الخلافات الداخلية تلقي بظلالها الثقيلة علی مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي
أنهى المؤتمر الحزبي للحزب الديمقراطي لإقليم كردستان بزعامة مسعود بارزاني أعماله قبل أيام، في حين أن الخلافات بين شخصياته الرئيسية أصبحت أكثر وضوحاً، وانعكست على الأجواء السياسية للعراق والإقليم نفسه.
هذا فيما كان هذا الحزب يتباهى دائمًا ضد منافسه التقليدي في الإقليم، أي حزب الاتحاد الوطني بقيادة عائلة الراحل جلال طالباني. لأن الاتحاد الوطني شهد انقسامات منها انشقاق نوشيرفان مصطفى وتأسيس “حركة التغيير”، وهذا يغاير وضع الحزب الديمقراطي وتماسكه في هذا الصدد. وسنسلط فيما يلي الضوء علی هذا المؤتمر الحزبي ونتائجه وجوانبه المختلفة.
نظرة على كيفية عقد هذا المؤتمر الحزبي
في هذا السياق، يشار إلی أن هذا المؤتمر الحزبي يجب أن ينعقد مرة كل أربع سنوات وفق اللوائح الداخلية للحزب، لكن تأخر انعقاده هذه المرة لمدة 12 عامًا، رغم أنه حسب قيادات الحزب، كانت قضيتا الحرب مع داعش وانتشار مرض كورونا عاملين في تأجيل هذا المؤتمر في كل مرة.
لكن هذه المرة بدأت الاستعدادات لعقده في 27 أغسطس، حيث تم التصويت على مشاركة ممثلي الحزب في هذا المؤتمر. ونتيجةً لذلك، تم انتخاب 1032 نائباً من أصل 600 ألف ناخب من أعضاء الحزب للمشاركة في مؤتمر الحزب.
لكن بعيدًا عن موضوع اختيار رئيس الحزب، والذي كان من شبه المؤكد أنه سيکون من نصيب مسعود بارزاني، وأيضاً بعيداً عن موضوع انتخاب نائب الرئيس الذي أثار جدلاً إعلامياً، من أهم نتائج هذا المؤتمر كان انتخاب أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء المكتب السياسي.
اللجنة المركزية للحزب هي في الواقع ثاني أهم هيئة قيادية في الحزب الديمقراطي، ويتم انتخاب أعضاء المكتب السياسي من هذه اللجنة.
تضم هذه اللجنة 51 عضواً، ولكن تم اختيار 10 من أعضائها بتوصية صريحة من مسعود بارزاني. ومن بين هؤلاء الأشخاص العشرة، يمكن ذكر الأسماء التالية: فاضل ميراني، آزاد برواري، هوشيار زيباري، فؤاد حسين، محمود محمد، ريبوار يلدا، كمال كركوكي وزعيم علي.
كما بلغ عدد أعضاء المكتب السياسي للحزب الذين انتخبتهم اللجنة المركزية 17 شخصاً، وهم: فاضل ميراني، فؤاد حسين، هوشيار زيباري، آزاد برواري، محمود محمد، ريبوار يلدا، كمال كركوكي، زعيم علي، سيداد بارزاني، هيمان هورامي، باشتيفان صادق، هيفا أحمد مصطفى، سارباست لزكين، زاغروس فتاح، نوزاد هادي، أمينة ذکري وعلي حسين. وكما يتضح، فإن 8 من أصل 17 عضوًا هم نفس الأعضاء الذين انتخبهم مسعود بارزاني في اللجنة المركزية للحزب.
الخلافات بين نيجيرفان ومسرور بارزاني
هذه القضية، التي لوحظت أكثر فأكثر في وسائل الإعلام، تعود جذورها إلی زمن بعيد. لأن نيجيرفان بارزاني كان لديه دائمًا شعور بأن مسرور بارزاني يحاول الحد من دوره في وضع سياسات الإقليم وفي الحزب. وخاصةً أن مسرور بارزاني، على عكس نيجيرفان، هو أيضًا نجل أقوى شخصية في الحزب، أي مسعود بارزاني.
جانب آخر من هذا الخلاف هو تقسيم المناصب الحزبية والحكومية في منطقتي كركوك ونينوى، ولا سيما أن الإطار التنسيقي قدم تنازلات للحزب الديمقراطي في هذه المناطق تماشياً مع جهود تشكيل الحكومة.
وفيما يتعلق باختيار أعضاء اللجنة المركزية، تم اختيار 7 أشخاص فقط من مقربي نيجيرفان بارزاني. وكان هذا بينما لم يكن الأعضاء المقربون من مسرور بارزاني أكثر من هذا العدد فحسب، بل أيضًا كان لمسرور بارزاني حصة أكبر بين الأعضاء الـ 22 الجدد، ويمكن أن نذكر من بينهم عضوية ريبر أحمد بارزاني، وزير داخلية الإقليم(منصب معادل لوزير الداخلية العراقي) وأحد أكثر الشخصيات الأمنية والمقرب من مسرور بارزاني.
ولهذا السبب، فيما يتعلق باختيار نائب الرئيس، هذه المرة وخلافاً للوائح الداخلية للحزب، حيث يوجد للرئيس نائب واحد، تم انتخاب نائبين للرئيس لمسعود بارزاني، وبالطبع هما نيجيرفان ومسرور بارزاني، وكان ذلك لتقليص الفجوة بين الطرفين.
وكان هذا في حين أنه بعد انتخاب النائبين، فإن وسائل الإعلام المقربة من نيجيرفان نعته بالنائب الأول للرئيس، وأزالت وسائل الإعلام المقربة من مسرور تمامًا وصف النائب الأول أو الثاني. وفي الأساس، تم تفسير حضور مسعود في هذا المؤتمر على أنه يقلل من الصراع بين الطرفين.
وفي هذا الصدد، شدد مسعود بارزاني، بعد انتهاء أعمال المؤتمر، على ضرورة أن يعمل نائباه بشكل موحد لمنع ونفي الشائعات، واتباع نصيحة جدهما الملا مصطفى بارزاني في هذا الصدد، لأنه قدم مثل هذه النصائح عندما كانت هناك تقارير عن نزاع بين مسعود بارزاني وإدريس بارزاني(والد نيجيرفان).
نقاط قوة كل من نيجيرفان ومسرور بارزاني في هذا الصراع
في هذا الصراع السياسي بين الطرفين، ينبغي القول إن مسرور بارزاني له تأثير كبير في مختلف كوادر الحزب وكذلك في الهياكل الأمنية في الإقليم.
لكن في المقابل، يتمتع نيجيرفان بعلاقات جيدة مع مختلف الأطراف في الإقليم، وكذلك مع مختلف الأطراف العراقية. إضافة إلى ذلك، وبسبب رئاسة إقليم كردستان، أقام علاقات دبلوماسية مع القوى الغربية وإيران وأنقرة.
كما أن نيجيرفان بارزاني له تأثير كبير في عقود النفط، وقد دفع هذا الموضوع مسرور بارزاني إلى إيلاء اهتمام خاص لمسألة حل المشاكل بين بغداد وأربيل في مجال تصدير واستخراج النفط، من أجل زيادة نفوذه في هذا المجال.
الخلافات القانونية في عقد مؤتمر الحزب والانتخابات المتعلقة به
حسب بعض محامي إقليم کردستان العراق، فقد ترافق انعقاد هذا المؤتمر وانتخاباته مع ارتكاب مخالفات قانونية وفق قانون الأحزاب لحكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، وفي هذا السياق يمكن ذكر ما يلي:
أ- بما أن هذا المؤتمر يعقد بعد 12 سنة، فهذه القضية بحد ذاتها تعدّ انتهاكًا، لأن الفترة الفاصلة بين عقد مؤتمرين يجب أن تكون 4 سنوات وفقًا لقانون الأحزاب.
ب- حقيقة أن 10 أعضاء من اللجنة المركزية تم انتخابهم بناءً على توصية مباشرة من رئيس الحزب، رغم أنه قد جری التصويت لدخولهم اللجنة، إلا أن هذا التصويت لم يتم سراً وهذا مخالف للقانون.
ج- يعتبر اختيار نائبين للرئيس مخالفة قانونية، لأنه يجب انتخاب نائب واحد فقط لرئيس الحزب.
د- السماح لبعض الأعضاء الجدد بالترشح للانتخابات في اللجنة المركزية يعدّ انتهاكًا أيضًا، لأن الشرط في أن يكون الشخص مرشحًا في هذه اللجنة، هو أنه يجب أن يكون هذا الشخص عضوًا في الحزب لمدة 10 سنوات.
في الختام، لا بد من القول إن هذا المؤتمر، بغض النظر عن بعض الانتهاكات التي ارتكبت فيه، رغم انعقاده بنجاح، أظهر أن الصراع بين مسرور بارزاني ونجيرفان بارزاني، بصفتهما وريثان لمسعود بارزاني، أعمق بکثير مما يبدو، وإذا لم يتم حل الخلافات، فقد يؤدي ذلك في أي لحظة إلى صراع علني وانقسام في الحزب.
المصدر/ الوقت