مبادرة المقاومة لإخراج لبنان من الفراغ… هل ستعود علاقات حزب الله والتيار الوطني الحر إلی سابق عهدها
شهدت العلاقات بين التيار الوطني الحر اللبناني وحزب الله، التي بدأت في العقدين الماضيين، بعض التقلبات خلال هذه الفترة، لكن الجانبين حافظا دائمًا على طبيعة العلاقات بينهما.
رغم ذلك، ظهرت خلافات خلال العام الماضي، وخاصةً بعد الانتخابات النيابية اللبنانية في أيار/مايو 2022، بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ومواقف الجانب المسيحي هي التي تسببت في تسريب هذه الخلافات إلی الإعلام، وفي بعض الحالات وفرت الأرضية للاستغلال من قبل أطراف مختلفة؛ لدرجة أنه كان هناك حديث عن القطع التام للعلاقات بينهما.
العلاقات الاستراتيجية بين حزب الله والتيار الوطني الحر
إن ما يسمى اتفاق “مار مخايل”، الذي وقعه عام 2006 السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وميشال عون رئيس لبنان السابق، والذي كان رئيس التيار الوطني الحر في ذلك الوقت، هو بداية العلاقات الاستراتيجية بين حزب الله وهذا التيار.
كان الهدف من هذا الاتفاق إجراء حوار وطني لحل الأزمات ودعم وحماية سيادة لبنان واستقلاله. بطبيعة الحال، يعتبر التيار الوطني الحر أهم جانب مسيحي في تحالف 8 آذار بقيادة حزب الله، لكن بعد اتفاق مار مخايل، وُضِع التحالف والتعاون بين الطرفين في إطار أوسع.
وبموجب هذا الاتفاق، عمل حزب الله والتيار الوطني الحر بالتنسيق والتعاون كحليفين استراتيجيين في مختلف المجالات، بما في ذلك ملف لبنان السياسي. ولعب ائتلاف هذين الحزبين دورًا مهمًا في الحفاظ على التماسك الداخلي والاستقرار في لبنان، ويتجلى أبرز مثال على تعاونهما في مجلس النواب.
حيث إنه على الرغم من بعض الخلافات، ولا سيما الآراء المتناقضة التي كانت موجودةً أحيانًا بين جبران باسيل الرئيس الحالي للتيار الوطني الحر وحلفاء آخرين لحزب الله ومنهم حركة أمل، لكن نوابهما استخدموا دائمًا ثقلهم البرلماني لتقوية الائتلاف والموقع السياسي لكلا الحزبين في لبنان.
العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر عند محطة الخلافات
لكن في المرحلة الأخيرة وخلال الأشهر القليلة الماضية، بعد اشتداد الأزمة السياسية في لبنان ودخول البلاد في فراغين على مستوى الحكومة والرئاسة، اتخذ ممثلو التيار الوطني الحر وخاصةً باسيل شخصياً مواقف مختلفة. والسبب الرئيسي لاتخاذ مثل هذه المواقف من جانب باسيل، هو معارضته لنجيب ميقاتي رئيس وزراء الحكومة المؤقتة.
من الإجراءات التي أثارت رد الفعل الحاد لباسيل، عقد اجتماعات للحكومة اللبنانية خلال الأشهر الماضية. نواب التيار الوطني الحر قاطعوا هذه الاجتماعات، لكن ممثلي حزب الله كانوا حاضرين في أول اجتماع لها، وقد دفع هذا الموضوع جبران باسيل إلى اتهام نجيب ميقاتي بانتهاك الدستور، وانتقاد حضور ممثلين عن حزب الله في اجتماع مجلس الوزراء.
حزب الله، الذي كان يحاول الحفاظ على الهدوء منذ ظهور بعض الخلافات مع التيار الوطني الحر في وسائل الإعلام، اضطرّ للرد علی كلام باسيل بإصدار بيان قال فيه: “لأننا لا نريد أن ندخل في سجال مع أي من أصدقائنا، رغم أن الكثير مما ورد في كلام باسيل يحتاج إلى نقاش، إلا أننا نجد أنفسنا معنيين بالتعليق على مسألتين لضرورة إيضاحهما للرأي العام، المسألة الأولى: حزب الله لم يقدّم وعداً لأحد بأنّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع.”
وأضاف بيان حزب الله: “ما قلناه بوضوح سابقاً وبعد التشاور والتوافق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هو التالي، إن حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا في حالات الضرورة والحاجة الملحّة، وفي حال اجتماعها فإن قراراتها ستؤخذ بإجماع مكوناتها، ولم نقل إن الحكومة لن تجتمع إلا بعد اتفاق مكوناتها”.
كما تطرق السيد حسن نصرالله إلی التسريبات التي ظهرت بعد التطورات السياسية الأخيرة في لبنان، وكذلك مواقف التيار الوطني الحر، وقال: “لن ننسحب أبداً من الاتفاق مع التيار الوطني الحر، ما لم يكن التيار يريد شيئًا من هذا القبيل”.
يعتقد البعض أيضًا أنه بصرف النظر عن التطورات السياسية الأخيرة في لبنان واستياء باسيل من تقدم القضية السياسية في البلاد، فإنه يعترض على تأثير حركة أمل على سياسات حزب الله، إذ اختلف التيار الوطني الحر وحركة أمل في مختلف المجالات خلال السنوات الماضية.
ويؤكد ذلك موقف وسائل الإعلام التابعة للتيار الوطني الحر من حزب الله وحركة أمل في الأشهر القليلة الماضية، وفي بعض الأحيان قام سياسيو التيار بإذکاء هذه المواقف.
مبادرة حزب الله لحماية الاتفاق مع التيار المسيحي
رغم ذلك، لم يغلق حزب الله بعد التفاوض والتفاهم مع التيار الوطني الحر، ويواصل التوسط لتقريب التيار الوطني الحر من الأحزاب اللبنانية الأخرى من أجل انتخاب رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق، عقد أمس، بناءً على طلب حزب الله، لقاء بين “الحاج حسين الخليل” النائب السياسي للأمين العام لحزب الله، وجبران باسيل، وناقش الجانبان موضوع انتخاب الرئيس والنقاط الايجابية والسلبية لاتفاق مار مخايل.
هذه أول محادثة مباشرة بين مسؤول في حزب الله وجبران باسيل بعد التوترات بين الجانبين. والجدير بالذكر أن حزب الله والتيار الوطني الحر كانا مهتمين بالتغطية الإعلامية لهذا الاجتماع، من أجل إنهاء الإشاعات حول قطع العلاقات بين هذين الحزبين في بعض الأوساط.
بعد لقائه مع جبران باسيل، أعلن ممثل حزب الله أن هذا اللقاء تناول ثلاثة محاور رئيسية هي: كان الموضوع الأول من اللقاء مع رئيس التيار الحر الوطني، يتعلق بکيفية إدارة العلاقات بين الجانبين في الفترة الماضية، وقال باسيل إن تياره مستاء من مشاركة حزب الله في اجتماعات الحكومة في غياب ممثليه. وحسب النائب السياسي للأمين العام لحزب الله، فقد أوضح لباسيل سبب وجود ممثلين عن حزب الله في اجتماعات الحكومة.
والموضوع الثاني كان موضوع انتخاب الرئيس، والذي لم يقدم جبران باسيل خياراً محدداً لهذا الغرض، لكنه شدد على أن الاتصالات يجب أن تستمر حتى يفتح النقاش حول كل الخيارات، ولا تقتصر قضية انتخاب رئيس الجمهورية على مرشحين(سليمان فرنجية رئيس تيار المردة وجوزيف عون قائد الجيش اللبناني)، وبالطبع لم يذكر باسيل اسم هذين الشخصين مباشرةً.
أما الموضوع الثالث لمحادثات النائب السياسي للسيد حسن نصر الله مع باسيل فكان حول العلاقات الثنائية، واتفق الجانبان على الامتناع عن اتخاذ مواقف متشددة وتسريب النقاشات إلی الإعلام، والتوصل إلى آلية تمكن من تقارب أكبر بين الجانبين.
وبناءً على ذلك، تعتقد مصادر مطلعة على أجواء الاجتماع المذكور أنه في الأيام المقبلة، من المحتمل أن نشهد عودة العلاقات بين حزب الله والتيار الوطني الحر بعد فترة من التوترات قصيرة المدى.
وتشير المعطيات إلى أن اللقاء الأخير بين مسؤول حزب الله وجبران باسيل، هو أكثر من كسر جليد العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهم تحدثوا عن قضايا مهمة بعد الخلافات العلنية التي ظهرت بينهم مؤخرًا.
كما تقرر عقد اجتماعات أخرى من أجل التوصل إلى تفاهم لحل الخلافات القائمة بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وفي المرحلة المقبلة سيتم إحياء اتفاق مار مخايل وتفعيله.
وبعد لقاء الحاج حسين الخليل وباسيل، تواصل معهما عدد من الأطراف السياسية اللبنانية وسألوهما إذا كان هناك اتفاق على القضية الرئاسية أم لا. ونشرت بعض المصادر معلومات متضاربة، وزعمت أن سليمان فرنجية يعتزم الإعلان رسمياً عن ترشحه لرئاسة لبنان اليوم، وهذا الأمر يجعل اللقاء بين ممثل حزب الله وباسيل بلا معنى وغير فعال، لكن مكتب فرنجية أصدر بياناً نفى فيه هذا الخبر، وأكد أن مثل هذه الشائعات لا أساس لها من الصحة.
کما أعلنت مصادر سياسية مطلعة في لبنان، أن باسيل بدأ برنامجه للتواصل مع شخصيات وممثلي مناطق شمال لبنان وبيروت قبل نحو شهر، والتقى بعدد كبير من ممثلي السنة، ويعتزم عقد المزيد من اللقاءات مع ممثلي بيروت حول انتخاب الرئيس، في إطار توسيع دائرة علاقاته مع السياسيين اللبنانيين.
بالطبع، توقفت قضية الرئاسة اللبنانية في مسار معقد، وطغت عليها الخلافات الداخلية والضغوط والتدخلات الخارجية، وتفيد مصادر سياسية وبرلمانية لبنانية أنه حتى منتصف عام 2023 أو أشهره الأخيرة، لا يمكن رسم أفق مؤكد للخروج من الفراغ السياسي في هذا البلد على مستوى انتخاب الرئيس أو تشكيل الحكومة.
لكن حول العلاقات بين حزب الله والتيار الوطني الحر في المرحلة المقبلة، وبالنظر إلی أن باسيل اتخذ موقفاً أكثر ليونةً تجاه القضايا السياسية، وحزب الله حريص على دعم أي مبادرة للتعاون مع مختلف الأطراف وإخراج لبنان من الفراغ السياسي، يمكن القول إننا نرجح أن نشهد عودةً تدريجيةً للعلاقات بين حزب الله والتيار الوطني الحر کما کانت في السابق.
المصدر/ الوقت