التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

ما الذي كشفته الحرب الإعلامية الشرسة على إيران 

منذ بدء الاحتجاجات في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة قبل شهرين وحتى قبلها بأشهر، كان واضحاً حجم تحشيد الرأي العام للتجهيز لحدث مثل وفاة الشابة مهسا أميني ومحاولة إلصاق تهمة قتلها بالسلطات الإيرانيّة لاستغلال ذلك في الضغط على الإيرانيين في أكثر من ملف، وقد عمدت وسائل الإعلام الغربيّة أو تلك الناطقة بالفارسية وتتبع لدول معادية لطهران مثل “إيران انترناشونال”، “من و تو”، “بي بي سي فارسى”، وغيرها الكثير من المواقع التي يبدو أنّها كانت مستعدة للغاية لركوب الموجة الإعلاميّة ضد هذا البلد المُهدد والمحاصر منذ عقود طويلة، وكلنا نعلم أنّه كلما ازدادت معاركُ الحرب أو المفاوضات سخونةً في الميادين والقاعات، يرتفع بشكل متماثل صداها في وسائل الإعلام التي يتحكم بها –للأسف- كل من هو مستبد وظالم في عصرنا هذا، وإنّ لمواقع التواصل الاجتماعي بالتأكيد كلمتها العليا في أيّ حدث لسهولة نقل الأخبار والتجييش الإعلاميّ وبث الفتن وتغيير الرأي العام أو صناعته.

ومن خلال مراقبة طويلة للإعلام المحليّ الرسميّ والإعلام الأجنبيّ الموجه خلال الأحداث الأخيرة في إيران، يظهر بوضوح حجم الرغبة لدى بعض القنوات التلفزيونيّة التابعة أساساً لدوائر المخابرات في أكثر من دولة معاديّة لهذا البلد، أنّ تلك المنابر سعت بكل ما تستطيع من قوة لتزييف الحقائق ومحاولة “صناعة الأبطال” عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، وحاولت إلصاق صورة “الوحش الكاسر” بالحكومة والسلطات الإيرانيّة، تارة من خلال تغطية إعلاميّة سلبيّة وموجهة متواصلة، وتارة أُخرى من خلال تسخين الشارع لإطالة أمد الأزمة وتوسيع دائرتها، وبالتالي تحقيق المصالح الغربيّة والأمريكيّة الهادفة لتفتيت وإضعاف وحتى إسقاط “المعادلة الإيرانيّة” وذلك بالاستناد إلى تصريحاتهم التي تعجُ بها وسائل الإعلام.

وإنّ أكثر ما كشفته الأحداث الأخيرة في إيران، هو صناعة واقع وهميّ، فيما كان الواقع أقوى برهاناُ لعدم صحة تلك الادعاءات، والدليل هو عدد الأشخاص المشاركين في الاحتجاجات ومدى كثافتها، ما يؤكّد حجم ازدواجيّة المعايير في وسائل الإعلام تلك التي لا تكف عن ادعاء المهنيّة، وقد شاهدنا طريقة التعاطي الإعلاميّ الغربيّ في الحرب الأوكرانيّة والتحيز الأعمى لمصالحهم على حساب الأرواح، بسبب سياساتهم العدوانيّة ضد دول المنطقة وقضاياها.

وبالتالي، سارت سائل الإعلام الصفراء تلك وفق منهج “الخداع الإعلاميّ” مستخفة بعقليّة المشاهد الذي بات يحلل ويناقش ويتابع الكثير من الأخبار بسبب إيمانه العميق بمدى انخراط وسائل الإعلام في أيّ حرب، وخاصة بعد أن شعر الكثيرون في دول منطقتنا التي تغزوها المشكلات والاضطرابات بأنّ الحقيقةُ باتت ضحية تضاف إلى قائمة طويلة جداً من الضحايا الذين قتلوا برصاص الاحتلال أو الأقلام فتأثيرهما واحد، ومن قال إنّ الحرب الإعلاميّ تقل ضراوة عن الحرب العسكريّة!.

