التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, ديسمبر 25, 2024

الاقتصاد الروسي يفاجئ توقعات الخبراء و يصمد .. هل ما زالت استراتيجيات الغرب تسير وفق الخطة 

على الرغم من أن الاقتصاد الروسي كان قد شهد انكماشاً بمقدار 2.5 في المئة خلال العام المنصرم إلا أنه أحدث صدمة لدى العديد من الخبراء الاقتصاديين، حيث كانت التوقعات مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تشير إلى انكماش كبير في الاقتصاد الروسي. و عبر عن ذلك بوتين بقوله خلال أول اجتماع حكومي في عام 2023 بأن الاقتصاد الروسي، وكذلك الأنظمة المالية والمصرفية في البلاد، في حالة مستقرة. ونقلاً عن بيانات من وزارة التنمية الاقتصادية، قال بوتين إنّ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا قد انخفض بين كانون الأول/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2022 – ولكن بنسبة 2.1% فقط. وأشار إلى أنّ “بعض خبرائنا، ناهيك عن الخبراء الأجانب، توقعوا انخفاضاً بنسبة 10 و15% وحتى 20%”

فيما حققت روسيا عائدات إضافية بقيمة 200 مليار روبل من صادرات النفط والغاز، فقد ازداد إنتاج النفط الروسي نحو 2% العام الماضي، وبلغ 535 مليون طن، على الرغم من العقوبات.وتسمح هذه الأموال بحل القضايا الضرورية، وفقا لبوتين. و في هذا السياق دعا الرئيس الروسي إلى اتخاذ اجراءات في مواجهة التضخم و رفع الأجور الحقيقية و تحسين أوضاع السكن.

و في سياق متصل، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، أنّ “عائدات الميزانية الروسية من صناعة النفط والغاز في عام 2022 نمت بنسبة 28%، أي بمقدار 2.5 تريليون روبل (نحو 37 مليار دولار)”.

من جانبها أقرت صحيفة “واشنطن بوست” بصحة البيانات التي قدمها الرئيس الروسي حول تطور أداء الاقتصاد الروسي في ظل الحرب مع أوكرانيا من خلال اعترافها بأن العقوبات على روسيا فشلت. لكن الصحيفة تحاول تبرير هذا الفشل بالقول إنّ هدف العقوبات لم يكن الاقتصاد الروسي وإنما “إعاقة المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا”. على الرغم من أنها تعترف مثلاً بأن العجز التجاري الروسي لهذا العام هو أقل من نظيره في الولايات المتحدة.و في السياق ذاته أكّد البنك الدولي أنّ روسيا نَجَت من عاصفة العقوبات الدولية بشكل أفضل ممّا كان متوقعاً، نتيجة ضوابط وسياسات سارع الكرملين إلى تبنّيها ردّاً على حزم العقوبات المتتابعة.

و حسب مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” Foreign Affairs) ) الأميركية لمدير برنامج أوراسيا في معهد أبحاث السياسة الخارجية بواشنطن، إن أداء الاقتصاد الروسي، وفقا لتقديرات المراقبين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي، أفضل من المتوقع بسبب السياسات الروسية ذات الطابع التكنوقراطي التي صيغت ببراعة، وكذلك أسواق الطاقة العالمية التي أبقت أسعار النفط والغاز مرتفعة نظرا لضعف المعروض. ومع ذلك، يقول الكاتب “يجب وضع الأداء المتفوق للاقتصاد الروسي في سياقه، فقد توقع قلة من المراقبين وصنّاع السياسة أن تسبب العقوبات ما يكفي من الألم الذي يجبر روسيا على الخروج من الصراع في غضون أشهر، لذلك لا ينبغي أن تشكل حرب روسيا المستمرة مفاجأة”.

هل تثني تكاليف الحرب الكرملين عن هدفه ؟

فضلا عن الرواتب المرتفعة وتكاليف التشغيل لتمويل الحرب على أوكرانيا، سيحتاج الكرملين أيضا إلى تخصيص موارد مستقبلية كبيرة لإعادة بناء مخزونه الهائل من المعدات التي تضررت أو دُمرت في ساحات القتال الأوكرانية. وتتزايد تكاليف الحرب المتكبدة، ليس فقط في الميزانية العمومية للحكومة المركزية، ولكن للحكومات الإقليمية أيضا، التي يُطلب منها حشد كتائب المتطوعين.

ولكن الكرملين محق في إصراره على استقرار الاقتصاد الروسي، فالبنوك الروسية قادرة على سداد ديونها، ومعظم الصناعات تعمل كالمعتاد، ويواصل قطاع الطاقة الحيوي ضخ النفط، وهناك كثير من المواد الغذائية على أرفف المتاجر. وإن كان هناك نقص في السيارات الفاخرة، فسيكون إنتاج السيارات والغسالات أقل بكثير مما كان متوقعا، لذلك سيؤجل المستهلكون عمليات الشراء الكبيرة قدر المستطاع؛ على أن السيناريو المتفائل للكرملين هو أن يشدّ الروس أحزمتهم ويتدبروا أمورهم.

ومع ذلك، تتزايد تكاليف الحرب والعقوبات، حتى لو كان التأثير الأولي أقل دراماتيكية مما كان يأمله الغرب أو تخشاه روسيا. ففي الوقت الحالي، يشعر قادة روسيا بالسعادة لصمودهم طوال هذه المدة في وجه العقوبات الغربية. وستعاني الصناعة الروسية في العام المقبل -على أي حال- في التكيف مع عالم خال من المكونات الغربية المستوردة.

لكن توقعات الأمس و أرقام اليوم تشير إلى أن الاقتصاد الروسي لن ينهار بطريقة تجبر الكرملين على وقف مجهوداته الحربية .

استراتيجية العقوبات الغربية

في حين حظرت أميركا بيع مجموعة واسعة من البضائع إلى موسكو، وانسحبت العشرات من الشركات الكبرى، وجمد عدد من البلدان مجتمعة 60% من الاحتياطات الدولية للبنك المركزي.

وكانت الخطة تهدف إلى تحقيق هبوط حاد لاقتصاد روسيا، ومعاقبة رئيسها فلاديمير بوتين. وفي الأسبوع الذي أعقب الحرب انخفض الروبل بمقدار الثلث مقابل الدولار، وانهارت أسعار أسهم العديد من الشركات الروسية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل ما زالت استراتيجية الغرب تسير وفق الخطة؟ حيث تشير الوقائع و البيانات الاقتصادية إلى أن الفوضى في الأسواق الروسية تبدو قد هدأت. فمنذ انخفاضه أوائل مارس/آذار، قفز الروبل ويقترب الآن من مستوى ما قبل الحرب.

وانخفض المؤشر الرئيسي للأسهم الروسية بمقدار الثلث، لكنه استرد جزءا كبيرا من خسائره. وتقوم الحكومة ومعظم الشركات بتسديد مدفوعات السندات بالعملات الأجنبية. وانتهى التدافع على البنوك التي شهدت سحب ما يقرب من 3 تريليونات روبل (31 مليار دولار) حيث أعاد الروس الكثير من الأموال إلى حساباتهم.

وساعدت مجموعة من السياسات، بعضها صارمة، على استقرار الأسواق. ورفع “المركزي” أسعار الفائدة من 9.5% إلى 20%، ما شجع الناس على امتلاك أصول روسية بفائدة، وسياسات أخرى أقل تقليدية.

هذا ما جعل السلطات الأميركية تشعر بـ”خيبة أمل” بسبب عدم وجود “آثار كبيرة” للعقوبات المفروضة على روسيا. فقد فشلت توقعاتها في أنّ بعض الإجراءات، مثل تعطيل سويفت وجميع عقوبات الحظر ضدّ البنوك الروسية، ستدمّر الاقتصاد الروسي تماماً. نعم لقد جعلت العقوبات الغربية الاقتصاد الروسي أصغر حجماً بالتأكيد، لكن ليس بالقدر الذي كان يأمله فارضوها. وبالتأكيد، ليس إلى النقطة التي يتمّ فيها جلب الروس إلى طاولة المفاوضات.

حزمة سياسات اقتصادية روسية في التعامل مع العقوبات

أصدرت الحكومة مرسوما يقضي بضرورة تحويل المصدرين 80% من عائدات النقد الأجنبي إلى روبل. وأصبح التداول في بورصة موسكو، حسب تعبير البنك المركزي الملطف “متفاوضا عليه”. وصار البيع على المكشوف محظورا، ولا يمكن لغير المقيمين سحب الأرصدة.

فيما تمنع العقوبات وصول الشركات إلى الواردات من الغرب فقد بدا قطاع الطيران الروسي معرضا للخطر بشكل خاص، وكذلك صناعة السيارات. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات الكبرى، التي بدأت خلال الحقبة السوفياتية، معتادة على العمل دون واردات. وإذا كان أي اقتصاد يمكن أن يقترب من التكيف مع الانقطاع عن العالم، فسيكون ذلك اقتصاد روسيا.

أما فيما يتعلق بالصادرات من الوقود الأحفوري. فرغم العدد الهائل للعقوبات المفروضة عليها، لا تزال روسيا تبيع ما قيمته 10 مليارات دولار من النفط شهريا للمشترين الأجانب، أي ما يعادل ربع صادراتها قبل الحرب. ولا تزال عائدات بيع الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية الأخرى تتدفق أيضا. ويوفر هذا مصدرا قيما للعملات الأجنبية التي يمكن من خلالها شراء بعض السلع الاستهلاكية وقطع الغيار من دول محايدة أو صديقة.

العلاقات الاقتصادية الروسية الصينية

لطالما رفضت الصين محاولات توسّع حلف الناتو في شرق أوروبا ودوره المتزايد في منطقة المحيطَين، الهندي والهادئ. كما أعلنت أنها لن تلتزم العقوبات على روسيا، وأنها قد تستمرّ في شراء نفطها وربما تقديم قروض لها، من هنا تتجه موسكو لتعزيز علاقاتها بالصين ضمن خططها لإيجاد بدائل تجاريين بعد أن اتجهت الدول الغربية لفرض عقوبات متتالية على موسكو. وتعد بكين المستورد الرئيسي حالياً للمحروقات الروسية في ظل استمرار الغرب في حظر الصادرات النفطية الروسية. وازداد التعاون بين الدولتين منذ انطلاق العمليات العسكرية الروسية في فبراير 2022، وذلك على الرغم من تهديد الولايات المتحدة لبكين، في بداية الحرب، من أن تعمل على مساعدة الاقتصاد الروسي على إيجاد بدائل تساعده على تلافي تداعيات العقوبات الغربية، غير أنه بات من الواضح أن بكين لم تلتفت إلى التهديدات الأمريكية.

فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 170 مليار دولار خلال الفترة من يناير وحتى نوفمبر 2022 فقط، وهو ما زاد عن إجمالي التبادل التجاري بينهما خلال عام 2021 بأكمله. و يمثل التعاون في مجال الطاقة حجر الزاوية في الشراكة بين البلدين. وتشير تقديرات إلى أن التبادل التجاري بين البلدين زاد إلى حوالي 25%، ما يمكن الطرفين من تحقيق هدفهما في وصول تلك التبادلات إلى 200 مليار دولار بنهاية 2024.

وأصبحت روسيا من أهم مصدري موارد الطاقة للصين، لتصبح في المركز الثاني لحجم الغاز المنقول من خلال الأنابيب، وفي المركز الرابع في قائمة مصدري الغاز المسال للصين، بالإضافة إلى تسجيل 36% نمواً في الصادرات الروسية من الصناعات الزراعية لبكين، وكذا مشروعات النقل البري المشتركة. وبشكل عام، تستورد الصين النفط، والغاز، والتكنولوجيات العسكرية المتطورة، وموارد معدنية أخرى، بينما تستورد روسيا من الصين السلع التكنولوجية.

ختام القول، لن تثني التكلفة الباهظة للعقوبات غير المسبوقة التي فرضتها واشنطن وحلفاؤها الرئيس بوتين على الأرجح عن المضيّ في بلوغ هدفه ؛ إذ لم تنجح العقوبات في تغيير سياسات دول إمكاناتها أصغر بكثير من روسيا، مثل كوريا الشمالية وإيران وسورية. ويعدّ الاقتصاد الروسي، من حيث الحجم، الحادي عشر عالميًا، بقيمة 1.7 تريليون دولار، وهو ما يؤهله للتأثير في استقرار الاقتصاد الدولي. وعلى الرغم من أن الجيش الروسي يواجه صعوباتٍ في أوكرانيا، جرّاء افتقاده القوة البشرية اللازمة لتغطية كل مسرح العمليات الأوكراني الواسع (600 ألف كيلومتر مربع) وضعف الإمدادات اللوجستية، فإنه يبدو في وضع سيمكّنه، في النهاية، من فرض سيطرته ، وإنْ بتكلفة أكبر مما كان متوقعًا، نتيجة الدعم الكبير الذي تحصل عليه أوكرانيا من دول الغرب.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق