التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 22, 2024

قطر تتعرض لمحاربة بسبب استضافة كأس العالم.. ما صحة تلك التصريحات 

مؤخراً أعرب أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، عن أسفه بسبب تعرض بلاده لما أسماها ”حملة غير مسبوقة من “الافتراءات و”ازدواجية المعايير”، وذلك بالتزامن مع استضافتها مونديال 2022 الذي تنطلق مبارياته في عقب أسابيع، حيث تعرضت الدوحة لانتقادات لاذعة من الانتقادات عبر تغطيّة إعلاميّة واسعة لهذا الحدث الرياضيّ المهم جداً على مستوى العالم، وتتركّز تلك الانتقادات بشكل عام على عدّة مواضيع بدءاّ مناخ قطر الحارّ جداً ومجتمعها الذي يوصف بـ “المحافظ”، إلى جانب سجلّها المشين في مجال الحريّات وحقوق الإنسان، ولا سيّما حقوق المرأة والعمّال المهاجرين.

قبل بضعة أسابيع لا أكثر من موعد صافرة انطلاق المونديال الأكثر تكلفة على الإطلاق في تاريخ هذه اللعبة الشهيرة، قال الأمير القطريّ: “منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم، تعرّضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرّض لها أيّ بلد مضيف”، وفي خطاب ألقاه في افتتاح عَقده مجلس الشورى، وأردف: “لقد تعاملنا مع الأمر بدايةً بحسن نية، بل واعتبرنا أنّ بعض النقد إيجابيّ ومفيد يساعدنا على تطوير جوانب لدينا تحتاج إلى تطوير، لكن الحملة تتواصل وتتّسع وتتضمّن افتراءات وازدواجية معايير، حتى بلغت من الضراوة مبلغاً جعل العديد يتساءل للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقة من ورائها”.

وبعد ساعات من انتقاد تميم بن حمد آل ثاني العلني النادر للتغطيّة الإعلاميّة للمونديال، شهدت قطر واقعة شكّلت نموذجاً مصغّراً لما يمكن أن تشهده الأراضي القطريّة عندما سيتدفّق عليها أكثر من مليون أجنبيّ – حسب مواقع إخباريّة – لمتابعة المونديال، إذ رفع ناشط بريطاني معروف لافتة في الدوحة اعتراضاً على تجريم المثلية الجنسية في الإمارة، كما تظاهر أمام المتحف الوطني في الدوحة الناشط بريطاني، من أصول أسترالية، في مجال حقوق الإنسان، ويشتهر بعمله مع الحركات الاجتماعية للمثليات والمثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والعابرين جنسيًا، بيتر تاتشيل (70 عاماً) لكنّ محاولته تكرار ما حصل معه في روسيا عشيّة استضافتها كأس العالم عام 2018 حين اعتقلته قوات الأمن الروسية بسبب تظاهرة مماثلة لم تنجح في العاصمة القطرية إذ اكتفت قوات الأمن باستجوابه على رصيف مجاور، حيث كان واقفاً ثم طوت اللافتة وغادرت.

ورغم محاولات السلطات القطرية دحض الاتّهامات الموجّهة إليها، وادعائها أجراء إصلاحات لقوانينها في السنوات الأخيرة، ركّزت وسائل إعلام على تصريحات سابقة لتميم بن حمد أوضح فيها أنّ نظام الحكم في البلاد لا يسمح بتعددية حزبيّة، لأنّه “نظام إمارة” مستند إلى تقاليد راسخة من “الحكم العادل والرشيد” المرتبط بالمبايعة الشعبيّة، والتي لا ندري كيف حصل عليها هو وأبوه الذي نفّذ انقلاباً على والده، الشيخ خليفة بن حمد، عام 1995، وأمسك بزمام السلطة في قطر.

وإنّ حديث الأمير تميم في تصريحاته الأخيرة أنّ قطر شهدت “نهضة تشريعية استكملت بموجبها قوانين أساسية تنظم مختلف أوجه الحياة والمعاملات في الدولة”،لا يعدو عن كونه هروبا إلى الزاويّة من حقيقة أنّه ورث الحكم عن أبيه، مع ضعف الاستعدادات الحكوميّة للتغير، ناهيك عن أنّ حكومة قطر أساساً لم تتخذ إجراءات صادقة لإجراء انتخابات شاملة تشاركيّة في أيّ إطار رغم المزاعم التي تتحدث بها وسائل الإعلام القطريّة، حيث إن النظام في قطر وسائر أنظمة الخليج، هي أنظمة ملكيّة مطلقة ودور “مجلس الشورى” فيها إن وجد يقتصر على دور لا يرقى للاستشارة حتى وفقاً لمراقبين.

وفي الوقت الذي ركّز الإعلام القطريّ والإخوانيّ وخاصة قناة الجزيرة الممولة من حكومة البلاد، على نجاح المونديال الذي تستضيفه الدولة الغازيّة،غطّ بغيبوبة وسبات عميقين عند الحديث عن الديمقراطيّة هناك، فمن الطبيعيّ ألا تسلط قطر وإعلامها المسيس الضوء على أيّ جانب حقوقيّ في أيّ تغطيّة إعلاميّة تتعلق بالمونديال بسبب البنيّة الديكتاتوريّة لأنظمة “ملوك الرمال”، كما يسميها الشارع العربيّ، كما أن الأنظمة القمعيّة المتوارثة في الدول الخليجيّة ليس لديها أدنى مقومات الحرية حسب نتائج تقارير دوليّة.

والدليل أنّ الأمير القطريّ تحدث في خطابه الأخير، أنّ النقد مفيد فقط إذا كان قائماً على معلومة صحيحة وعلى فهم للسياقات متناسيّاً التقارير الدوليّة الموثقة في هذا الإطار، كما أنّه حاول جر الموضوع لناحية أنّ استضافة كأس العالم تجمع بين عناصر عدّة وتحدّيات من بينها ما أسماه “الانفتاح الحضاري والثقافيّ”، وتأكيده أنّ استضافة بلاده كأس العالم في كرة القدم هي مناسبة نُظهر فيها من هم القطريون، ليس فقط لناحية قوة اقتصادهم ومؤسّساتهم بل أيضاً على مستوى هويتهم الحضاريّة، لكن وعلى ما يبدو انقلب السحر على الساحر فبدل أن تركّز وسائل الإعلام على ما أشار إلىه تميم بن حمد كان شغلها الشاغل الإضاءة على واقع تلك الإمارة الذي يختبئ خلف رائحة الغاز.

أيضاً، إنّ حديث تميم عن أنّ ما تتعرض له قطر بأنّه “امتحان كبير لدولة بحجم قطر التي تثير إعجاب العالم أجمع بما حقّقته وتحقّقه”، كان سقطة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لرأس الهرم في البلاد، لأنّ ما يثير سخط العالم من قيادة هذا البلد هو تدخلها السافر والدمويّ في أكثر من ملف وفي أكثر من بلد عبر سنوات طويلة، وإنّ إنفاق الدولة الثريّة بالغاز عشرات مليارات الدولارات لبناء الاستادات وسائر المنشآت والبنى التحتية اللازمة لاستضافة الحدث الكروي الأبرز في العالم، وخوضها حاليّاً سباقاً مع الزمن لإنجاز الأعمال المتبقية قبل انطلاق المونديال، لا يشفع عن تاريخها وحاضرها الذي يُوصف بـ”القذر” داخليّاً تجاه شعبها، وخارجيّاً تجاه شعوب دول أُخرى.

ومن الجدير بالذكر أنّه سيتدفّق إلى قطر التي تبلغ مساحتها 11571 كلم مربّع فقط، أكثر من مليون زائر خلال المونديال الذي تجري مبارياته على مدى 29 يوماً، وفي الإمارة أكثر من 2,5 مليون أجنبي من أصل إجمالي عدد السكان البالغ 2,9 مليون نسمة، أيّ حوالي النصف، فيما يتركّز القسم الأكبر من الاتهامات الموجّهة إلى الدوحة على حقوق العمال الأجانب الذين شيّدوا كامل المنشآت والبنى التحتية في البلاد، وما انفكّت نقابات دولية في الدفاع عن حقوق العمال، مندّدة بظروف العمل في مواقع البناء في الإمارة، بدءاً بمعايير السلامة ومروراً بساعات العمل في درجات حرارة الصيف الحارقة، وصولاً إلى تعويض العمال الذين قضوا أو أصيبوا بجروح في تلك الأثناء.

ويشار إلى أنّ منظمات دوليّة حقوقية في مقدّمها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، تطالب كل من قطر والفيفا ببذل مزيد من الجهود لدفع تعويضات لهؤلاء العمّال من خلال إنشاء صندوق تعويضات بقيمة 440 مليون دولار –أي ما يعادل جائزة كأس العالم-، كما أنّ الأمين العام لاتّحاد النقابات الأوروبية لوكا فيسينتيني، أوضح لوكالة فرانس برس أنّ “هناك المزيد من العمل الذي يتعيّن على الدوحة القيام به في مجال الإصلاحات، لكن ينبغي النظر إلى قطر على أنّها قصة نجاح”، في أعقاب زيارة قام بها الأسبوع المنصرم، بدوره دافع رئيس الاتّحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جاني إنفانتينو عن الدوحة، معتبراً أنّ هذا المونديال سيكون “الأفضل على الإطلاق، داخل الملعب وخارجه”.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق