الشيخ علي سلمان.. ضحية تصفية حسابات خارجية لآل خليفة
قام نظام آل خليفة باعتقال وسجن جميع معارضيه السياسيين من أجل القضاء على أي صوت احتجاج على القمع والظلم، لكن هذه الضغوط لم تتمكن من ردع القادة الروحيين لهذا البلد عن المسار الذي بدأوه. الشيخ علي سلمان، زعيم جمعية الوفاق في البحرين، والذي اعتقد آل خليفة أنه يمكن تطويعه بالسجن، بعد ثماني سنوات من السجن، لم يزدد هذا الزعيم الشيعي قوة فحسب، بل واصل القتال مع السلطة من داخل السجن.
وشكر الشيخ سلمان، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد، في بيان بمناسبة الذكرى الثامنة لاعتقاله، عائلته وكل من ساندوه خلال هذه السنوات. وشدد على موضوع الإصلاح وقال إن وقف عملية الإصلاح غير جائز وخيانة لله والوطن والأمة. وأشار علي سلمان إلى جهود جمعية الوفاق والمعارضة البحرينية من أجل تعزيز الإصلاحات في البحرين، وقال إن الرد على هذه الجهود؛ حل النقابات وقتل كوادرنا وأنصارنا واعتقال القيادات وترحيلهم وفرض العزلة السياسية علينا.
وبخصوص تصرفات نظام آل خليفة ضد المعارضة البحرينية، ذكر علي سلمان أيضا: أيها الإخوة والأخوات، لا تدعوا أحدا يقع في وهم أن قمع قضية الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان هو انتصار، وفي الحقيقة، هذا القمع خسارة واضحة لشخص ما.
وفي جزء آخر من هذا البيان، أشار الأمين العام لجمعية الوفاق، إلى خطة مجلس التعاون الخليجي التي اقترحها سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي السابق، وحمد بن جاسم وزير خارجية قطر الأسبق لحل التهمة الباطلة التي حُكم عليها بالسجن المؤبد.
وذكر فرع أزمة البحرين أن حمد بن جاسم كممثل عن “مجلس التعاون الخليجي” اتصل بي بطلب من سعود الفيصل لإيجاد حل للأزمة المستمرة. هل كان يجب علي رفض الرد على هذه المكالمة؟ ماذا لو رفضت؟ إذا رفضتها فسيفسر الجميع هذا العمل على أنه عناد ورفض لحل الحوار. كما أكد الشيخ علي سلمان، أنني أجبت على هذه المكالمة بهدف إيجاد حل لإخراج البلاد من الأزمة في أسرع وقت ممكن، ولكن بعد ثماني سنوات، فوجئت برؤية حديثي الهاتفي العلني مع وفد مجلس التعاون يُعلن تجسس وجريمة.
علي سلمان الذي كان أحد قادة الاحتجاجات في ثورة 14 فبراير 2011 في البحرين، أراد إصلاحات سياسية واقتصادية في هذا البلد، لكن نظام آل خليفة الذي لم يستطع الاستماع لأصوات المعارضة، قمع المعارضة منذ البداية بمساعدة الحربة وبتواطؤ السعودية، لتثبيت أسس حكومته المهتزة.
على الرغم من أن احتجاجات الشوارع هدأت بعد فترة، إلا أن القادة المحبين للحرية مثل علي سلمان لم يتوقفوا عن القتال ومن أجل توعية الرأي العام، فقد كشفوا جرائم نظام آل خليفة في خطاباتهم. حكومة البحرين التي لم تتحلَ بالصبر لمقاومة هذه المعارضة، وقامت أخيرًا باعتقال الشيخ سلمان وقادة آخرين في الحملة. في ديسمبر 2014، ألقت قوات الأمن القبض على الشيخ سلمان وسجنته، وحكمت عليه محكمة جائرة بالسجن 4 سنوات، وفي 2018، بعد انتهاء العقوبة الأولية، حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التجسس، وكل الجهود المحلية والدولية لإطلاق سراحه لم تؤت أكلها.
تهمة التجسس وتشويه الصورة
بينما سجن آل خليفة علي سلمان بتهمة التجسس، أجرى محادثة هاتفية واحدة فقط مع المسؤول القطري، ولا يُعرف ما هي تفاصيل هذه المحادثات وما إذا كان سلمان قد وافق على طلب الجانب القطري، الأمر الذي استفاد منه بلا شك آل خليفة، الذي كان يبحث عن ذريعة لاعتقال وسجن علي سلمان، وحتى لو لم يرد على المكالمة، فمن المرجح أن يُتهم بجريمة معارضة طلب الحكومة لتحقيق السلام.
من ناحية أخرى، جاءت هذه المكالمة بناء على اقتراح السلطات السعودية، الداعم الرئيسي والحليف لنظام آل خليفة، ولا شك أن سلطات المنامة علمت بها، لكن لأنها كانت تبحث عن عذر، فإنها جعل هذه المكالمة الهاتفية معروفة لآل خليفة لإظهار أن جمعية الوفاق يسعون لمهاجمة أمن البلاد ويُعتبرون خونة.
يحاول حكام البحرين تدمير صورة الشيخ سلمان ومناضلين آخرين من أجل الحرية والديمقراطية بمثل هذه الاتهامات الباطلة والتلميح إلى أن من تولى قيادة المتظاهرين لم يكن يبحث عن السلام ويهدف إلى تدمير البلاد. لكن لم يصدق أحد هذه الادعاءات التي أطلقها نظام آل خليفة في السنوات الثماني الماضية.
مطالبة الرأي العام بالإفراج عن سلمان
رغم القمع الواسع للمعارضة وخلق أجواء خانقة، لم يتوقف شعب البحرين عن القتال ودعم قادتهم. وطالب البحرينيون في الأيام الأخيرة بالإفراج عن الشيخ علي سلمان وجميع معتقلي الرأي من خلال التظاهر السلمي. في السنوات الأخيرة، واصل البحرينيون احتجاجاتهم السلمية من وقت لآخر من أجل إجراء تغييرات جذرية في هياكل الحكم في هذا البلد، وقالوا إنهم لن يتراجعوا حتى تتم تلبية مطالبهم.
وازدادت هذه الاحتجاجات في الأشهر الأخيرة بسبب الزيارات المتكررة للمسؤولين الصهاينة للبحرين، وعبر الناس عن معارضتهم لتطبيع العلاقات مع محتلي القدس. إضافة إلى الشيعة البحرينيين، طلب المجتمع الدولي مرارًا من آل خليفة إنهاء قمع المعارضة. وفي هذا الصدد، أصدر البرلمان الأوروبي مؤخرًا قرارًا يدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن ناشط حقوقي في هذا البلد. وطالب هذا القرار بوقف أي تعذيب للسجناء في السجون البحرينية.
قدم ممثلو البرلمان الأوروبي العديد من التوصيات والمطالب إلى حكومة البحرين بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان. ودعت العديد من مجموعات القانون الدولي والأمم المتحدة والعديد من الدول مرارًا وتكرارًا إلى الإفراج غير المشروط عن الشيخ علي سلمان. لكن آل خليفة، الذي يقاوم أي إصلاحات سياسية، يعتبر إطلاق سراح سجناء المعارضة تمهيدًا لبدء جولة جديدة من الاحتجاجات والمطالبات بحقوقهم.
تسوية مع المنافسين الإقليميين
يرجع اتهام المنامة بالتجسس للشيخ سلمان بسبب التواطؤ مع قطر إلى عداوة وتسوية حسابات شخصية مع بعض الخصوم الإقليميين الذين لا يتماشون مع سياسات آل خليفة وينتقدون جرائم هذا النظام. وتحاول البحرين، التي كانت في حالة توتر مع قطر بشأن بعض القضايا الإقليمية والثنائية مثل ترسيم الحدود البحرية، اتهام قطر بالتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين من خلال اتهام قادة المعارضة الشيعية.
لأن سلطات الدوحة عارضت تطبيع العلاقات بين الدول العربية في الخليج الفارسي والكيان الصهيوني، وهذه القضية لم تسر على ما يرام مع المطبعين في المنامة. واتهمت وسائل إعلام قطرية، في الأيام الأخيرة، السلطات البحرينية بقمع القبائل التي لها جذور قطرية. وقد أعربت هذه الوسائل الإعلامية عن قلقها إزاء هذه القضية واعتبرتها انتهاكًا لحقوق الإنسان.
وذهب موقع اللواء قطر إلى أبعد من ذلك، وذكر في تقريره استمرار اضطهاد نظام آل خليفة للمواطنين البحرينيين باعتباره أكبر مشاكل هذا النظام، وقال إن هذا الظلم يتم ضد شريحة واسعة من الأمة. لذلك، يحاول حكام المنامة، غير الراضين عن القطريين، تقديم المعارضة على أنها مجموعة من المرتزقة القطريين الذين ينوون خلق حالة من انعدام الأمن والفوضى في البلاد.
من ناحية أخرى، يعتبر آل خليفة أن الضغط المكثف على شيعة البحرين وسيلة للانتقام من إيران. لطالما عزت المنامة أي احتجاجات شيعية في البحرين إلى تدخلات إيران من أجل تشويه سمعة الحركة الديمقراطية الشعبية وقادتها. لكن في كل مرة تُطرح هذه السياسة على جدول الأعمال، فإن تنوير الشيخ علي سلمان من داخل السجون يملأ جميع أفرع الحكومة ويعيد النقد إلى الجانب القمعي للحكومة.
المصدر/ الوقت