حزب الله… ملاك إنقاذ لبنان من أطماع الصهاينة
بعد سنوات قليلة من المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والکيان الصهيوني، وصلت هذه المحادثات إلى نهايتها، ووفقًا لمسؤولين من الجانبين، سيتم توقيع اتفاق نهائي في هذا الصدد قريبًا بوساطة الولايات المتحدة.
هذه الاتفاقيات، التي كانت تتعلق بموارد الغاز في حقل “كاريش” للغاز في البحر الأبيض المتوسط، لم يتم التوصل إليها بسهولة. وإذا نظرنا من أي زاوية، خلال الفترة التي استمرت فيها المفاوضات مع الصهاينة، كان لبنان في وضع ضعيف مقارنةً بالکيان الصهيوني، وكان كل شيء في مصلحة الکيان لمصادرة جميع موارد الغاز المشتركة لمصلحته الخاصة.
مرّ لبنان في السنوات الثلاث الماضية بأزمات عديدة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهذا البلد الذي كان يلقب في يوم من الأيام بـ “عروس الشرق الأوسط”، كان يعاني من المشاكل لدرجة أنه واجه تحديات خطيرة في سبل عيش الناس.
خلال هذه الفترة، ضعف الجيش اللبناني بسبب توقف المساعدات العسكرية من السعودية والغرب، وفي حال نشوب حرب بين هذا البلد والصهاينة، لم يكن قادرًا عمليًا على الدفاع عن سلامته الإقليمية.
کما زاد نقص الميزانية الطين بلةً، وحتى الجيش كان يواجه مشاكل في دفع رواتب منتسبيه، ما زاد من استياء منتسبي القوات العسكرية، وبطريقة ما كان جسم الجيش ضعيفًا لدرجة أنه لم يكن مستعدًا لمواجهة الغزو الأجنبي.
من ناحية أخرى، كان لبنان يواجه أزمةً اقتصاديةً هائلةً منذ عام 2019، ما أدى إلى موجة من الاحتجاجات في شوارع هذا البلد. وقد فرضت أمريكا، دعماً للکيان الصهيوني، ولكي تظهر حزب الله على أنه السبب الرئيسي لأزمات لبنان الداخلية، عقوبات على هذا البلد، وأدت هذه الضغوط المالية إلى شل الاقتصاد اللبناني بشكل كامل.
كما قامت السعودية، تماشياً مع سياسات واشنطن، بقطع مساعدتها المالية للحكومة اللبنانية، ووضعت نفسها في الجبهة الغربية-العبرية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان.
وازداد الضغط العربي على لبنان بعد أن انتقد وزير الإعلام اللبناني السابق حرب التحالف السعودي في اليمن، بل أدى إلى تقليص العلاقات الدبلوماسية بين بيروت وبعض العرب، ليغوص اللبنانيون أكثر في هاوية الأزمة.
لذلك، فإن الدول العربية التي طبعت مع الکيان الإسرائيلي قبل عامين، بدأت بالابتعاد عن لبنان، وخدمت الصهاينة أكثر لتحقيق مصالح هذا الکيان في ترسيم الحدود البحرية.
ومع مثل هذا الاقتصاد المنهار الذي تورط فيه كل اللبنانيين، في مثل هذا الوضع لم يفكر أحد في السياسة الخارجية والتفاوض على الحدود البحرية على الإطلاق، وتم وضع هذه القضية جانباً بالکامل.
لذلك، كان هذا الوضع فرصةً جيدةً لأمريكا والکيان الإسرائيلي لفرض مطالبهما على الحكومة اللبنانية. لأن حكومةً بهذا الوضع من نقص المال، قد تضحي بكل شيء مقابل الحصول على مبلغ صغير من أجل التخلص من هذا الوضع الحرج.
إضافة إلى الضعف الاقتصادي والأمني، كانت النقطة المهمة في القضية في السنوات الثلاث الماضية، والتي كانت أكثر ما تقلق لبنان وتضايقه، هي استمرار الأزمة السياسية.
بعد استقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء في عام 2019، والتي تمت بهدف ضرب حزب الله، لم تكن هناك حكومة قوية في بيروت خلال هذه الفترة. تولى حسان دياب منصب رئيس الوزراء لفترة، وبسبب عدم توافق بعض التيارات السياسية مع حكومته، لم يستطع حتى إدارة الشؤون الداخلية.
هذه الحكومة الضعيفة، التي لم تكن قادرةً حتی على تنظيم الشؤون الداخلية، لم تستطع التفاوض مع الکيان الإسرائيلي من موقع متساوٍ في الساحة الخارجية.
ورغم أنه مع قدوم نجيب ميقاتي، رئيس وزراء لبنان الحالي، اعتقد البعض أنه سيتم تشكيل حكومة أقوى لتكون قادرةً على استعادة حقوق الشعب اللبناني، ولكن مثل رؤساء الوزراء السابقين، لم يستطع أن يحقق شيئاً وکان يراقب الشؤون الداخلية والخارجية فحسب.
لأن عدم الاستقرار السياسي خلال فترة حكمه كان أكثر من أي وقت مضى، لدرجة أن الجماعات السياسية اضطرت إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في مايو 2022 للخروج من الأزمة السياسية.
لكن أكثر من خمسة أشهر مرت على هذه الانتخابات، ولم يتم تشكيل الحكومة الجديدة بعد بسبب الخلافات السياسية، ولم تكن هناك رسمياً حكومة تدافع عن حقوق اللبنانيين في المفاوضات مع الصهاينة.
حزب الله أصبح المنقذ للشعب اللبناني
ربما حتى قبل أشهر قليلة، لم يكن أحد يتخيل أن يأتي اليوم الذي سينحني فيه الکيان الصهيوني، الذي كان في وضع جيد بالنسبة إلى لبنان من جميع النواحي، أمام اللبنانيين ويوافق على اتفاق في المفاوضات بشأن ترسيم حدود بحرية يفيد لبنان لا الصهاينة.
ومثل هذا الانتصار لم يكن ليتحقق إلا بالقوة العسكرية لحزب الله، والخطط المدروسة لأمينه العام السيد حسن نصر الله. فحزب الله الذي يعتبر نفسه ضامن أمن لبنان، دخل علی الخط في المواقف الحرجة كما هو الحال دائمًا، ودون خوف من قوة الصهاينة واجه عواقب الانخراط مع هذا الکيان، واصطف ضده.
منذ شهر حزيران، عندما حاول الکيان الصهيوني من جانب واحد استخراج موارد الغاز المشتركة في البحر الأبيض المتوسط، حذر السيد نصر الله من عدم السماح للکيان الإسرائيلي باستخدام هذه الموارد حتى يتم تأمين مصالح لبنان.
وبعد إرسال طائرات استطلاع دون طيار فوق منشآت الغاز الإسرائيلية في كاريش، تلقت سلطات تل أبيب رسالة زعيم المقاومة ولم يجازفوا، ولتلافي التوتر تواصلوا مع الوسيط الأمريكي لاستئناف المفاوضات البحرية.
وبعد جولات عدة من المحادثات غير المباشرة بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي بوساطة أمريكية، وافق الصهاينة أخيرًا على شروط لبنان، وانتصار لبنان هذا يعود إلى حزب الله وسلاح المقاومة الذي لم يسمح بضياع الحقوق اللبنانية.
لقد تسببت تحذيرات السيد نصر الله دفاعاً عن مصالح لبنان في الكثير من الخوف والذعر في الأراضي المحتلة، لدرجة أن الإعلام والمسؤولين الصهاينة اعترفوا بأن نصر الله سيفي بوعوده، واستسلموا لمطالبه مضطرين، وأخيراً اعترفوا بأن حزب الله انتصر على “إسرائيل”.
وعلى الرغم من أن الغربيين وبعض الدول الخليجية والعناصر التابعة داخل لبنان، قد ادعوا مرارًا وتكرارًا في السنوات الأخيرة أنه لكي يرى لبنان السلام، يجب على حزب الله إلقاء أسلحته وترك أمن البلاد للجيش، لكن ثبت في الاتفاقات الحدودية أن الصهاينة لم يكونوا مستعدين لإرجاع الحق للبنان، ولم يتراجعوا عن هذا الأمر إلا بسبب الخوف من قوة حزب الله العسكرية.
وبعبارة أخرى، أصبح حزب الله حامي مصالح اللبنانيين ومنقذاً لهذا الوطن، وحققت المقاومة انتصاراً عظيماً على الساحة الداخلية. لأنه ثبت للتيارات السياسية المعارضة لحزب الله، أنه إذا لم يكن لدى حزب الله سلاح فلن يكون للبنان الأمن، والإصرار على هذا المطلب هو فقط لمصلحة أعداء هذا البلد العازمين على تدميره.
إن الانتصار في مفاوضات الحدود البحرية هو أكبر انتصار لـ “حزب الله” ضد الکيان الصهيوني منذ عام 2006، وأظهر أن اللبنانيين ليسوا ضعفاء لکي يضغط عليهم الأعداء متى شاؤوا، وحزب الله يقف إلى جانبهم بكل قوته ويستطيع استعادة حقوقهم المفقودة.
أثبت حزب الله للجميع أنه على عكس بعض الادعاءات بضرورة نزع سلاح هذا الحزب، فقد تمكن اللبنانيون بفضل هذا السلاح من الانتصار على تل أبيب. لأن حزب الله يعلم جيداً أن الکيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة.
وليست المقاومة اللبنانية وحدها، بل الفصائل الفلسطينية وكل أطراف محور المقاومة تؤكد على ضرورة التحدث مع الصهاينة بلغة القوة، وقد ذكّر الفلسطينيون وحزب الله الصهاينة بهذه القضية أكثر من غيرهم.
لقد دافع حزب الله عن اللبنانيين ضد الکيان الإسرائيلي، ويعتبر من واجبه نصرة الشعب ويفتخر به. وازدادت شعبية حزب الله بين اللبنانيين في السنوات الأخيرة، کما تضاعفت شعبيته عبر الانتصار في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
لأن حزب الله ليس له وجهة نظر عرقية في لبنان ويرى الجميع بعين واحدة، وبالنسبة لقوات المقاومة فلا فرق بين الشيعة والسنة والمسيحيين الموارنة، وكل الأديان والطوائف والأعراق قد شكلت مجتمعةً الأمة اللبنانية، التي يجب أن تتعاون مع بعضها البعض لمجد لبنان.
وإضافة إلى الشؤون العسكرية، بذل حزب الله أيضًا جهودًا مضنيةً لإرساء الاستقرار السياسي وحل الأزمات الاقتصادية في لبنان، وأعلن دائمًا عن استعداده لتجاوز العقبات السياسية وحل المشاكل المعيشية.
مع انتصار حزب الله الكبير في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، لن تطمع السلطات الصهيونية بعد الآن في تراب لبنان، وستبقی تحذيرات السيد نصر الله في أذهانهم دائمًا، من أنهم إذا أخطؤوا، فإن قوى المقاومة مستعدة لجعلهم يندمون على فعلتهم، والمقاومة لا تبالغ في هذا الصدد.
المصدر/ الوقت