء فلسطينيين فإن الأمر طبيعي وغير مستغرب، إذ ينحدر أفراد الأمن الفلسطيني من شتى القرى والمدن في الضفة، والتي تتعرض لاقتحامات وانتهاكات واعتداءات شبه يومية من قبل جيش الاحتلال. كذلك دفعت حالة الانتقاد المستمر على شبكات التواصل لعدم تدخل أفراد أجهزة السلطة في الدفاع عن أبناء شعبهم إلى خلق حالة من الشعور بالحاجة لفعل شيء في أوساط هؤلاء العسكر.
المحلل السياسي، خليل شاهين قال إن “الشعب الفلسطيني بات يتقدم على سلطته في مواجهة الاحتلال، وكذلك في الوعي حول طبيعة الصراع”، مضيفاً إن “انخراط عناصر من أجهزة أمنية يفسر الفجوة بين هؤلاء الذين ينتمون لشعبهم وبين القيادة السياسية التي تراوح مكانها”. ومن جانب آخر أوضح شاهين في حديثه لقناة فلسطين الرئيسية أن العناصر الأمنية في الضفة هي بالأساس تضم أعضاء في الأجهزة الأمنية، وينحدرون من قرى ومخيمات تتعرض لوحشية الاحتلال. كما بدا أن هذه العمليات ليست قائمة على ردات فعل فحسب، إنما من قناعة راسخة بجدوى العمل المسلح ضد الاحتلال، وهو ما يشير إلى عدم قناعة الفلسطينيين بجدوى مشروع السلطة الفلسطينية القائم على المقاومة السلمية.
الوعد بانتفاضة جديدة من الضفة الغربية
لا شك في أن الموجة الأخيرة من الهجمات ستزيد من مخاوف مجلس الوزراء الإسرائيلي بشأن الوضع الأمني في الضفة الغربية. في السنوات الأخيرة، ضعف موقف الخطاب التوفيقي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بفعل تصرفات الدول العربية التي تخون القضية الفلسطينية بتطبيعها مع الكيان الصهيوني. كما أظهرت انعكاسات هذا الوضع على التطورات الداخلية في فلسطين توجه الضفة الغربية العام نحو خطاب المقاومة، حيث إن حركة فتح والصهاينة، إدراكاً منهم بانتصار حماس المؤكد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفلسطينية المقبلة، أرجؤوا مراراً وتكراراً الانتخابات العامة تحت ذرائع مختلفة. تتمثل المخاوف الرئيسية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة في الضفة الغربية في تشكيل انتفاضة جديدة في المنطقة، والتي يمكن أن تمتد إلى مناطق فلسطينية أخرى في الأراضي المحتلة، وبدعم عسكري من حماس، سيكون مستقبل الكيان غير مؤكد.
الهجوم على مخيم جنين، الذي كان مسرح الهجمات الفلسطينية المسلحة الأخيرة، هو مؤشر واضح على قلق السلطات الإسرائيلية العميق من أن الوضع في المنطقة يمكن أن يخرج عن السيطرة وأن الانتفاضة يمكن أن تبدأ في القريب العاجل.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن منفذ هجوم يوم الثلاثاء هو مقيم غير قانوني في أراضي عام 1948. على الرغم من أن تل أبيب تفرض رقابة شديدة على الأخبار الحقيقية وأوضاع العرب الذين يعيشون في أراضي عام 1948، إلا أن توجه الاحتلال إلى محاربة هذه الفئة من الفلسطينيين أصبح قوياً للغاية في السنوات الأخيرة. ويعكس هذا الفشل سياسة الكيان التي امتدت لعقود من الزمن في تحديد هوية أعداد كبيرة من الأجيال الجديدة من الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948 واستيعابها. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أنه مع تكثيف الإجراءات المناهضة للفلسطينيين في تل أبيب في الأيام المقبلة، هناك احتمال كامل لهجمات من قلب أراضي 1948 المحتلة.
المصدر/ الوقت