التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

لماذا لم تدعو روسيا طالبان إلى اجتماع موسكو 

ستجتمع دول المنطقة، التي عقدت عدة اجتماعات العام الماضي لحل الأزمة الأفغانية، في موسكو هذه المرة حتى تتمكن من إيجاد حل لأزمات هذا البلد.

وبحسب زامير كابولوف، الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفغانستان، فإن اجتماع “آلية موسكو التشاورية حول أفغانستان” سيعقد في منتصف نوفمبر. ويشارك في هذا الاجتماع ممثلو روسيا والصين والهند وإيران وباكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.

في غضون ذلك، النقطة المهمة هي أن موسكو لم تدع حكومة طالبان لحضور هذا الاجتماع. ولم تقدم روسيا سببًا واضحًا لعدم دعوة وفد طالبان، رغم أن الكرملين کان يدعو طالبان إلى اجتماعات تتعلق بأفغانستان قبل انسحاب القوات الأمريكية.

عدم دعوة الحكومة المؤقتة لطالبان لحضور اجتماع موسكو، أثار رد فعل هذه المجموعة. حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية في الحكومة المؤقتة لطالبان، أن المباحثات حول أفغانستان لم تكتمل دون حضور طالبان في الاجتماع الذي سيعقد في روسيا.

وقال عبد القهار بلخي، إن طالبان تمكنت من التفاعل البناء مع دول الجوار والمنطقة والعالم في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، لكن غياب طالبان عن مثل هذه الاجتماعات يمكن أن يكون له أثر سلبي على هذا التفاعل.

رسالة التحذير الروسية

يأتي اجتماع موسكو استمراراً لسلسلة الاجتماعات السابقة التي عقدت في عواصم إيران وروسيا وباكستان في الأشهر الـ15 الماضية، منذ وصول طالبان إلى السلطة.

في الاجتماعات السابقة، طلب جميع الشركاء من طالبان تشكيل حكومة شاملة لتجاوز الأزمة الداخلية، وجعلوا الاعتراف بالحكومة المؤقتة لهذه المجموعة وإرسال المزيد من المساعدات وتعزيز العلاقات الثنائية، مرهوناً بهذه القضية.

ومع ذلك، فإن طالبان لم تتخذ أي خطوات فعالة لتشكيل حكومة شاملة، وعلى عكس مزاعمها، لا توجد مجموعة خارج الجماعات المقربة من طالبان في الحكومة المؤقتة، وبعبارة أخرى، قاموا بتشكيل حكومة طالبانية.

وبالإضافة إلى المشاكل السياسية التي يعاني منها الأفغان، فإن هذا البلد في أسوأ حالة اقتصادية أيضًا منذ سيطرة طالبان على أفغانستان، ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 90٪ من الناس تحت خط الفقر، وزادت احتمالية نشوب صراعات داخلية بسبب أعمال القتل والتعذيب التي تمارسها حكومة طالبان في هذا البلد.

لذلك، فإن عدم دعوة طالبان إلى اجتماع موسكو يتضمن رسالةً مفادها أنه حتى لا ترضخ هذه المجموعة للمطالب الدولية، فإن أي تفاعل مع الحكومة المؤقتة لن يكون سوی وهم.

وعلى الرغم من أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليس لديها أي إرادة للاعتراف بطالبان، وتحت ذريعة تشكيل حكومة شاملة، فإنها تريد أن تتجاهل عبء المسؤولية الموجهة إليها على مدى العقدين الماضيين بسبب احتلال أفغانستان، لكن الدول المجاورة لأفغانستان تسعى حقًا لمساعدة هذا البلد، وإذا تمكنت طالبان من تشكيل حكومة تتكون من جميع الجماعات السياسية الأفغانية، فسيكون ذلك خطوةً أقرب إلى التفاعل المكثف مع جيران أفغانستان.

لكن إذا أرادت هذه المجموعة مقاومة المطالب الدولية والاستمرار في حكومة أحادية العرق، فلن تتلقى المساعدة من دول المنطقة فحسب، بل قد تُرفض أيضًا من قبل الجهات الأجنبية.

مخاوف من انتشار انعدام الأمن في آسيا الوسطى

تشعر روسيا، التي تتولى قيادة الاجتماعات الإقليمية حول أفغانستان، بالقلق من زيادة انعدام الأمن من أفغانستان إلى المنطقة، وتحاول إيجاد حل في هذا المجال بمساعدة دول المنطقة.

وعلى الرغم من ادعاء حركة طالبان أنها تمكنت من إحلال الأمن في جميع أنحاء أفغانستان، إلا أن الأدلة تشير إلى اشتداد حالة انعدام الأمن واتساع نطاق أنشطة تنظيم داعش الإرهابي، الذي تدعي الحركة أنه تحت سيطرتها.

کما أن روسيا التي تخوض حاليًا صراعًا مع الغرب بشأن الأزمة الأوكرانية، تشعر بالقلق من انتشار حالة انعدام الأمن في أفغانستان إلى حدودها الجنوبية، لأن جمهوريات آسيا الوسطى تتضرر بشدة من انعدام الأمن والتهديدات الإرهابية، وإذا انتشر عدم الاستقرار في هذه المنطقة، فإن حدود روسيا ستكون أيضًا مهددةً.

ويمكن أن يكون انعدام الأمن في آسيا الوسطى في الوضع الحالي خطيرًا على الروس، وستضطر سلطات موسكو إلى تحويل جزء من قوتها نحو آسيا الوسطى من أجل القضاء على حالات انعدام الأمن، وهذه فرصة جيدة لأمريكا والأوروبيين لتوجيه ضربات قاسية لهذا المنافس في أوكرانيا.

ويرى مسؤولو الكرملين أن على طالبان الوفاء بالوعود التي قطعتها، والتعامل مع قضية الإرهاب التي تشكل تهديدًا لوحدة أراضي الدول، لكن بدلاً من مواجهة الإرهابيين، أطلقت طالبان سراح المئات من أعضاء داعش من السجون الأفغانية في العام الماضي، وبهذا العمل باتت أفغانستان الآن مهددةً بقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وإذا خرج الوضع الأمني ​​في هذا البلد عن السيطرة، فستواجه المنطقة بأسرها أزمةً جديدةً.

أثار أسلوب حكم طالبان في العام الماضي قلقًا كبيرًا لدى الروس، وهم يشعرون بالتهديد من استعادة هذه المجموعة للسلطة بعد 20 عامًا عقب انسحاب الولايات المتحدة. وقال نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن القومي الروسي، مؤخرًا، إن الولايات المتحدة أنشأت شبكة طالبان وداعش والقاعدة لتعزيز أهدافها الجيوسياسية؛ موقفٌ أثار سخط طالبان.

إن قلق روسيا من صعود طالبان إلى السلطة لا يأتي من فراغ، لأنه بعد مغادرة أفغانستان، تحاول أمريكا ضرب موسكو بجعل هذا البلد غير آمن. وقد أدى تجميد 7 مليارات دولار من الأصول الأفغانية في البنوك الغربية إلى تأجيج الأزمة الاقتصادية في أفغانستان، والإفراج عن موارد النقد الأجنبي هذه يمكن أن يحل جزءًا كبيرًا من مشاكل هذا البلد، لكن مسؤولي البيت الأبيض ليس لديهم إرادة لحل الأزمات في أفغانستان.

لأنهم يعتقدون أنه مهما تکاثرت أزمات هذا البلد، فإن مخاطر ذلك ستكون کبيرةً بنفس القدر بالنسبة لروسيا وإيران والصين، ويمكن لواشنطن أن تضرب منافسيها بأقل تكلفة.

الروس قلقون من أن طالبان قد تکون لديها اتفاقيات سرية مع الولايات المتحدة وراء الكواليس، وتجعل آسيا الوسطى وروسيا غير آمنة مقابل وعود معينة. وفي الآونة الأخيرة، انتشرت أنباء عن لقاء بين مسؤولي طالبان والأمريكيين، وزاد هذا الموضوع الشكوك حول خطط واشنطن في هذا البلد.

من ناحية أخرى، سيؤدي استمرار الأزمة الاقتصادية في أفغانستان إلى تدفق ملايين الأفغان إلى الدول المجاورة لسد احتياجاتهم، وستنشأ أزمة هجرة من وراء ذلك. وهذه القضية في الوضع الحالي، حيث تواجه جميع الدول العديد من المشاكل، يمكن أن تفرض الكثير من التكاليف على حكومات المنطقة.

كما تدفع هذه القضية بعض الأفغان إلى اللجوء إلى زراعة الخشخاش وتهريب هذه المواد المربحة، الأمر الذي سيؤثر على جيرانهم أكثر من غيرهم، ولهذا السبب يحاولون منع زيادة الأزمات في أفغانستان من خلال التعاون مع بعضهم البعض.

تدرك طالبان جيدًا أنها لن تكون قادرةً على حل العديد من مشاكل أفغانستان دون مساعدة المجتمع الدولي، ووفقًا للظروف الخاصة لأفغانستان، فإن أي دولة تقدم المزيد من المساعدة لحكومة طالبان في الوضع الحالي، سيكون لها تأثير أكبر على الساحة السياسية لهذا البلد.

لذلك، إذا كان لدى الأمريكيين خطط طويلة المدى لضرب روسيا، فربما يعيدون النظر في سياساتهم المعلنة تجاه حكومة طالبان، وعن طريق ضخ جزء من الأموال في أفغانستان، فإنهم سيجذبون طالبان إلى جانبهم ويستخدمون نفوذها ضد خصومهم.

لهذا السبب، يشعر الروس بالقلق من الاتفاقيات السرية بين واشنطن وكابول، وعدم دعوة طالبان لحضور اجتماع موسكو هو رد فعل يحمل تحذيراً خاصاً لتحركات هذه المجموعة.

ستحاول روسيا والدول المجاورة لأفغانستان الضغط على حكومة طالبان المؤقتة لإجراء إصلاحات أساسية في الهياكل السياسية للبلاد في الاجتماع التشاوري في موسكو، لأن استمرار عدم الاستقرار في أفغانستان سيزيد من تكلفة الجيران، ويفتح أمامهم أزمات جديدة قد يستغرق التغلب عليها سنوات طويلة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق