لأول مرة منذ بداية العدوان.. وفود يمنية وسعودية تتبادل الزيارات للتباحث حول تبادل الاسرى
زار وفد تقني سعودي العاصمة اليمنية في زيارة هي الاولى من نوعها منذ بدء العدوان عام 2014، واطلع على شؤون الاسرى السعوديين مشيدا بحسن الضيافة والاستقبال. وبحث الوفد ملف الاسرى السعوديين على يد الجيش اليمني واللجان الشعبية خلال سنوات التصدي للعدوان السعودي الاميركي على اليمن. وحول هذا السياق، قال رئيس اللجنة الوطنية اليمنية للأسرى عبدالقادر المرتضى: ودعنا اليوم الفريق السعودي الزائر لصنعاء فيما استقبلنا فريقنا الوطني الذي قام بزيارة أسرانا في السعودية بعد أن اطلعوا على أحوال الأسرى واطمئنوا عليهم وكذا تصحيح وتنقيح قوائم الأسماء المختلف عليها.
وأوضح المرتضى أن وفدنا قام بتصحيح قاعدة البيانات التي كانت تعتبر إشكالية فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق وتم التوقيع على القائمة الأخيرة التي من خلالها سيتم تبادل الأسرى بيننا وبين الجانب السعودي.. مشيرا إلى أنه ما زال هناك بعض الإشكاليات مع الأطراف الأخرى من المرتزقة اليمنيين وقد تحدثنا بذلك مع الفريق السعودي الذي وعد بحل المشكلة. وقال المرتضى : “نأمل أن تكون هذه الزيارات خطوة أولى في مجال تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وأيضا في إطار إنهاء هذا الملف الإنساني.. مؤكدا الحرص على أن يبقى ملف الأسرى إنسانيا مهما كانت التغيرات الأخرى ولا يمكن أن نربط هذا الملف بأي متغيرات سياسية أو عسكرية أو أمنية.” وعبر المرتضى عن أمله أن تكون الأطراف الأخرى بالمستوى نفسه من الاستعداد ونحن مستعدون لتنفيذ اتفاق تبادل الأسرى.. موضحا أننا ما زلنا نأمل أن تكون هناك زيارات مماثلة فيما بيننا وبين الأطراف اليمنية الأخرى.
وفي الـ12 من أكتوبر الجاري أعلن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبدالقادر المرتضىعن مغادرة وفد من لجنة الأسرى إلى المملكة السعودية ووصول وفد فني سعودي إلى صنعاء. وقال عبد القادر المرتضى في تغريدة له على تويتر: ضمن آلية التحقق من الكشوفات للمرحلة الأولى للإفراج عن الأسرى والذي تم التوافق عليه في جولة ( عمٌان ) الأخيرة ذهب وفد فني من لجنة الأسرى إلى السعودية فيما وصل وفد فني سعودي إلى صنعاء.
وأوضح المرتضى أن الهدف من هذه الوفود هو التحقق من الأسماء ومطابقتها على الواقع .. مؤكداً أنه لا علاقة للموضوع بأي نقاش أو حوار سياسي آخر. وفي الـ 21/مارس/2022 م أعلن رئيس لجنة الأسرى عبدالقادر المرتضى أنه تم التوافق وبرعاية الأمم المتحدة على اتفاق لتبادل صفقة جديدة من الأسرى عبر الأمم المتحدة، وتشمل الصفقة ألف و400 من أسرى الجيش واللجان الشعبية مقابل 823 من الطرف الآخر بينهم 16 أسيرا سعوديا و3 سودانيين إإضافة لناصر منصور هادي ومحمود الصبيحي.
وكشف رئيس لجنة الأسرى في 1 أغسطس 2022م أنه تم الانتهاء من جولة مفاوضات على ملف الأسرى في العاصمة الأردنية عمّان وتم تثبيت جزء من أسماء الأسرى المتفق على إطلاق سراحهم.
وأشار إلى أنه تم التوافق عبر الأمم المتحدة على عدة نقاط، أهمها، تثبيت الأسماء التي تم التوافق عليها، والتوافق على تشكيل لجنة من جميع الأطراف للتأكد من هوية الأسماء المختلف عليها، كونها العقبة الأكبر أمام تنفيذ الاتفاق. وأضاف: “قمنا بتشكيل هذه اللجنة، ونتابع الأمم المتحدة لكي يقوم الطرف الآخر بالخطوة نفسها لبدء العمل في التحقق من الأسماء المختلف عليها.”
لقد مثّل تبادل الوفود بين صنعاء والرياض لإبرام صفقة تبادل الأسرى خطوةً إيجابيةً غيرَ مسبوقة في مسار التفاهمات، لكن إيجابيتها لا زالت محدودة ومنحصرة في جانب واحد، وبالتالي فهي لا تكفي لتكونَ مؤشرًا على وجود “تقدّم حقيقي في مسار التهدئة أَو السلام بشكل عام، بل إن المواقِفَ المعلَنة لتحالف العدوان ورعاته حتى الآن تؤكد أنهم يبحثون عن المزيد من الضغوط ويحاولون جر صنعاء إلى مسارات التفافية لا تتضمن حلولاً حقيقية وواضحة لتخفيف معاناة الشعب اليمني ولا تؤدي إلى السلام الفعلي، وهو ما يعني أن العدوّ مُستمرّ في استخدام أوراق الملف الإنساني للمراوغة وكسب الوقت وأن موقفه لم يتغير بما يكفي لتجنب خطر عودة التصعيد العسكري.
منذ مارس الماضي، عرقل تحالف العدوان تنفيذ اتّفاق رعته الأمم المتحدة لتبادل أكثر من 2200 أسير من الطرفين، وقام بمنع مرتزِقته من الاستجابة لأي جهود محلية لتبادل الأسرى في أي جبهة، وبرغم من الاجتماعات واللقاءات التي جرت لتنفيذ الاتفاق وتحريك المياه الراكدة في هذه المِلف خلال الأشهر الماضية، لم يتغير موقف العدوّ إلا بعد انتهاء الهـدنة وبروز مؤشرات خطيرة لعودة التصعيد. إن إخضاعُ ملَف الأسرى للرغبات والحسابات السياسية والعسكرية ليس أمرًا جديدًا على تحالف العدوان، ففي 2020 وافق على صفقةِ تبادل كانت هي الأكبر حتى ذلك الوقت، لكن دافعَه الرئيسي وراء ذلك كان محاولة تهدئة الضغط العسكري الذي كان يتعرض له في جبهات محافظة مأرب، حسب تصريحاتٍ لناطق القوات المسلحة العميد يحيى سريع آنذاك.
بالتالي فَـإن تجاوب تحالف العدوان في ما يخُصُّ مِلف الأسرى لا زال حتى الآن اضطراريا ومحكوما بالظروف والتهديدات التي يواجهها، وليس برغبته في تحقيق أي تقدم في الملف الإنساني فضلاً عن رغبته المزعومة في السلام، وهذا ما أكّـدته بوضوح تصريحاتُه الأخيرةُ التي حاول فيها تقديمَ خطوة تبادل الوفود تحت عنوان “مساعي تمديد الهـدنة” وهو العنوان الذي حرص رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، عبد القادر المرتضى على إزالته من خلال التأكيد على أن زيارة الوفود ليس لها علاقةٌ بأي نقاش أَو حوار سياسي آخر.
إن عنوان تمديد الهدنة الذي حاول العدوّ أن يغلِّفَ به عمليةَ تبادل الوفود، هدفُه تكريسُ تصورٍ معين يريد التحالف فرضه على واجهة المشهد منذ مدة، وهو أنه “حريصٌ” على إنجاح الهُــدنة، وأنه يقدم تنازلات، وأن صنعاء هي الطرف المعرقل، وهو نفس التصور المخادع الذي تنطلقُ منه مساعي الولايات المتحدة والمبعوث الأممي ومجلس الأمن لخلقِ ضغوطٍ على صنعاء؛ مِن أجل إجبارها على القبول بتمديد الهدنة وفق شروطهم.
هذا التصور يوضحُ أن تحالف العدوان ورعاته يحاولون بكل جهد تجنب التجاوب الفعلي مع متطلبات تجديد التهدئة فضلاً عن متطلبات السلام الفعلي، وهو ما يعني أن موافقةَ النظام السعودي على التعاطي مع صفقة تبادل الأسرى، ليست سوى محاولة لـ اللعب بورقة الأسرى على طاولة التفاوض، تماماً هو الحال مع بنود الهُــدنة المنتهية التي أصبح واضحًا أن تحالف العدوان لجأ إليها مضطرا كتكتيك لكسب الوقت وتضليل الرأي العام والبحث عن مسارات حرب أُخرى أقل تكلفة. وبالنسبة لصنعاءَ فإبرام صفقة التبادل، مثل إعلان اتّفاق الهدنة في ابريل، يعتبر مكسبًا وإنجازًا من إنجازات مسار انتزاع الحقوق، فوجود حسابات وأهداف غير معلَنة لدى التحالف من وراء مثل هذه الخطوات لا يعني بالضرورة أنه قادر على تحقيقها، ومثلما عجز عن جَرِّ صنعاء إلى مربع المساومة على الاستحقاقات تحت مظلة الهـدنة، لن يستطيعَ استخدامَ صفقة الأسرى كحيلة لتجديد الهـدنة بشروطه.
سببُ ذلك هو أن صنعاءَ تمتلك موقفًا ثابتًا بما يكفي لإزالة مفعول أية ألاعيب أَو حيل أَو ضغوط لدى تحالف العدوان ورعاته، حيث لا يمكنهم استخدامُ الأسرى كورقة للالتفافٍ على مطلب صرف المرتبات مثلاً، ولا يستطيعون تعديل أَو سحب استحقاق رفع الحصار بأية ضغوط أَو تهديدات. وهذا ما عبّر عنه التصريح الأخير لرئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام الذي أكد فيه أن الهدنةَ انتهت؛ بسَبب تعنت تحالف العدوان، في إشارة واضحة إلى أن استخدام أية أوراق أَو ضغوط تحت عنوان تمديد الهـدنة لن يغير في الواقع شيئاً، ولن يلغي أَو يعدل الاستحقاقات التي يتطلبها أي اتفاق جديد. بعبارة أخرى، لقد نجحت صنعاء في منع تحالف العدوان من تسييس وعسكرة الملف الإنساني عمليا، وجردت محاولاته لاستغلال أوراق هذا الملف من أي إمْكَانية للحصول على مكاسب عسكريةٍ أَو سياسية، وهو ما يعني أن مأزِقَه التفاوضي أصبح سيئا كمأزقه الميداني.
ربما لهذا السبب يكثف الرعاة الدوليون لتحالف العدوان جهودهم لإرهاب صنعاء والضغطِ عليها، وهو تحَرك يأتي عادة عندما يصل تحالُف العدوان إلى نهايات مسدودة، وفي العادة تصل تلك الجهودُ الدولية إلى نفس النهايات؛ لأَنَّ معطياتِ الواقع قد خرجت عن سيطرة معادلاتِ وحسابات تحالف العدوان ورعاته منذ سنوات، وأصبحت المعادلةُ الحاكمةُ هي معادلةَ الحرب والسلام الرئيسية التي فرضتها صنعاء، والتي تقتضي أن المكسبَ الوحيدَ الذي يمكن لتحالف العدوان الحصول عليه هو عدمُ التعرض للمزيد من الضربات الموجعة، والطريقةُ الوحيدةُ للحصول على هذا المكسب هي إنهاءُ العدوان والحصار والاحتلال ودفع التعويضات، ما يعني أنه لا يوجد مجال لأي أهداف أَو مكاسبَ أخرى.
المصدر/ الوقت