التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

اتفاق سياسي بين السوداني و اربيل 

اتخذ رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، الذي يعتبر حل الخلافات السياسية خطوة أولى على طريق السلام والاستقرار في هذا البلد، إجراءات في هذا المجال في الشهر الثاني من حكمه. السوداني، الذي قال في وقت سابق إن الخلافات مع إقليم كوردستان يمكن حلها، أعطى الضوء الأخضر الأول لإظهار حسن نيته لقادة أربيل.

وفي هذا الصدد، قالت وفاء محمد كريم، إحدى قيادات الحزب الديمقراطي لإقليم كوردستان العراق، في كلمة لها إن أحد النتائج الإيجابية لرحلة وفد إقليم كوردستان إلى بغداد هو أن محمد شياع السوداني ألغى جميع الدعاوى المرفوعة ضد اقليم كوردستان، والتي رفعت بالخصوص ضد شركات النفط في اقليم كوردستان. وقالت المسؤولة في اربيل: وقف هذه الشكاوى كان من مطالب الحزب الديمقراطي لدخول الائتلاف الحكومي وتشكيل الحكومة الحالية وستبقى هذه المطالب قائمة حتى صياغة قانون النفط والغاز.

كان الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي قبل تولي السوداني منصبه ضد إطار التنسيق الشيعي وشكل تحالفا مع التيار الصدري والجماعات السنية، لكن بعد عام من العرقلة السياسية ومشاورات القادة الشيعة والأكراد. اتفقوا أخيرًا مع الإطار التنسيقي، وأيدوا السوداني، ومع قرار رئيس الوزراء هذا يتضح أنهم تلقوا تنازلات سياسية وقانونية مقابل الانضمام إلى ائتلاف الشيعة.

يأتي إلغاء جميع الدعاوى القضائية من قبل رئيس الوزراء العراقي، فيما أصبحت قضية استخراج وتصدير النفط والغاز تحديًا بين قيادات أربيل وبغداد منذ سنوات، وتحاول الحكومة السودانية حل هذه الخلافات قدر الإمكان.

مرت العلاقات بين بغداد وأربيل بالعديد من التقلبات منذ تأسيس جمهورية العراق الجديدة عام 2003، وكانت العلاقات طيبة في بعض الأحيان، لكنها كانت متوترة في معظم الأوقات، واستمرت هذه التغيرات حتى اليوم.

بدأت الخلافات حول قضية النفط والغاز في عام 2007، حيث حاولت السلطات الإقليمية دائمًا التصرف بشكل مستقل عن الحكومة المركزية وإدارة صادرات النفط والغاز للإقليم وفقًا لتقديرها الخاص وإنفاق عائدات تصديره لصالح إقليم كوردستان. غضبت بغداد بشدة من هذا الموضوع واستناداً إلى الدستور والاتفاقيات المبرمة، فإن أي تصدير يجب أن يتم تحت إشراف الحكومة المركزية، لكن أربيل تتجاهل هذه القوانين.

الاتفاقات المبرمة بين أربيل وبغداد تتعلق بفترة تشكيل الحكومة الجديدة، لكن في العقد الماضي، تم اكتشاف بعض حقول النفط والغاز الجديدة في إقليم كردستان، الأمر الذي تصر الحكومة المركزية على أنه يجب الاتفاق على هذه المصادر على النحو التالي: يجب على الشركات الأجنبية الموجودة في الإقليم والتي تعمل في التنقيب، أن تحصل على إذن من بغداد.

ولهذا الغرض دعت الحكومة المركزية في بداية العام الحالي الشركات الأجنبية المتواجدة في الإقليم لتؤكد لها ضرورة تنسيق أنشطتها مع الحكومة المركزية، وهي خطوة قوبلت برد فعل حاد من أربيل، ووصفت الخطوة أنها تسبب التوتر.

الأحكام القضائية لصالح بغداد

الخلافات بين بغداد واربيل حول قضية النفط والغاز المثيرة للجدل وعائدات الجمارك والمطارات وغيرها من المشاكل لا تزال دون حل، والنظام القضائي قد دخل إلى المنجم مرات عديدة وأصدر الحكم النهائي في هذا الشأن، والذي كان دائما في مصلحة بغداد.

يصدر إقليم كردستان العراق ما معدله 450 ألف برميل نفط يومياً عبر خط أنابيب كركوك إلى ميناء جيهان في تركيا، وخلال الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم تم الاتفاق على تسليم 250 ألف برميل نفط إلى بغداد. يوميا.. لكن شركة النفط العراقية كررت مرارا أن أربيل لم تفِ بالتزاماتها في هذا الصدد، وبالتالي لجأت الحكومة المركزية إلى السلطات القضائية.

وبناء على ذلك، في منتصف شباط (فبراير) 2022، أعلنت المحكمة الاتحادية العراقية أن قانون النفط والغاز الكردي غير قانوني وشددت على أن أي تصدير للنفط والغاز يجب أن يكون عبر بغداد وطالبت أربيل بالتنسيق الكامل مع وزارة النفط وهيئة التدقيق بخصوص عقود النفط الخاصة بها وتسليم الإيرادات من مبيعات الطاقة إلى الحكومة المركزية. وتأييدا لحكم المحكمة المركزية أمر القضاء العراقي جميع شركات النفط العاملة في الإقليم بالمثول أمام محكمة الشؤون التجارية الخاصة ببغداد.

وهو إجراء قوبل برد فعل حاد من أربيل التي اعتبرت هذا الحكم بلا سند قانوني. وحسب تقارير السلطات العراقية، وقعت أربيل اتفاقيات سرية مع تركيا في السنوات الأخيرة، وتقوم بتصدير جزء من مواردها من الطاقة إلى هذا البلد بل حتى إلى الأراضي المحتلة، الأمر الذي أثار حفيظة السلطات العراقية.

إضافة إلى المحاكم العراقية، تنتهج الحكومة المركزية سياساتها من خلال السلطات الدولية، ولهذا السبب، استأجرت وزارة النفط العراقية شركة المحاماة الدولية “كلاري جوتليب شتاين وهاملتون” قبل بضعة أشهر لمتابعة القضايا القانونية لشركات النفط والغاز النشطة المحددة في الإقليم. وحسب المراقبين، فإن هذه الخطوة يتم اتخاذها في الوقت الذي تشهد فيه بغداد تحدي البرزاني المتكرر للانصياع لأحكام المحاكم العراقية والحقوق الوطنية، ويأمل العراقيون أن يتمكنوا من خلال تدويل القضية وإحالتهم إلى المحاكم الدولية من وضع حد لتمادي لأربيل.

ويرى قادة أربيل أن الأحكام الصادرة عن المحكمة المركزية العراقية تنفذ بمنهج سياسي وأنهم لن يلتزموا بهذه الأحكام قط. يدير إقليم كردستان، المستقل عن الحكومة المركزية، موارد الإقليم النفطية منذ عام 2007، بما في ذلك بيع وتصدير وتنمية الموارد النفطية. إضافة إلى تأثيره على الميزانية السنوية، كان لعدم تعاون أربيل مع بغداد تأثير سلبي على عملية انتخاب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.

علاقات الإقليم مع الحكومات العراقية

في عام 2017 قام حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق الأسبق، بعد عدم وفاء إقليم كوردستان بالتزاماته، بقطع رواتب موظفي الإقليم حتى يدفع الإقليم هذه الرواتب من عائداته النفطية، لكن وبتشكيل حكومة عادل عبد المهدي استؤنف دفع رواتب موظفي الاقليم. ومنذ ذلك الحين، تدفع بغداد 200 مليار دينار شهريًا لأربيل دون أن تلتزم أربيل بأي من التزاماتها فيما يتعلق بدفع عائدات النفط.

اربيل كانت تربطها علاقات جيدة نسبيا مع الحكومة المركزية خلال فترة مصطفى الكاظمي، لكن الخلافات حول قضية النفط والغاز استمرت، وصدرت احكام قضائية ايضا خلال فترة الكاظمي تشير الى ان النفط والغاز أزمة تتجاوز الشخصيات السياسية. وان متطلبات السيادة لا تسمح لرئيس الوزراء أن يكون رتيبًا بشكل خاص في هذا الأمر.

قبل ذلك، كانت العلاقات بين أربيل وبغداد متوترة في عهد نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وتجاوزت أزمة النفط والغاز وانجرفت أيضًا إلى القضايا الأمنية. في تموز 2013، خلال الأيام الأخيرة من رئاسة وزراء المالكي، عندما احتل إرهابيو داعش الأجزاء الغربية والشمالية من العراق، اتهمت بغداد قادة الإقليم بإيواء الإرهابيين، وأدى هذا الأمر إلى تصعيد التوترات بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم. وقد طالبت أربيل المالكي بالاعتذار عن هذه الاتهامات. وفي الوقت الذي كانت الحكومة المركزية منخرطة في التعامل مع إرهابيي داعش، حاول قادة أربيل استغلال هذه الفرصة وضم بعض المناطق المتنازع عليها إلى الإقليم بل ذهبوا أبعد من ذلك وأجروا استفتاء على الاستقلال عن العراق في سبتمبر 2017، ومع تصويت غالبية الأكراد لصالح الاستقلال، فإنهم لم يتمكنوا من تنفيذ خططهم مع معارضة الحكومة المركزية والدول الإقليمية وخارج الإقليمية.

الأبعاد السياسية لقرار السوداني

يبدو ان السوداني وبإلغاء شكاوى بغداد التي مضى عليها أكثر من عقد من الزمن ضد إقليم كردستان في الأشهر الأولى من إدارته، يسعى لتحقيق أهداف سياسية. السوداني، الذي وصل إلى السلطة باتفاق معظم الجماعات السياسية، بما في ذلك الأكراد، بعد عام من العرقلة السياسية، لا يريد أن يخسر العملية المستقرة التي بدأت للتو، ويحاول إرضاء الأحزاب الكردية بـ هذه الإجراءات، ومن خلال حل الخلافات مع أربيل، يسعى لتنفيذ الخطط السياسية الكبرى بنجاح.

لأنه كلما قل الخلاف بين الإقليم وبغداد، زاد التعاون في البرلمان والحكومة، وسيتم تثبيت الاستقرار السياسي. وباعتبار أن الأحزاب الكردية كانت في السابق في ائتلاف مع التيار الصدري، كان مقتدى الصدر زعيم هذه التيار قد عول على دعم الأكراد لحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وبالتالي فإن استمرار التوترات بين بغداد وأربيل يمكن أن تجعل حكومة السوداني تواجه تحديات خطيرة. وبما أن السوداني يشغل منصب رئيس الوزراء لمدة عام، فإن التوتر بين الجانبين يمكن أن يكون تحديًا في انتخابات العام المقبل.

لذلك، فإن السوداني الذي ينوي البقاء في السلطة حتى نهاية ولاية البرلمان التي تبلغ أربع سنوات، يحاول أن تكون أربيل إلى جانبه في هذه القرارات، لأنه إذا اعترف قادة الإقليم بأن العلاقات بين بغداد وأربيل جيدة. فسيكونون مطاوعين مع وجود السوداني وسيحاولون دعم حكومته حتى نهاية ولايته.

وإلا فإن مقتدى الصدر يتربص لاستغلال الخلافات بين الإقليم وبغداد لمصلحته وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات مبكرة، وهذا مخالف لرغبة قوى الإطار التنسيقي. من ناحية أخرى؛ تحتاج الحكومة السودانية إلى مساعدة أربيل للتعامل مع الجماعات الكردية الانفصالية في الإقليم، ومن خلال منح هذا الامتياز تقنع قادة هذه الإقليم بتقديم المساعدة اللازمة في هذا الصدد.

يبين النظام السياسي الحاكم في العراق أن الخلافات بين الأطراف ستحل على أساس التسوية بين قادتهم، وأن القوانين التي تصدرها المحكمة ليست قابلة للتنفيذ بسهولة، لأن التفاهمات السياسية تسبق دائما القوانين القضائية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق