التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 22, 2024

غياب محمد بن سلمان من قمة الجزائر هرباً من الاعتراف بالفشل 

تجتمع الدول العربية في الجزائر في اليوم الأول والثاني من شهر نوفمبر، لحل مشاكل العالم العربي بما يتماشى مع الخطط التي تضعها هذه المنظمة الدولية.

وبما أن السلطات الجزائرية حاولت جاهدةً أن يحضر جميع القادة العرب الاجتماع الذي يعقد في ظروف غير مستقرة تسود العالم، لكن السعودية قررت عدم المشاركة في الاجتماع.

وفي هذا الإطار، في اتصال هاتفي اعتذر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن عدم مشاركته في قمة الجامعة العربية. وزعمت السعودية أن عدم مشاركة ولي العهد تم بمشورة وقرار الطاقم الطبي.

كما ألغت السعودية زيارته المرتقبة إلى كوريا الجنوبية لتلافي الشكوك بين الدول العربية حول عدم مشاركة ابن سلمان في هذه القمة، لإظهار أنه لا يوجد سبب خاص لعدم حضور اجتماع جامعة الدول العربية غير القضايا الطبية.

إن العذر الطبي للسعوديين لتبرير غياب ابن سلمان عن قمة الجامعة العربية، ليس له ما يبرره حتى للسعوديين أنفسهم. فإذا كان عدم مشاركة ابن سلمان بسبب وباء فيروس كورونا، فالآن لا توجد التهديدات الأولية لهذا الفيروس القاتل، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية تراجع الوباء.

لذلك، فإن غياب ابن سلمان عن لقاء الجزائر يعود إلى السياسات الفاشلة للسعودية في المنطقة، والتي يتجنب السعوديون الرد علی هذه القضايا.

عدم الالتزام تجاه فلسطين

تم تأجيل اجتماع الجزائر الذي كان مقرراً في سبتمبر أيلول بسبب بعض القضايا، ومن المقرر عقده الأسبوع المقبل بحضور رؤساء الدول الأعضاء.

وبما أن فلسطين كانت أهم قضية في جامعة الدول العربية منذ إنشائها، وبالنظر إلی اشتداد حدة التوترات في الضفة الغربية بين الفلسطينيين والکيان الصهيوني هذه الأيام، فإن قضية فلسطين ستكون أهم ملف في هذا الاجتماع.

وبالنظر إلى أن جميع الفصائل الفلسطينية قد حلت في الآونة الأخيرة خلافاتها ووقعت اتفاقية مصالحة بوساطة جزائرية لأول مرة، لذلك تعتزم السلطات الجزائرية وضع فلسطين كأولوية في جدول أعمال الاجتماع القادم، من أجل اتخاذ قرار حاسم بشأن هذه الأزمة المستمرة منذ عقود.

ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن غياب ولي العهد السعودي عن هذا الاجتماع، هو شكل من أشكال التملص من المساءلة والالتزام تجاه القضية الفلسطينية.

في السنوات الثلاث الماضية، اتخذت السعودية خطوات عديدة تماشياً مع قضية التطبيع مع الکيان الصهيوني، وعلى الرغم من أنها لم توقع مثل هذه الاتفاقيات لبعض الاعتبارات، إلا أنها دفعت دولًا مثل الإمارات والبحرين إلى اتباع هذا المسار، حتى يسير العرب الآخرون على نفس الطريق.

لقد أدارت السعودية ظهرها لقضية القدس منذ اليوم الذي بدأت فيه سياسة التقارب مع الصهاينة، ولهذا السبب، لا تريد المشاركة في اجتماع من المحتمل أن يدين عملية التطبيع. لأنه بحضوره هذا الاجتماع، سيضطر ابن سلمان إلى توقيع البيان الختامي لهذا الاجتماع رغماً عنه، والذي يحتوي دائماً على فقرات مهمة لدعم فلسطين وإدانة الجرائم الإسرائيلية.

ولهذا السبب، لا يريد السعوديون المشاركة في مثل هذا الاجتماع الذي يفرض عليهم التزامات سياسية للدفاع عن قضية فلسطين والوقوف في وجه الصهاينة. لأن توقيع السعودية على البيان الختامي للقمة سيطيل عملية التطبيع.

أصبحت السعودية مولعةً بالصهاينة لدرجة أنها تعدّ الأيام للتطبيع وكسب رأي قادة تل أبيب، بل إنها أصدرت أحكامًا قاسيةً على من يعارضون التطبيع. وفي هذا الصدد، حكمت محكمة الجنايات السعودية مؤخرًا على شخص بالسجن 25 عامًا لمعارضته تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني.

بمثل هذه الأحكام، تعتزم الرياض إسكات أي صوت معارض ضد التطبيع، وتمهيد الطريق ببطء لإقامة علاقات مع تل أبيب. بل إن مثل هذه الأحكام أشدّ صرامةً من قوانين الدول الأوروبية التي تم اعتبارها لمعارضي الهولوكوست، وهذا يدل على رغبة الرياض المفرطة في التطبيع.

وعلى الرغم من أن السعودية لم توقع رسميًا اتفاقية التطبيع مع الکيان الصهيوني، إلا أنها تربطها خلف الكواليس علاقات اقتصادية وثيقة مع هذا الکيان. وسبق أن ترددت أنباء عن تخصيص ابن سلمان ملياري دولار للاستثمار في القطاعات الاقتصادية في الأراضي المحتلة، كما تم فتح الأجواء السعودية للرحلات الجوية من وإلى الأراضي المحتلة.

من ناحية أخرى، بالنظر إلى أن الجزائر تحاول تعزيز مكانتها في العالم العربي، وأن تصبح لاعباً مهماً في التطورات الإقليمية، لذلك فإن هذا الموضوع يتعارض مع سياسات السعوديين، الذين يعتبرون أنفسهم قادة العالم العربي، ويجب على جميع العرب دفع سياساتهم الإقليمية تحت الراية السعودية.

وبالتالي، من خلال عدم المشاركة في اجتماع جامعة الدول العربية، ينوي ابن سلمان تقليص ثقل الجزائر السياسي وإبداء استياءه بطريقة ما من التحركات الدبلوماسية الجزائرية، وخاصةً فيما يتصل بالقضية الفلسطينية. فالجزائر تعارض بشدة عملية التطبيع، وأدانت تصرفات الدول التي تتخذ خطوات في هذا الاتجاه.

تجنب قبول الهزيمة في الملف السوري

هناك موضوع آخر يمكن الإشارة إليه فيما يتعلق بغياب ابن سبلمان عن اجتماع جامعة الدول العربية، وهو أن موضوع عودة سوريا يفترض أن تطرحه السلطات الجزائرية في هذا الاجتماع، حيث إنه إذا اتفق العرب جميعاً فإن طريق عودة هذا البلد العربي سيكون ممهداً بعد 11 عاماً.

وكان الرئيس الجزائري قد قال في وقت سابق إنه ينوي إثارة موضوع عودة سوريا إلى الجامعة العربية في الاجتماع المقبل، وقبل أشهر قليلة سافر وزير الخارجية الجزائري إلى دمشق وأثار هذا الموضوع في اجتماع مع السلطات السورية.

ولذلك، فإن إثارة مثل هذا الموضوع المهم في القمة العربية، سيكون ثقيلاً على السعوديين من الناحية السياسية. لأنه منذ بداية الأزمة السورية، دعمت السعودية الإرهابيين إلى جانب الولايات المتحدة والکيان الصهيوني للإطاحة بحكومة بشار الأسد، رئيس هذا البلد، وتنصيب حكومة مطيعة. کما لم تدخر جهداً لدعم الجماعات الإرهابية والمعارضين المقيمين خارج سوريا.

وحسب الإحصائيات المعلنة، كانت السعودية، إلى جانب الإمارات وقطر، أكبر رعاة التكفيريين في سوريا، الذين أنفقوا مليارات الدولارات على هذه الجماعات لتحقيق أهدافهم الشريرة، والتي فشلت في نهاية المطاف. لهذا السبب، لا ينوي ابن سلمان حضور لقاء مهين للرياض من جميع النواحي.

السعودية أمام خيارين في الوقت الحاضر؛ إما إقامة علاقات مع دمشق أو استمرار عداوتها لها، ولم تتخذ قراراً بهذا الشأن بعد. وتأتي تزايد الشائعات حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فيما أقامت الإمارات والسودان ومصر علاقات مع هذا البلد. کما أصدرت سلطات الرياض إشارات لاستئناف العلاقات مع دمشق، لكنها رفضت الدخول في هذا الموضوع رسميًا.

رغم أن السعوديين يريدون التستر على إخفاقاتهم في المنطقة من خلال عدم المشاركة في القمة العربية، إلا أن الهروب من عبء قبول الفشل يشبه السباحة ضد تيار الماء، الأمر الذي لن يحقق أي نتيجة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق