الطاقة… على رأس الاتفاقيات بين ألمانيا والعراق
في خضم أزمة الطاقة العالمية، وبسبب استمرار الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية ضد روسيا، تم تدشين السجادة الحمراء للعواصم الأوروبية أمام قادة الدول المصدرة للنفط والغاز، وزادت العلاقات الدبلوماسية بين الدول الزرقاء ودول القارة الخضراء ودول الخليج الفارسي بشكل ملحوظ. بعد زيارة المستشار الألماني أولاف شولتز إلى قطر الشهر الماضي وتوقيع اتفاقية لشراء ما يصل إلى مليوني طن من الغاز الطبيعي المسال من هذا البلد، استضاف الألمان الآن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حتى يتمكنوا من تلبية جزء من احتياجاتها من الطاقة عبر العراق.
وتتطلع ألمانيا، التي كانت تحصل على 55 في المئة من وارداتها من الغاز من روسيا، إلى تنويع وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بعد صفقات مع قطر والولايات المتحدة لتجنب الاعتماد الكبير على عدد قليل من المصدرين وضمان تلبية احتياجاتها في السنوات المقبلة. تكبدت ألمانيا كواحدة من المراكز الصناعية في أوروبا خسائر فادحة منذ فرض عقوبات الطاقة على روسيا وقطع واردات الغاز من هذا البلد، وحسب الاقتصاديين فإن هذه الخسارة التراكمية يمكن أن تصل إلى 220 مليار يورو بنهاية عام 2023 وهي تمثل حوالي 6.5٪ من الناتج الاقتصادي السنوي لألمانيا.
على الجانب الآخر، يأمل العراق، الذي كان أحد مستوردي الغاز في العقود الماضية، أنه في أعقاب الاكتشافات الجديدة في المناطق الشمالية من البلاد الخاضعة لحكم إقليم كوردستان، وكذلك الاتفاق مع الشركات التي لديها تقنية فصل ومعالجة الغاز النفطي (APG) أنه أولاً تقلل متطلبات الاستيراد ثم تدخل مجال تصدير الغاز.
وقال السوداني في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني: “في ظل الوضع الذي يعاني منه سوق الطاقة العالمي ومع زيادة الطلب العالمي الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار في العالم، فإن العراق لديه إمكانية استخدام الخطط الاستثمارية في إنتاج الغاز والنفط لتلبية احتياجات ألمانيا والسوق العالمي “.
ودون تقديم مزيد من التفاصيل حول كمية الغاز التي تأمل ألمانيا في استيرادها من العراق، اكتفى شولتز بالقول إنه توصل إلى اتفاق مع الجانب العراقي بشأن إمكانية تسليم الغاز إلى ألمانيا.
كورمور هو واحد من أكبر مشاريع الغاز في كردستان العراق وينتج حوالي 452 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا. منذ عام 2007، وضع إقليم كردستان العراق أنشطته في مجال التنقيب عن موارد النفط والغاز وإنتاجها وتصديرها بالتعاون مع شركات أجنبية.
وحسب الإحصائيات المتوافرة، يمتلك العراق 3.5 تريليونات متر مكعب من احتياطيات الغاز المؤكدة، أكثر من 60٪ منها تقع في مناطق جنوب العراق. ثلاثة أرباع موارد الغاز الطبيعي في العراق هي غاز طبيعي مع النفط، ولكن على عكس المناطق الجنوبية، فإن معظم موارد الغاز الطبيعي في العراق غير مصحوبة بالنفط في مختلف حقول إقليم كردستان، مثل اجيل، باي حسن، جمبور، كرمر، الأحمر، القاعدة، المنصورية، خاشم، وحسب هذه الاحصاءات يحتل العراق المرتبة 11 عالميا من حيث احتياطي الغاز.
قبل الخلاف بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم حول التصدير المستقل للنفط والغاز، ما أدى إلى صدور حكم محكمة اتحادية ضد أنشطة الشركات الأجنبية مثل شركة دانة غاز الإماراتية وشركائها الآخرين في كورمور. حقل غاز ونتيجة لذلك تم اغلاق هذه الانشطة في تموز من العام الجاري وحسب اخر تقارير هذه الشركات يتم انتاج 542 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا في اقليم كردستان. ويرجع ذلك إلى حقيقة أنه بخلاف الحاجة إلى الغاز كوقود (منزلي وصناعي)، يحتاج الإقليم إلى مليار و600 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا لإنتاج الكهرباء. وهذا يدل على حاجة العراق للاستثمار وأنشطة الشركات الأجنبية لتطوير حقول الغاز في المنطقة وزيادة كبيرة في حجم استخراج الغاز. إضافة إلى ذلك، بطبيعة الحال، هناك حاجة إلى حل الخلافات بين أربيل وبغداد لإعادة فتح أنشطة التعدين من خلفيات أخرى.
وقبل سفره إلى ألمانيا، الأربعاء الماضي، التقى السوداني مع مسرور بارزاني، رئيس وزراء إقليم كوردستان العراق، دون أن يذكر تفاصيل المفاوضات والقضايا الوطنية وسبل تكامل أنشطة الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان. الآن، وبالنظر إلى الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين الوفد العراقي والألمان خلال رحلة السوداني إلى برلين، يتضح أن استضافة مسرور بارزاني لم تكن بعيدة عن أهداف الرحلة إلى أوروبا. في 28 مارس 2022، ادعى مسرور بارزاني لأول مرة أن كردستان العراق ستصدر قريباً الغاز إلى أوروبا من قبل مركز أبحاث المجلس الأطلسي في الإمارات العربية المتحدة. وفقًا للخطة الطموحة لرئيس وزراء الإقليم، يجب عليهم زيادة إنتاجهم من الغاز إلى 40 مليار متر مكعب سنويًا بحلول عام 2035.
غير أن تكرار الهجوم الصاروخي على منشآت الغاز في هذه المنطقة، بالتزامن مع توقيع الاتفاقية في برلين، كشف مرة أخرى عن تحديات تشغيل الغاز العراقي الذي يصل إلى أوروبا. وشهدت الأشهر الماضية، وخاصة في شهر تموز، عدة هجمات صاروخية شنتها مجموعات مجهولة على منشآت الغاز في الإقليم. والبعض يلوم قوات حزب العمال الكردستاني على تنفيذ هذه الهجمات، وآخرون مثل جعفر الحسيني المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي، قال في وقت سابق إنه حسب معطيات استخبارية وأمنية، فإن مجموعات المرتزقة في مدينة “توزخورماتو” والمحسوبة على المخابرات التركية استهدفت حقول النفط والغاز في إقليم كردستان العراق.
ومع ذلك، فإن الصراعات الداخلية في إقليم كردستان العراق أصبحت أيضًا سببًا في عرقلة تصدير الغاز العراقي، بقدر ما يسعى الحزب الديمقراطي بفارغ الصبر إلى تنفيذه، لكن الاتحاد الوطني يعارض بشدة هذا الإجراء لأنه يرى أن تصدير الغاز يتم وفق اتفاق مثير للجدل مع جهات أُخرى.
انتفاضة السوداني نحو الحل النهائي لأزمة الكهرباء في العراق
كانت قضية الطاقة أهم جزء في رحلة السودان إلى ألمانيا. يعد الاتفاق مع شركة سيمنز الألمانية لتحديث وتطوير شبكة الكهرباء العراقية إنجازاً يمكن أن يظهره السوداني على أنه نجاح في رحلته الأولى إلى أوروبا.
وفي هذا الصدد قال السوداني: اتفقنا مع شركة سيمنز على نقل وتوزيع وزيادة انتاج الطاقة. لدينا تجربة ناجحة مع شركة سيمنز ونعلن رغبتنا في دخول شركات استثمارية أخرى إلى العراق.. اجتماعنا اليوم هو حجر الزاوية في العلاقات الاستراتيجية مع ألمانيا.
كما أعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية أن الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز للطاقة كريستيان بروخ وقع مذكرة تفاهم مع وزير الكهرباء العراقي زياد علي لزيادة إنتاج الكهرباء بمقدار 11 جيجاوات.
يواجه العراق نقصًا في إنتاج الكهرباء، وخاصة في مواسم العام الحارة، وقد أدت هذه المشكلة حتى إلى استياء شعبي ونزول المتظاهرين إلى الشوارع خلال السنوات الماضية. ترتبط قضية استيراد الكهرباء حتى بالقضايا الجيوسياسية حيث أعلنت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، من أجل تقليل اعتماد العراق على واردات الكهرباء من إيران، عن خطة بديلة من خلال الإعلان عن وصل شبكة الكهرباء العراقية مع دول الخليج الفارسي أو حتى الأردن ومصر (في سلسلة من الاجتماعات الثلاثية تسمى “الشام الجديد”). لكن رغم العديد من الوعود، فإن توقيع الاتفاقية مع شركة سيمنز يظهر أنه في تقديرات رجال الدولة العراقيين، قد توفر كهرباء مستقرة من خلال المخططات المذكورة.
المصدر/ الوقت