زيارة مرتقبة لزعيم المسيحيين الكاثوليك… ما يجب أن يعرفه البابا فرنسيس عن واقع البحرين
سيغادر البابا فرنسيس، زعيم كاثوليك العالم، قريبًا إلى البحرين للمشاركة في “الحوار بين الشرق والغرب”، المقرر عقده في هذا البلد في الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر.
وحسب حكومة البحرين، فإن هذا المنتدى ينظمه مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في هذا البلد.
وأكد الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، رئيس مجلس أمناء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، أن العائلة المالكة راغبة في نشر ثقافة السلام والتعايش السلمي بين الأديان، وأن تصبح مثالاً عالمياً في قبول التنوع الديني والمذهبي.
بيان مشترك للمعارضة ضد العرض الحكومي
تأتي تصريحات مسؤولي نظام آل خليفة عن التسامح الديني في حين أن معارضي الحكومة، الذين يتكونون من أهم القوى السياسية في البحرين، ومن بينها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، حركة البحرين الإسلامية، حركة الوفاء الإسلامية، جمعية الأمل الإسلامي، تحالف شباب 14 فبراير وحركة الحرية والديمقراطية(الحق)، اتهموا النظام في بيان مشترك بالنفاق والقمع الوحشي المستمر لجزء كبير من السكان الشيعة في البلاد.
وأعلن المعارضون البحرينيون في هذا البيان الموجه إلى البابا فرنسيس، أن نظام آل خليفة اقترح اجتماع “حوار الأديان” في الوقت الذي تفاقمت فيه الأوضاع السياسية وحقوق الإنسان في البحرين، واتسعت الخلافات السياسية بين الشعب والنظام.
كما أن نظام القمع الذي يمارسه هذا النظام قد اشتد ضد المنتقدين والمعارضين، والعديد من العلماء والناشطين رهن الاعتقال.
وجاء في البيان: “إن شعب البحرين عادةً ما يفخر بلقاء القادة الروحيين من جميع دول العالم، ويرحِّب بالعلماء علی أساس الدين والقيم”.
وأكد المعارضون البحرينيون أن واقع البحرين يواجه أزمات ومشاكل لا حصر لها على جميع الأصعدة، والمضايقات والظلم والقمع والقسوة والخلافات الدينية والطائفية والسياسية متفشية في هذا البلد.
وحسب هذا البيان التنويري للمعارضة، فإن نظام آل خليفة يسجن العلماء ويُبعدهم، ويهدم عددًا من المساجد، ويواصل تدنيس المقدسات الإسلامية. کما يمارس هذا النظام أيضًا التمييز العنصري والطائفي ضد الشعب.
إضافة إلى ذلك، فإن إسقاط جنسية الشيخ “عيسى قاسم”، القائد الروحي للثورة البحرينية، يشكك بحد ذاته في مصداقية اللقاءات الدينية التي تقيمها الحكومة البحرينية.
كذلك، بينما يحاول نظام آل خليفة عرض الواقع الداخلي للبحرين برقابة شديدة على ضيوف هذا الاجتماع ووسائل الإعلام خلال زيارة البابا فرنسيس للبحرين، والتي ستكون محور اهتمام وسائل الإعلام العالمية، خاطب رجال الدين البحرينيون المعتقلون البابا عشية هذه الزيارة، وأعلنوا: “ستطأ قدمك أرضًا لا يوجد فيها شعار للتسامح والتعايش لأبنائها وشعبها، وبينما يتم الحديث عن العدل والإحسان، يمكن رؤية الظلم والعدوان علی أرض الواقع”.
أبعاد القمع الممنهج للشيعة من قبل آل خليفة
يتخذ نظام آل خليفة موقف الدفاع عن حرية الأديان والحوار بين الأديان، بينما كان من أكثر الأنظمة السياسية قمعًا في العالم فيما يتعلق بالحقوق السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية للشيعة.
ويسمح هذا النظام بإنشاء معبد للهندوس وكنيسة للمسيحيين ومعبد لليهود، بينما في سلوك مختلف تمامًا ينتهك باستمرار الحرية الدينية للشيعة. هذا في حين أن الشيعة يشكلون غالبية سكان البحرين البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة. ووفقًا لقاعدة بيانات الأديان العالمية بجامعة بوسطن، يبلغ عدد سكان البحرين 1.4 مليون مسلم، و 205 آلاف مسيحي و 109 آلاف من الهندوس.
وحسب الإحصاءات الحكومية، هناك ما يقرب من 712 ألف مواطن بحريني، أي أقل من نصف مجموع السكان. ولا تنشر الحكومة إحصائيات حول توزيع السكان الشيعة والسنة، ولكن وفقًا للتكهنات، يشكل الشيعة ما بين 65 إلى 70 بالمئة من إجمالي عدد المواطنين البحرينيين.
في الوقت نفسه، يعمل نظام آل خليفة بشكل منهجي على تهميش الشيعة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، بحيث يتم استهداف المعتقدات الدينية للشيعة في الكتب المدرسية ولا يُقال عنها شيء.
بالتزامن مع ذلك، يتعرض كبار رجال الدين الشيعة في البحرين للاضطهاد ، ويوجد العشرات من رجال الدين في السجون أو المنفى ويواجهون كل أنواع الإهانات والتعذيب.
ومن أجل عدم تسريب الحقائق الداخلية للبحرين، يفرض نظام آل خليفة رقابةً إعلاميةً صارمةً، ولا يسمح بإجراء تحقيقات حرة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية، لكن في بعض الأحيان تسلط هذه المنظمات الضوء على التمييز القائم في البحرين في تقاريرها.
على سبيل المثال، في عام 2016، كشفت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين في الأمم المتحدة عن مجموعة واسعة من الاتهامات من قبل الحكومة ضد الشيعة، بما في ذلك “التجمع غير القانوني” و”التحريض على كراهية النظام” و”غسل الأموال” و”الأعمال الإرهابية”، وذلك لتقييد تجمعاتهم السلمية والدينية والتعبير السلمي عن آرائهم. ووصف خبراء الامم المتحدة هذه الاتهامات بأنها “لا أساس لها وهي تخفي الاستهداف المتعمد للشيعة في البلاد”.
كما تستخدم السلطات البحرينية قانون الجنسية البحريني أو “قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية” كأداة لقمع وترهيب الشيعة، ومن خلال اللجوء إلى هذه الأداة في محاكم صورية، تطرد القادة السياسيين والدينيين الشيعة من البحرين.
وفي هذا الصدد، اعتبر الخبراء القانونيون قرار المحكمة البحرينية بإسقاط جنسية آية الله الشيخ عيسى قاسم، زعيم الشيعة في البحرين، في 20 يونيو 2016، دون إعطائه فرصةً للدفاع عن نفسه، كمثال على هذه الأحكام القمعية.
وذکرت المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام وقادة المعارضة في السجون، أن الحكومة تواصل استجواب رجال الدين الشيعة واحتجازهم واعتقالهم. حتى أن المنظمات غير الحكومية تقول إن سلطات السجون ترفض بشكل روتيني مطالبة السجناء الشيعة بتلقي العلاج أكثر من السجناء السنة.
وفي أغسطس/آب 2020، نشر أفراد عائلات السجناء الشيعة في سجن “جو” على تويتر، أن السجناء أضربوا عن الطعام احتجاجًا على التمييز الديني وعدم الوصول إلى المرافق الطبية. حتى أن بعض السجناء السياسيين الشيعة يموتون بشكل مريب في السجن.
على سبيل المثال، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية في 5 أبريل 2020، أن السجين الشيعي “عباس حسن مال الله” قد توفي بنوبة قلبية في سجن “جو”. وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش الشيعية أنه وفقاً لسجناء آخرين، طلب عباس حسن العلاج الطبي في 4 أبريل/نيسان بسبب آلام في الصدر، لكن السلطات رفضت طلبه.
قيود الحكومة على الشيعة لا تقتصر على قمع الأنشطة السياسية فحسب، بل كانت المعتقدات الدينية للشيعة ومنع الترويج للاحتفالات الدينية وحرية عقدها على جدول أعمال نظام القمع في البحرين أيضًا.
على سبيل المثال، في يناير/كانون الثاني، أنشأ ملك البحرين حمد بن عيسى مجلسين مستقلين تحت إشراف وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، للإشراف على الأوقاف السنية والجعفرية (الشيعية)، كانت لهما سلطة على عوائد الوقف، بما في ذلك الإيرادات والممتلكات.
وقد قوبل هذا الإجراء، الذي تم تنفيذه من أجل مزيد من سيطرة الحکومة على أنشطة المساجد ودور الصلاة، بمعارضة شديدة من قبل القادة الدينيين الشيعة، وخاصةً الشيخ عيسى قاسم، رجل الدين المنفي، الذي أعلن أنه “غير شرعي” و”معادي” للفقه الجعفري.
حتى أن حكومة البحرين قامت بمراقبة مباشرة والضغط من أجل تنظيم محتوى الخطب الدينية للقادة الشيعة، حيث يضطر هؤلاء القادة إلى التحدث إلى الناس فقط حول الموضوعات التي تهمّ الحكومة. وقد أدت هذه السياسة إلى استدعاء زعماء الشيعة للاستجواب بشأن الخطب التي ألقوها خلال الاحتفالات الدينية، مثل عاشوراء أو صلاة الجمعة.
وكان منع تنفيذ الاحتفالات الدينية الشيعية الكبرى، وخاصةً عزاء الإمام الحسين(عليه السلام) في شهر محرم، والقيود الشديدة على مشاركة المواطنين البحرينيين في مراسم الأربعين في العراق، جزءًا آخر من القمع الحكومي الممنهج ضد الحرية الدينية للشيعة.
وأثناء تفشي فيروس كورونا، أفادت منظمات غير حكومية ورجال دين شيعة وسياسيون معارضون، أن السلطات فرضت قيودًا إضافيةً على الممارسات الدينية الشيعية بحجة مكافحة انتشار المرض، في حين أن البروتوكولات الحكومية للتجمعات الاجتماعية والدينية الأخرى مثل الأعياد الهندوسية والمسيحية، لم تكن صارمةً بهذا القدر.
ووفقًا لقادة الشيعة ونشطاء المجتمع، تواصل حكومة البحرين التمييز ضد المواطنين الشيعة، وتعطي معاملةً تفضيليةً للمواطنين السنّة في المنح الدراسية والتوظيف في الحكومة والجيش.
وأفاد نشطاء سياسيون وحقوقيون بحرينيون بارتفاع معدلات البطالة، ومحدودية فرص الحراك الاجتماعي الصاعد، وانخفاض الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشيعة في المجتمع، مقارنةً بالسنة.
وقد دفعت هذه الحقائق مجموعةً ناشطةً أمريكيةً تروج لحقوق الإنسان في البحرين، إلى مطالبة البابا فرانسيس إما بإلغاء زيارته القادمة إلى هذه الدولة الخليجية، أو انتقاد ما يقولون إنها أعمال قمعية وتمييزية من قبل الحكومة.
وقالت منظمة “أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين”(ADHRB) في بيان يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول، إن بعض أعمال الصداقة تجاه بعض الأديان “لا تعفي دكتاتورًا من قمع واضطهاد الآخرين”. وأشارت إلى أن غالبية سكان البحرين من المسلمين الشيعة، الذين هم “مضطهدون عمداً من خلال التمييز الديني والاضطهاد والإكراه”، حسب المنظمة.
استغلال البابا كأداة في لعبة التطبيع
يحاول نظام آل خليفة التستر على أزمة الشرعية الداخلية والقمع الشديد للاحتجاجات السلمية للبحرينيين، برفع راية تطبيع العلاقات مع الکيان الصهيوني، وتلميع سمعته في المجتمع الدولي.
ولهذا الغرض، وعلى عكس السياسة الواضحة التي ينتهجها النظام ضد المعتقدات الدينية لجزء كبير من مواطنيه، تمكن اليهود مؤخرًا من الاحتفال بأول حفل زفاف يهودي في الكنيس اليهودي الذي تم تجديده حديثًا في المنامة لأول مرة منذ عام 1947، وذلك إرضاءً للصهاينة.
ورغم أن وسائل الإعلام والحكومات الغربية تعتبر تطبيع العلاقات كخطوة نحو التسامح والحوار الديني، لكن إقامة العلاقات مع نظام يطبق الفصل العنصري الديني والعرقي ضد مئات الآلاف من الفلسطينيين ويقتل الأطفال أمام أعين العالم، لا مكان لها في حوار الأديان، كما في الأشهر الأخيرة لم يسلم المسيحيون من الاضطهاد الديني الذي يمارسه الصهاينة.
في غضون ذلك، على الرغم من أن القادة الكاثوليك أشادوا بالنظام البحريني لتبرعه بالأرض التي أقيمت فيها أكبر كنيسة كاثوليكية في البحرين، ولکن الخيار يعود إلی البابا نفسه، فهل يريد أن يكون صوت المواطنين الشيعة المضطهدين في البحرين ضد نظام قمعي ومعادٍ للدين، أو يکون أداة لعبة شيطانية أطلقها الصهاينة والحكام العرب الدكتاتوريون.
المصدر/ الوقت