وبالاستناد إلى التغطية الإعلامية لوسائل الإعلام الغربية والناطقة بالفارسية، يمكن القول أنّ تلك القنوات المخاعة بحسب قواعد وقوانين العمل الصحفيّ مُنخرطة بالكامل ضمن المشاريع الهدامة الصادرة عن بعض الأنظمة المعاديّة لإيران –البلد الآمن في دائرة اللهب-، حيث توصف وسائل الإعلام بأنّها أحد أهم أدوات الحروب ويقول البعض أنّها “ميدان آخر” لا يقل ضراوة عن ساحات المعركة.

من ناحية أُخرى، بيّنت السياسة الخبريّة والتعاطي الإعلاميّ ضد إيران من قنوات يُدفع لأجل دورها التخريبيّ المليارات على السياسة “غير المهنية” تجاه قضايا المنطقة، حيث يُظهر الإعلام الغربيّ والإعلام المعادي لإيران بشكل جليّ، حجم حقد بعض الأنظمة على هذا البلد وشعبه، من خلال اتخاذ مواقف مهينة تجاه بعض القضايا دون أُخرى، وقد ظهرت حقيقة “الحرب الإعلاميّة” التي تخوضها وسائل إعلام مثل “راديو فردا”، و إيران انترناشونال”، و”من و تو”، و”بي بي سي فارسى”، جلية على السطح في الأحداث الأخيرة، وخاصة عقب أحداث وفاة الشابة مهسا أميني، التي خلقت استماتة كبيرة عند ابعض العواصم المعادية لطهران لإيجاد ضالتها ونشر سمومها، والهدف الأول والأخير بلا شك تدمير كل من يتفوّه بـ “لا” للسياسة الأمريكيّة الهدامة، وقد عاصرنا جميعاً مثل هذا النوع من التعاطي والتحيز الإعلاميّ في أحداث الربيع العربيّ التي كان يروج فيها أنّ سوريا “لا تملك حريّة” بينما السعودية هي “المدينة الفاضلة” من ناحية الحريات على سبيل المثال لا الحصر.

كذلك، أظهر الغضب الشعبيّ في أوروبا مدى التعاطي الخبيث لتلك الوسائل الإعلاميّة التي تدعي الحياديّة والاحترافيّة، ولم نرى على شاشاتها التي تغطي الأوضاع في إيران لحظة بلحظة أي صور لمشاهد الاحتجاجات العارمة التي عمّت الكثير من الدول الأوروبية احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات التضخّم، وأزمة الوقود، بل كانت أخبارهم عبارة عن “تظاهر العشرات من المواطنين احتجاجًا على غلاء أسعار الغذاء والطاقة”، رغم أنّ الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعيّ أظهرت بوضوح حجم الغضب الشعبيّ الكبير والمشاركة الفاعلة في الاحتجاجات على السياسات الحكوميّة التي باتت تهدد الجميع هناك، خاصة أنّ هذا الشتاء سيكون قاسيّاً وبارداً للغاية من جهة العلاقات بين الأوروبيين وحكوماتهم، ليبقى السؤال لماذا تختفي صور الاحتجاجات في فرنسا وإيطاليا وألمانيا و.. عن شاشات تلك القنوات رغم ثقل تلك القضية بأضعاف مقارنة بقضايا أُخرى.

خلاصة القول، لن تكف ترسانة الإعلام المعادي لإيران عن هجومها الحاد ضد هذا البلد بمختلف التغطيات الإخبارية و الوثائقية، وستبقى أخبار إيران تأخذ حيزاً كبيراً من تلك البرامج ووسائل التتواصل الإجتماعيّ، ولن يكف بعض المحللين والباحثين الذين يظهرون على إعلام الدول المعادية للجمهورية الإسلاميّة عن كيل الاتهامات للحكومة، حملة تقودها وسائل إعلام كثيرة أو ما تعرف بالواجهة الإعلامية لبعض الأنظمة، والتي توصف من قبل الخبراء بأنّها “أدوات لتصفية الحسابات”، لذلك لابدّ من صناعة ترسانة إعلامية قويّة ومجهزة لمواجهة صوت الباطل، في ظل الحرب الإعلاميّة المستعرة التي نعيشها اليوم، ومن الضروريّ أن تعمل طهران على مجابهة الإعلام بمثله، لردع أهداف أعدائها في زيادة حدة التوتر وتعميق الخلافات في المجتمع وتأزيم الأوضاع أكثر فأكثر، من خلال إعلام مسيس بشدة، يتلون مع السياسات الحكوميّة الوحشيّة لبعض الدول.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق