التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

تحولات السياسة الخارجية للرياض تجاه العراق 

بعد الاقتراب من العرش في السنوات الأخيرة، بذل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جهودًا متضافرةً لإبراز صورة إصلاحية عن نفسه، والتظاهر بأن المقاربات التقليدية للسعودية قد ولت، وأن شعب هذا البلد سيعيش بمزيد من حرية التعبير والعمل والسلوك من الآن فصاعدًا.

ويحاول ابن سلمان تقديم نفسه على أنه ليبرالي جديد، من خلال تطوير نماذج للحياة الأوروبية الحديثة في مشاريع كبيرة، بغض النظر عن حقيقة أن الأساليب الاستبدادية مختلطة بعقليته.

وقد شهدنا هذا السلوك في مظاهر مختلفة خلال السنوات الماضية على صعيد القمع الداخلي، وزيادة أحكام السجن والإعدام بحق المعارضين السياسيين، وتفشي انتهاكات حريات الأقليات الدينية والدينية، والمهاجرين الأجانب، وانتهاكات حقوق المرأة، وانتشار الفساد.

من ناحية أخرى، وضعت سلطات الرياض أسس سياستها الخارجية على كسب دعم القوى الغربية، لبقاء حكمها غير الديمقراطي في السعودية. إضافة إلى أنهم يبذلون جهودًا مكثفةً في تطوير الفكر الوهابي والتكفيري بناءً على هذا النهج في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تدخل واسع لهذا البلد في الشؤون الداخلية للحكومات الإقليمية والدولية الأخرى والترويج للحرب ضد بعضها، بما في ذلك اليمن.

ما سيتم النظر فيه في هذا المقال، هو أبعاد السياسات المتناقضة للحكومة السعودية على الصعيدين المحلي والدولي، ووصف الانتهاك الواسع النطاق للأسس الإنسانية في سلوك حكام السعودية.

تغيير استراتيجية التدخل في العراق

منذ عام 2015، حاولت السعودية، من خلال تغيير استراتيجيتها المستمرة لـ 25 عامًا على أساس قطع العلاقات مع العراق، استخدام أموالها ودولاراتها النفطية للتأثير على السلطات العراقية وفصلها عن إيران.

ثامر السبهان كان أداة الرياض للقيام بهذه المهمة، وتم اختياره سفيراً لهذا البلد في بغداد، وهي مهمة ليس فقط لم ينجح فيها، بل بسبب تصريحاته التدخلية في الشؤون الداخلية للعراق، ومحاولاته لإثارة الفتنة وضرب الوحدة الوطنية للعراقيين، فقد اعتبر عنصرا غير مرغوب فيه في هذا البلد.

وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية في السنوات الماضية بنشرها لوثائق، أن ثامر السبهان سفير السعودية في العراق قد تابع أنشطةً مكثفةً في هذا الاتجاه، منذ أن تولى هذه المسؤولية حتى طرده من العراق والانتقال إلی السفارة السعودية في بيروت.

وتؤكد الوثيقة المذكورة أن السعودية تسعى أيضًا إلى إنشاء مرجعيات دينية شيعية زائفة موالية للرياض، وإلى جانب ذلك، تسعى إلى خلق صراعات عسكرية بين التيار الصدري والجماعات الأخرى النشطة في العراق، واللعب بالأمن الداخلي والحدود العراقية.

دائماً ما كان السبهان يدلي بتصريحات معادية للأحزاب الشيعية، ومنها الحشد الشعبي، والتي اعتبرتها السلطات العراقية تدخلاً في شؤونها الداخلية.

ووصلت الأزمة إلى ذروتها عندما ادعى السبهان أن الميليشيات الشيعية كانت تحاول “اغتياله بمساعدة إيران”، لكن بغداد نفت هذه الاتهامات. وفي النهاية، اعتبرت الخارجية العراقية، بعد استدعاءات متكررة، السبهان رسمياً عنصرا غير مرغوب فيه، وطلبت من الرياض تغييره.

الدولارات النفطية أداة الهيمنة في بغداد

رغم ذلك، لم تتراجع الرياض عن سياساتها، وحاولت تثبيت دورها في العراق بالدولارات النفطية. وفي هذا الصدد، فتحت السعودية عدة قنصليات في مدن مختلفة من العراق في السنوات الماضية، منها قنصليات النجف والبصرة وبغداد.

ومن أنشطة السعودية في العراق في المجال الاقتصادي والعمراني التي قامت بها الرياض، يمكن أن نذكر الاستثمار في البصرة وتنفيذ مشاريع بتروكيماوية في هذه المدينة، إحياء الأراضي غير المزروعة في المناطق الحدودية بالمياه الجوفية وتهيئة الأراضي الزراعية ومدّ أنابيب النفط العراقية إلى البحر الأحمر، وإنشاء مدينة رياضية في العراق.

وإضافة إلی استخدام المال والتدابير العمرانية، استغلت الرياض علاقاتها الودية مع الأكراد والسنة العراقيين لتوسيع علاقاتها مع الجماعات الأخرى في السياسة العراقية، لتتابع عبر المكونات الثقافية أسس التأثير قدر المستطاع في هذا البلد، على المدى الطويل على الأقل.

وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من التيارات السياسية في العراق تطالب بالتوضيح بشأن الاستثمارات الناتجة عن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة مع السعودية، وترى أن المساعدات السعودية للعراق لا تتم بحسن النية.

مكونات المخطط السعودي الانفصالي في العراق

الوثائق التي نشرتها صحيفة “الأخبار”، طرحت سلسلةً من المقترحات التي يبدو أنها من أهم أهداف السعودية في إنفاق دولاراتها النفطية في العراق. تشمل هذه الأهداف البنود التالية:

أولاً: مشروع تفكيك الائتلاف الوطني الشيعي العراقي. يرى السعوديون أنه يجب اتباع الإجراءات التالية لمنع استمرار الوحدة الشيعية:

– تقوية الخلافات بين الشيعة بكل الطرق الممكنة.

– تحديد العناصر الثقافية والمفكرين والإعلاميين المعارضين للمقاربات الإيرانية.

– تحديد العناصر الثقافية والمفكرين والإعلاميين الذين يتفقون مع مقاربات إيران.

– تعزيز التعاون مع السيد حسين الصدر، واتباع خطة لجعله مشهوراً في الأوساط الشيعية العراقية.

– محاولة السيطرة على العشائر الشيعية.

– محاولة احتواء نواب الائتلاف الوطني.

– دعم تحركات مقتدى الصدر بكل أنواع الوسائل الإعلانية والاقتصادية والسياسية.

– استقطاب المفكرين الشيعة وتقديم خطة عمل لهم.

– محاولة الترويج للادعاء بأن السعودية هي المدافع عن العراق، وتسعى للحفاظ على وحدة هذا البلد.

– تقديم مشاريع دعائية وسياسية للعناصر التي تسعى لجذب انتباه الرياض.

– استمرار التواصل مع الميليشيات وقادة التحالف الشيعي.

– محاولة استقطاب عناصر استخباراتية وعسكرية تثق بها السعودية، والتي طردها نوري المالكي خلال فترة حكمه. حيث تحاول السعودية استخدام هذه العناصر في الوقت المناسب.

ثانياً: مشروع ملاحقة قادة المليشيات الشيعية: أهداف هذه الخطة السعودية هي محاصرة ومحاكمة الأشخاص المتورطين، من وجهة نظر السعودية، في أعمال إرهابية ضد العراق ودول أخرى. وتضم هذه الوثيقة السعودية إبراهيم الجعفري وحيدر العبادي، وغيرهم من القادة السياسيين وقادة الجماعات العسكرية الشعبية داخل العراق وخارجه.

ثالثاً: مشروع احتواء القادة العسكريين والأمنيين العراقيين. من وجهة نظر الرياض، يشمل هذا المشروع الأشخاص التالية:

1- خضر الدهلكي: أحد مؤسسي الأجهزة الأمنية العراقية، والخبير في قضية الأحزاب الكردية ونائب مدير عام مكافحة الإرهاب، والخبير في مجال تعقب المنظمات الإرهابية.

2- حبيب الطفيري: أحد مؤسسي الأجهزة الأمنية العراقية ونائب مدير عام الدائرة العربية والدولية لهذه الأجهزة، والخبير في مجال أنشطة مكافحة التجسس في الدول العربية.

3- كامل القيسي: أحد مؤسسي الأجهزة الأمنية العراقية عام 2014، والمدير العام لملف إيران وممثل الأجهزة الأمنية العراقية في مصر.

4- رشيد الرفاعي: من مؤسسي أجهزة المخابرات العراقية عام 2004، والخبير في مجال الإرهاب الدولي والمحلل الاستخباراتي ومدير تقارير استخبارية.

5- مهند المجمعي، الخبير في مجال مكافحة التجسس.

رابعًا: مشروع صنع مرجعية شيعية في العراق: تسعى السعودية إلى تسوية سياسية مع عدد من العناصر والشخصيات الدينية الشيعية.

“السيد حسين إسماعيل الصدر” شخص نصب نفسه مرجعيةً، وعلى عكس اسمه، لا علاقة له بأسرة الصدر أو التيار الصدري. ومنذ سنوات عديدة، أنشأ لنفسه قناةً دينيةً تحت اسم “السلام” ويقدم نفسه كمرجع تقليد، هذا في حين أن حوزة النجف العلمية أو أي من الحوزات الشيعية لا تعترف به حتى كرجل دين.

کما أن لديه تحركات مشبوهة في لندن، وله صلات واسعة مع الأمريكيين والبريطانيين، ومؤخراً أقام أيضًا العديد من العلاقات مع السعوديين.

وتظهر الوثائق المتاحة أن حسين إسماعيل الصدر يعمل كموظف في المخابرات وأجهزة الأمن السعودية، حيث تم استخدام مصطلح “التكليف” في هذه الوثائق فيما يتعلق به.

وحسب هذا التقرير، فإن قناة السلام التلفزيونية التابعة للسيد حسين الصدر، مدعومة بقنوات سعودية ثرية مثل قناة العربية أو الأخبار، ويتم تدريب طاقمها من قبل هذه القنوات لتصبح المنصة السعودية في العراق.

خامساً: مشروع إخراج الجماعات المسيحية والإيزيدية من الحشد الشعبي على يد أصدقاء السعودية. وهذا المشروع يستهدف مجموعات مختلفة.

سادساً: مشروع المساعدات الإنسانية الهادفة في العراق: دعت السعودية المركز الحكومي للملك سلمان إلى تقديم مساعدات إنسانية عاجلة، بالتنسيق مع السفارة السعودية في العراق وبعد توفير الاستعدادات اللوجستية والإعلامية والدعائية، من أجل تعزيز مكانة السعودية وسفارتها في المجتمع العراقي.

ومن بين هذه الإجراءات، اهتمام السعودية باللاجئين العراقيين، وخاصةً اللاجئين السنة، وإنشاء عيادتين ميدانيتين سعوديتين.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق