الریاض تغضب واشنطن وتستضيف “شي جين بينغ”
بعد شهرين من الرسالة السرية التي وجهها الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إلى ملك المملكة العربية السعودية، هناك الآن تقارير عن زيارة “شي” الوشيكة إلى الرياض. ولقد أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن “شي جين بينغ” سيأتي إلى الرياض في المستقبل القريب. وقال فرحان إن “بينغ” سيشارك في القمة الصينية – السعودية، والقمة الصينية – الخليجية. كما قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، عن أهمية العلاقات بين البلدين، أن “الصين أصبحت الوجهة الأولى لصادرات النفط السعودية”.
ومع أنباء زيارة “شي” إلى المملكة العربية السعودية، تشير التقارير إلى أن السلطات السعودية تحاول التأكد من أن هذه الزيارة ليست أدنى من حيث المظهر والبروتوكول للزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الرياض في مايو 2017. وفي الوقت نفسه، يظهر الاختلاف في الضيافة بين استقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني وتتضمن هذه الزيارة التي تتم في ظروف زمنية معينة أهدافًا مهمة للطرفين.
الأهداف الاقتصادية على رأس برامج البلدين
إن الصين، التي حددت علاقاتها الخارجية على أساس التنمية الاقتصادية وكان من الممكن أن يطلق عليها القطب الاقتصادي الثاني في العالم خلال عقدين من الزمن، تضع قضية الاقتصاد في المرتبة الأولى في أي علاقات مع الدول الأخرى. لذلك، في زيارة “شي جين بينغ” إلى الرياض، تعتبر العلاقات الاقتصادية مهمة جدًا أيضًا. وأحد الأجندات المشتركة للبلدين هو استدامة التنمية الاقتصادية، وامتلاك اقتصاد مزدهر هو أحد الأهداف الرئيسية للمملكة العربية السعودية لتنويع اقتصادها. لذلك، نظرًا لقدراتها الهائلة، يمكن للصين أن تساعد المملكة العربية السعودية كثيرًا، لأن كل من الصين والمملكة العربية السعودية تنظران في أهدافهما الرئيسية للنمو وإقامة شراكات تجارية بطريقة تتكامل تمامًا مع النظام الاقتصادي العالمي.
إن الرياض بحاجة إلى الاستثمار والمساعدة الفنية من دول مثل الصين في صناعات النفط والغاز بسبب الحاجة إلى المهارات والخبرات والتكنولوجيا المتقدمة. وتعد القدرة التكنولوجية للصين أيضًا من بين احتياجات السعوديين، ونتيجة لذلك، يمكن للصين أن تساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية، وسيستفيد الجانبان من هذا التطور سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. وفي السنوات الأخيرة، زادت الصين استثماراتها في صناعة الغاز في دول أخرى، ومن بين 56 مليار دولار مخصصة لهذا البرنامج، حصلت السعودية على حوالي 4.6 مليارات دولار، وهي تحتل المرتبة الأولى بين هذه الاستثمارات.
ووفقًا للخطة الطموحة لمحمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، تخطط هذه الدولة لتكون واحدة من أكبر 15 قوة اقتصادية في العالم بحلول عام 2030، على الرغم من أن البنية التحتية للمملكة العربية السعودية لا يمكن أن تصل إلى هذا المنصب في فترة زمنية قصيرة، ولكن بسبب الثروة الكبيرة التي اكتسبتها هذه الدولة من بيع النفط وبمساعدة الصينيين يمكنهم تحقيق جزء من أهدافهم، لذلك، خلال زيارة “شي” إلى الرياض، ستكون القضايا الاقتصادية على على رأس جدول أعمال البلدين، وقد يتم توقيع عقود الاقتصاد الكلي بين الطرفين، مثل تلك العقود طويلة الأجل التي سبق أن وقعتها بكين مع إيران والإمارات، ويمكن تنفيذ هذه الخطة في الرياض.
أهمية العلاقات بالنسبة للصين
كقوة ناشئة، تسعى الصين أيضًا إلى تحقيق أهداف معينة في تطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية. وتعتبر المملكة العربية السعودية من أكثر الدول تأثيراً في مجال صادرات النفط في العالم، وتعتبر هذه القضية حيوية بالنسبة للصين التي تعد أكبر مستورد للنفط في العالم.
لقد شهدت العلاقات بين بكين والرياض في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا على جميع المستويات، لا سيما في مجالات الطاقة والاقتصاد. وخلال زيارة “شي” إلى الرياض عام 2016، وقع الجانبان 14 حزمة اقتصادية بقيمة 65 مليار دولار، وبناءً على هذه الاتفاقيات، ستزيد السعودية مبيعات النفط إلى الصين. ونتيجة لهذه الاتفاقية، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين البلدين 65.2 مليار دولار في عام 2020 و 87.3 مليار دولار في عام 2021، ما يدل على أن هذه العلاقات تتزايد كل عام وستكون أكثر من هذا الحجم في المستقبل. وبلغت الصادرات السعودية إلى الصين 6.27 مليار دولار في أغسطس آب 2022، ارتفاعا بمقدار 5.92 مليارات دولار عما كانت عليه في الشهر السابق، وفقا لبيانات مركز التجارة والدراسات الاقتصادية، التي تحلل البيانات الاقتصادية والصناعية والمالية. وهذا يدل على أن العلاقات التجارية بين البلدين في أعلى مستوياتها. الآن، تعد الصين الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، والتي تجاوزت حتى منافستها الأمريكية. وتصدر المملكة العربية السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل إلى الصين من أصل 8 ملايين برميل من النفط التي تنتجها يوميًا، أي ما يقرب من 25٪ من صادرات النفط السعودية يتم تحميلها إلى الصين، ما يشير إلى قيمة ومكانة الرياض في سياسات بكين. وفي المستقبل، إذا أرادت الدول الأوروبية تقليل مشترياتها من النفط من المملكة العربية السعودية بمحاذاة الولايات المتحدة، يمكن للصين أن تمتلك هذه السوق وحدها نظرًا لاحتياجاتها القوية من النفط، وبالتالي لن يعاني السعوديون أيضًا.
ويرتبط نهج الصين تجاه المملكة العربية السعودية أيضًا بمشاريع بكين الكبيرة. حيث أطلقت الصين، برئاسة “شي جين بينغ”، مبادرة “حزام واحد وطريق واحد” في عام 2015 بهدف تحسين التواصل والتعاون عبر القارات والمضي قدمًا نحو إحياء طريق الحرير، وبناءً على هذه الخطة، فإن قارات آسيا، من المفترض أن يتم ربط شبكات السكك الحديدية، البرية والبحرية التجارية ببعضها البعض. وتعد المملكة العربية السعودية أيضًا أحد المحاور الرئيسية في هذه الخطة، والتي ستلعب دورًا في هذه الخطة باستخدام قدراتها في مجال الطاقة في حدود إمكانياتها. حتى سنوات قليلة مضت، كانت المملكة العربية السعودية مطيعة لأوامر الولايات المتحدة وكان لها معظم علاقاتها الاقتصادية مع هذا البلد، ولكن الآن تغير الوضع وأصبحت بكين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية.
الرسالة السياسية لزيارة “شي”
تتضمن زيارة رئيس الصين للسعودية رسائل مهمة للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تحدث حول رأي واشنطن بشأن زيارة شي إلى المملكة العربية السعودية، وادعى أن واشنطن لا تتوقع أن يختار أي شخص بين الولايات المتحدة والصين أو أي دولة أخرى، إلا أنه أراد أن يظهر أن مثل هذه القضايا ليست كذلك وأنها تافهة، ولا يهم قادة البيت الأبيض بها، ولكن هذا مجرد مظهر للقضية وليس في الواقع رغبة داخلية لأمريكا، والوجود المتزايد للصينيين في السعودية يعتبر تهديدًا خطيرًا لواشنطن، وبالتالي فإن استيعاب زيارة “شي” سيكون ثقيلًا بالنسبة للبيت الأبيض.
والمثير للاهتمام في القصة أن زيارة الرئيس الصيني تتم في وقت توترت فيه العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة بسبب قرار الرياض خفض إنتاج النفط في إطار “NAUPEC +”. بل وأدت هذه القضية إلى نشوب حرب كلامية بين مسئولي البلدين. حيث قال مسؤولون في واشنطن إنه من أجل معاقبة المملكة العربية السعودية، سوف يراجعون علاقاتهم مع السعوديين، وكخطوة أولى، وضعوا على الطاولة وقف مبيعات الأسلحة لهذه المملكة. ولهذا السبب، سيُظهر السعوديون للأمريكيين أنهم ليسوا عمياء عن سياسات واشنطن وأن لديهم خيارات للضغط على الولايات المتحدة من خلال الترحيب بـ”شي” بحرارة. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة قدمت الصين باعتبارها أكبر منافس عالمي لها في استراتيجيتها للأمن القومي وكانت في حالة توتر بشأن تايوان في الأشهر الأخيرة، لذلك فإن السعوديين يتفهمون الموقف جيدًا وينوون إظهار ذلك من خلال استضافة قادة بكين واختيار عمالقة الشرق الناشئون للتحالف الاستراتيجي معهم.
بعد الأزمة الأوكرانية، اتخذت المملكة العربية السعودية مسارًا بعيدًا عن الغرب وحتى استجابت سلبًا لطلب واشنطن زيادة إنتاج النفط لخفض أسعار النفط. وحتى أن بعض المصادر أعلنت سابقًا أن ابن سلمان لا يرد حتى على هاتف جو بايدن. وفي رحلة بايدن إلى الرياض، والتي تمت لضمان إنتاج النفط، عاد الرئيس الأمريكي، رغم خجوله وتعرضه لانتقادات داخلية بسبب لقائه ابن سلمان، من الرياض بذراع فارغة، وهذه الرحلة لم تحقق شيئًا لواشنطن. ولم يقتصر الأمر على أن المملكة العربية السعودية لم تتماشَ مع سياسات الغرب، بل قررت أيضًا خفض إنتاجها النفطي لإظهار أنها تعمل بشكل مستقل، وهو إجراء سيؤدي إلى زيادة مفرطة في أسعار النفط في العالم. وهذا الوضع مخالف لرغبة البيت الأبيض ولهذا يحاول الأوروبيون إعادة استقرار الأسعار لأسواق الطاقة بمساعدة دول الخليج الفارسية.
وهناك نقطة مهمة أخرى من المحتمل أن يتم أخذها في الاعتبار في زيارة “شي” القادمة إلى المملكة العربية السعودية وهي التعاون العسكري. لقد عهدت المملكة العربية السعودية بأمورها الأمنية والعسكرية إلى الولايات المتحدة لعدة عقود، وإذا غادر مهندسو البلاد الرياض، فسيكون ذلك بمثابة ضربة قوية للسعوديين، كما أن حكام المملكة العربية السعودية قلقون بشأن هذه القضية وسيحاولون استخدم الفنيين الصينيين والروس لتقوية جيشهم. ولقد اعتادت المملكة العربية السعودية شراء معظم أسلحتها من الولايات المتحدة، لكن إجراءات الكونجرس بوقف صادرات الأسلحة ستجبر سلطات الرياض على مراجعة شؤونها الأمنية، وبما أنها تتبع سياسة تنويع ترساناتها فقد احتسبت على قوة الصينيين. ويمكن للتقدم العسكري الصيني في السنوات الأخيرة، والذي يتساوى مع الأسلحة الغربية، أن يساعد السعوديين في تنفيذ خططهم. وبهذه الطريقة، تحاول السعودية خلق توازن بين الغرب والشرق من الناحية الأمنية، وإذا تعرض أمن حدودها للخطر، فيمكنها استخدام قوة أحد الطرفين لصالحها.
المصدر/ الوقت