التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

محادثات أنقرة ودمشق…”فخ انتخاباتي” لأردوغان أم اعتراف بالهزيمة 

في الآونة الأخيرة، يتحدث الإعلام عن أن تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا خيار محتمل للغاية. حتى أن هناك أنباءً انتشرت عن لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد.

يعتقد الكثيرون أن هذه القضية هي مجرد لعبة من أردوغان للفوز بالانتخابات الرئاسية. في هذا المقال، سنناقش مسألة المفاوضات بين البلدين، وموقف إيران والولايات المتحدة، وأخيراً تداعيات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق على المنطقة.

تداعيات تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا

يمكن اعتبار تركيا أحد اللاعبين الرئيسيين في التطورات في سوريا، لأن الحدود الجنوبية لتركيا أصبحت طريقًا آمنًا للإرهابيين لدخول شمال سوريا في العقد الماضي.

استهدفت تركيا في العقد الماضي شمال سوريا بشكل متكرر بهجمات عسكرية على شكل عمليات مختلفة. ومنذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، أكد القادة الأتراك دائمًا على خطة إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم وطول 822 كم على (الشريط الحدودي بأكمله بين تركيا وسوريا)، والتي واجهت معارضةً واضحةً من الجهات الفاعلة الأخرى.

لكن مسار الأحداث في سوريا تقدم بطريقة جعلت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتراجع بطريقة ما عن مطالبه القصوى تجاه سوريا، أو يتخذ هذا الإجراء مؤقتًا. وفي ظل الوضع الحالي، يتطلع أردوغان إلى استئناف العلاقات مع دمشق بسبب الانتخابات الرئاسية المقبلة.

يمكن أن يكون لهذه القضية العديد من الآثار الإيجابية، وحتى لو كان هذا الإجراء الذي قام به أردوغان شکلياً وله أهداف انتخابية، فسيكون اعترافًا بفشل مشاريعه فيما يتعلق بسوريا.

وفي حال استئناف العلاقات بين تركيا وسوريا، لن يكون أمام باقي الجماعات الإرهابية التي على علاقة مع تركيا في مناطق مختلفة من سوريا، خيار سوى التحرك نحو المصالحة مع دمشق. ويمكن القول إنه بعد عقد من الزمن، توصل أردوغان إلى استنتاج مفاده بأن سوريا آمنة ومستقرة ستحقق الاستقرار والأمن لتركيا أكثر من أي خيار آخر.

لم يؤمن أردوغان بهذا الخيار من قبل، وکان يعتبر أن إدخال سوريا في الحرب والصراع وكذلك الدخول العسكري إلى شمال سوريا، هو ضمان لأمن تركيا. لكن انتشار انعدام الأمن داخل تركيا ووصول المهاجرين السوريين إلى مدن مختلفة في تركيا، تسبب في موجة من عدم الاستقرار السياسي والأمني ​​وحتى الاقتصادي.

لذلك، فإن تداعيات استئناف العلاقات بين البلدين، يمكن أن تؤدي إلى إرساء الاستقرار في مختلف مناطق تركيا، وتمكين دمشق من التصرف بقوة أكبر لممارسة السيادة على باقي مناطق الأراضي السورية.

من ناحية أخرى، لا ينبغي أن ننسى أن الأمن مقولة غير قابلة للتجزئة، وأن انعدام الأمن ينتشر مثل الفيروس في مناطق مختلفة. وبالتالي، فإن عودة العلاقات بين تركيا وسوريا ستجعل المنطقة أكثر أمانًا، وستضع الجماعات الإرهابية في موقف ضعيف.

كذلك، لا ينبغي أن ننسى أن انعدام الأمن الحالي في المنطقة، قد تأثر بشكل كبير بانعدام الأمن في سوريا، ولحل مشكلة انعدام الأمن الإقليمي، يجب أن نذهب إلى بؤر الأزمات. وتعتبر سوريا من أهم مراكز انعدام الأمن في المنطقة بسبب وجود الجماعات الإرهابية، والسلام في هذا المركز وهذا يعني تحسين السلام والاستقرار الإقليميين.

موقف إيران من عملية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق

منذ بداية الأزمة في سورية، سعت إيران دائمًا إلى عكس مسار الأحداث في هذا البلد. وكان قطع العلاقات بين تركيا والدول العربية مع سوريا، بمثابة ضربة كبيرة للقوة الإقليمية لدمشق.

وقد بذلت إيران جهوداً كثيرةً بهدف عكس هذا الموضوع، أي استئناف العلاقات بين الدول العربية وتركيا مع سوريا. كما تم تحقيق إنجازات عظيمة في هذا الاتجاه، وكان تحول الإمارات لصالح العلاقات مع سوريا أكبر حالة في هذا الاتجاه.

لكن الفاعل الأكبر الذي يجب أن ينسحب في حالة سوريا ويمضي قدماً نحو إعادة العلاقات مع دمشق هو تركيا. وبسبب علاقتها الودية مع تركيا، بذلت إيران جهودًا كثيرةً في هذا الاتجاه.

إن استعادة العلاقات بين تركيا وسوريا ستوفر مصالح طهران أكثر من أي وقت مضى، لأن سوريا كجزء من محور المقاومة أخذت الكثير من الطاقة من أعضاء هذا المحور في الوضع الحالي، وبالتأكيد فإن تحسين علاقات تركيا مع سوريا يمكن أن يجعل سوريا أكثر أمناً، وهذا يعني تأمين مصالح محور المقاومة.

لكن في الأشهر الأخيرة، حاولت وسائل الإعلام الإقليمية تقديم طهران على أنها معارضة لعملية تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. وربما يمكن النظر إلى أهداف هذه الموجة الإعلامية على أنها محاولة لإضعاف نفوذ طهران في سوريا.

لقد لعبت إيران، إلى جانب حزب الله اللبناني وروسيا، دورًا لا يضاهى في هزيمة الإرهابيين وإعادة السلام إلى مناطق مختلفة من سوريا في السنوات الماضية. والعديد من الدول الداعمة للإرهاب التي لم تحقق أهدافها من خلال مشروع تقسيم سوريا أو الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، تبحث الآن عن تنفيذ “الخطة ب”، أي تقليص نفوذ إيران في سوريا.

من أجل معرفة نوايا الدول في مختلف القضايا، من الضروري تحليل محتوى خطابات كبار المسؤولين في الدول وأدائهم الميداني والعملي. وفيما يتعلق بموقف إيران من تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، فقد أعلن المسؤولون الإيرانيون صراحةً موافقتهم ودعمهم في هذا الشأن، وأثبتوا ذلك في الميدان والممارسة من خلال عقد لقاءات مختلفة.

لماذا تعارض أمريكا تطبيع العلاقات التركية السورية؟

يمكن اعتبار أمريكا أكبر معارضة لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، وهناك سببان لهذه المعارضة.

أولاً، انضمت الدول العربية إلى عملية تطبيع العلاقات مع سوريا دون تنسيق مع الولايات المتحدة، وفي الواقع خارج الأجندة الأمريكية وبشكل مستقل، وهذا الموضوع يضع الدور الحاسم والمحوري لأمريكا في هذه الأزمة في دائرة الشکوك. وفي الوضع الحالي أيضًا، تسعى تركيا أيضًا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا بتنسيق روسي، وهذا أمر غير مقبول لواشنطن.

وثانيًا، تتطلع أمريكا إلى استمرار وجودها العسكري في شمال سوريا. عندما تمت الموافقة على خطة طرد الجنود الأمريكيين من العراق في برلمان هذا البلد، ثم سحب جو بايدن الجنود الأمريكيين من أفغانستان، سعت الحكومة الأمريكية إلى جعل شمال وشرق سوريا إحدى القواعد الرئيسية لجيشها في المنطقة. وهذا الأمر يتطلب استمرار انعدام الأمن والأزمات في سوريا.

وهکذا، فإن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة سيخفف من حدة الأزمة، ويؤدي بالتالي إلى تكثيف الضغط الدولي من أجل انسحاب القوات الأمريكية. ولهذا السبب، أعلن المسؤولون الأمريكيون مؤخرًا أنهم ضد أي تطبيع لعلاقات الدول مع سوريا.

من جهة أخرى، طالب قادة قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية الولايات المتحدة بمنع العلاقات الوثيقة بين أنقرة ودمشق، لأن هذا الأمر يهدد بالدرجة الأولى وجود الولايات المتحدة في سوريا.

من مخاوف دمشق أن تنظر أنقرة إلى تطبيع العلاقات فقط كأداة لمصالح قصيرة الأمد. ولهذا السبب، أكد بشار الأسد مؤخرًا أن المحادثات مع تركيا لن تتقدم، إلا إذا كان الهدف من هذه اللقاءات إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب.

أردوغان، بصفته لاعباً تسبب في العقد الماضي في الكثير من الضرر للشعب التركي من خلال النأي بنفسه عن سياسة “تصفير المشاکل” مع جيرانه، يُعرف الآن في الساحة الإقليمية بأنه سياسي ذا أهداف مؤقتة.

ويعتقد الكثيرون أن أردوغان قد تخلى عن رؤيته الإستراتيجية، ويحاول تحقيق ذلك بتكتيكات مختلفة لغرض وحيد هو البقاء في السلطة. ولهذا السبب، من غير المرجح أن تقع دمشق في فخ أردوغان الانتخاباتي، حتى تختبر تغيير سياسات تركيا الاستراتيجية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق