التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

لغز خلافة محمود عباس عشية الانتفاضة الفلسطينية الثالثة 

– انتشرت في الأسابيع الماضية تقارير عديدة عن نشاطات جماعة المقاومة الفلسطينية المعروفة باسم “عرين الأسود”، والتي تقوم بمهاجمة جنود ومستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، وخاصةً في نابلس، من خلال تنفيذ عمليات مسلحة عديدة.

وقد زاد عدم ارتباط هذه المجموعة بالهياكل الرسمية السابقة للمقاومة الفلسطينية، مثل حماس أو الجهاد الإسلامي من جهة، وحركة فتح من جهة أخرى، من الطبيعة الغامضة لهذه الكتيبة. يتشكل الأصل الاجتماعي لكتيبة “عرين الأسود” بشكل أساسي من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في نابلس وجنين.

إن التقيد بأعلى مستوى من ترتيبات الحماية والاستخبارات من قبل أعضاء هذه المجموعة، وعدم قدرة الجهاز الأمني ​​للکيان الصهيوني ومنظمة السلطة الفلسطينية على التعرف على أعضائها واعتقالهم، قد تسبب في حديث الكثيرين عن ظهور هيكل جديد لجماعات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي كانت حتى الآن في الغالب تحت ظلال حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصةً حماس والجهاد الإسلامي.

واللافت أن العديد من عناصر هذه الكتيبة هم من أبناء قوات الأمن والمخابرات التابعة للسلطة الفلسطينية. على سبيل المثال، “عزت علاء النابلسي” والد الشهيد إبراهيم النابلسي (أحد قادة كتائب شهداء الأقصى والذي تبين تعاونه مع كتيبة عرين الأسود بعد استشهاده)، إضافة إلى سنوات من الأسر في سجون الكيان الصهيوني، فقد كان من بين قوى الرد السريع لجهاز الأمن التابع لمنظمة السلطة الفلسطينية.

في آخر عملياتها، في 8 تشرين أول/أكتوبر 2020، هاجمت “عرين الأسود” حاجزًا للجنود الصهاينة على مدخل مخيم “شعفاط”، ما أسفر عن مقتل جندية صهيونية.

وبعد هذه الحادثة وفشل أجهزة مخابرات الكيان الصهيوني في التعرف على منفذ هذه العملية واعتقاله، حشد الجيش الإسرائيلي نصف قواته الاحتياطية في الضفة الغربية، وبدأ حصارًا کاملاً لمخيم شعفاط وبلدة “عناتا” المجاورة لهذا المخيم.

وقد أدى ذلك إلى قيام كتائب عرين الأسود بإضراب عام مع الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية، بهدف إعلان التضامن مع الفلسطينيين المحاصرين في شعفاط وعناتا.

وفي نفس الوقت الذي أظهرت فيه كتيبة عرين الأسود قوتها ضد الاحتلال الصهيوني، ادعى محافظ نابلس إبراهيم رمضان أنه عقد اجتماعاً سرياً مع بعض عناصر هذه الكتيبة، وطالبهم بإلقاء أسلحتهم والانضمام إلى المؤسسات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. وادعى أنه يحاول شطبهم من قائمة المطلوبين لأجهزة المخابرات الصهيونية، من خلال الحصول على موافقة المؤسسات الأمنية الإسرائيلية.

من يقف خلف كتائب عرين الأسود؟

على الرغم من الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققتها هذه الكتيبة الفلسطينية في هذه الفترة القصيرة من الزمن، إلا أن بعض المحللين البارزين في القضايا الفلسطينية يعتقدون أن ظهور مثل هذه المجموعة، في هذه المرحلة الزمنية وبهذه القدرات الأمنية والعسكرية العالية، لا يمكن أن يتم دون أي دعم سياسي؛ وخاصةً أنه في ظل الوضع الحالي غير المستقر في الضفة الغربية، يصر الکيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية على زيادة مستوى تعاونهما، بهدف كبح الاحتجاجات وعدم خروج الانتفاضة الفلسطينية الثالثة من هذه المنطقة، ومن الصعب للغاية تنفيذ عمليات ضد الکيان في مثل هذه البيئة الأمنية.

بشكل عام، يبدو أن سهولة الوصول إلى الأسلحة من قبل أعضاء هذه المجموعة، والامتثال لترتيبات أمنية عالية، وعمليات الهروب الناجحة المتكررة لأفراد هذه الكتيبة من مصيدة المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، والشعبية الكبيرة لأفرادها وخاصةً بين النازحين المقيمين في المخيمات، تسببت في تعزيز هذه التكهنات بأن شخصيات مؤثرة على الأرجح مثل “محمد دحلان”(أبو فادي) أو غيره من الفصائل المتنافسة والمعارضة لأبو مازن في حركة فتح، تحاول تقويض سلطته الأمنية من خلال تنظيم خصومه بين جيل الشباب في شكل جماعات مسلحة ومستقلة، لتحدي سلطة عباس في الضفة الغربية، حتی يمكنهم بهذه الطريقة تعزيز حظهم في العودة إلى ساحة التطورات السياسية في فلسطين مرةً أخرى، ولا سيما رئاسة منظمة السلطة الفلسطينية.

علی أي حال، تسببت قوة عرين الأسود في نابلس وجنين، وخاصةً داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، في ادعاء البعض أن هذه المجموعة الفلسطينية الناشئة ربما تحظى بدعم من وراء الكواليس من بعض الشخصيات السياسية الفلسطينية المهمشة مثل “محمد دحلان”.

دحلان الذي كان مستشار الأمن القومي لأبو مازن في 2000 فصاعداً، بعد الكشف عن محاولته الانقلاب على حكومة سلام فياض، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية آنذاك عام 2007، ومحاولة الإطاحة بأبو مازن وتولي قيادة السلطة الفلسطينية، طرده أبو مازن من اللجنة المركزية لحركة فتح من خلال مزاعم فساده المالي، فذهب إلى الإمارات العربية المتحدة. وقرّر النظام القضائي لمنظمة السلطة الفلسطينية في وقت لاحق أحكامًا غيابيةً بالسجن ودفع جرائم مالية لدحلان.

کما أن دحلان المعروف بأنه العقل المدبر وراء مشروع تطبيع العلاقات بين الکيان الصهيوني والعالم العربي، وخاصةً الدول الخليجية مثل الإمارات والبحرين، يحاول أن يصبح لاعباً مهماً في مشهد المعادلات السياسية الفلسطينية، بمساعدة أموال “محمد بن زايد” رئيس حكومة الإمارات، والوصول إلی رئاسة منظمة السلطة الفلسطينية في المستقبل، ليضع حدًا لمخاوف الکيان الإسرائيلي الأمنية في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية.

وفي السنوات الأخيرة، بدأ دحلان أيضًا جهودًا في مسقط رأسه، قطاع غزة، لترسيخ قدرته بين الفلسطينيين. وقبل تأجيل انتخابات رئاسة منظمة السلطة الفلسطينية العام الماضي، أطلق أبو فادي بالتعاون مع زوجته “جليلة” حملةً دعائيةً تحت عنوان المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني “فتا” في غزة.

ومن خلال الأموال التي قدمتها أبوظبي لمحمد دحلان، اهتم هذا المركز بالشؤون الخيرية مثل دعم أسر شهداء غزة والأيتام وتسهيل زواج الشباب، وفي هذا الصدد كان ينظم حفلات زواج طلابية في غزة.

بشكل عام، يبدو أن مجموعة التحديات التي تواجه محمود عباس لتحديد خليفته تزداد صعوبةً كل يوم. وربما يكون ظهور منافسين جدد على قيادة منظمة السلطة الفلسطينية والصراع على السلطة، أحد الأسباب المهمة والرئيسية لتصعيد الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية في الضفة الغربية ضد السلطة الفلسطينية وزعيمها محمود عباس.

ويمكن أن ننظر إلی ظهور مجموعات مستقلة مثل كتيبة عرين الأسود ذات الميول القومية-الإسلامية في الضفة الغربية، وخاصةً في مناطقها الشمالية مثل نابلس وجنين، والتي تنأى بنفسها تقليديًا عن قبول سلطة رام الله وتنظيمات السلطة الفلسطينية، في هذا الإطار أيضًا.

في غضون ذلك، يحاول أبو مازن، مستغلاً موجات الاحتجاجات والسخط الشعبي في الضفة الغربية، إجبار المسؤولين الأمنيين في الکيان الصهيوني على التعاون معه بشكل أكبر من أجل كبح موجات الاحتجاجات.

كما يحاول محمود عباس، بالتعاون مع تل أبيب، تعيين صديق مقرب منه مثل حسين الشيخ، خلفاً له على رأس السلطة الفلسطينية.

من الواضح أنه مع تهميش الآليات الديمقراطية مثل إجراء انتخابات بين الفلسطينيين، فإن خليفة محمود عباس المزمع سيكون قادرًا أيضًا على تولي رئاسة فتح ومنظمة السلطة الفلسطينية لسنوات عديدة، تمامًا مثل عرفات ومحمود عباس؛ وخاصةً أن الشيخ البالغ من العمر 61 عامًا يستطيع أن يقمع خصومه بهدوء أكبر، بسبب سنوات من التعاون مع المؤسسات الأمنية لمنظمة السلطة الفلسطينية والکيان الإسرائيلي.

ونتيجةً لذلك، يمكن القول إن تعيين الشيخ على رأس منظمة السلطة الفلسطينية وليس انتخابه، سيعني بلا شك استمرار طريق عباس ومسار التسوية مع الكيان الصهيوني في فترة ما بعد وفاته أو استقالته من السلطة.

في هذه الأثناء، فإن المؤتمر الشعبي الفلسطيني، المقرر عقده في 5 تشرين الثاني(نوفمبر) 2022، بحضور ممثلين عن بريطانيا وأستراليا والأراضي المحتلة عام 1948، بشکل متزامن في قطاع غزة ورام الله، سيكون على الأرجح الفرصة الأولى لمعارضي أبو مازن لإظهار احتجاجاتهم ضد استبداد أبو مازن بطريقة منظمة داخل فلسطين وخارجها.

وإذا أراد محمود عباس إظهار رد فعل سلبي على المطالب الديمقراطية لهذا المؤتمر، الذي يعتبر نفسه ممثلاً للإرادة الحقيقية لـ 14 مليون فلسطيني حول العالم، فمن المحتمل أن يزيد من نطاق عزلته وعزلة خليفته في الرأي العام الفلسطيني؛ وخاصةً أن استطلاعات الرأي تظهر أن 1٪ فقط من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية أعلنوا استعدادهم للتصويت للمرشح أبو مازن لرئاسة منظمة السلطة الفلسطينية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق