حركة الشحن بين العراق وسوريا تعود للعمل بعد توقف طويل.. ما هي النتائج المرتقبة
أعلن السفير السوري في بغداد صطام جدعان الدندح عن إصدار إذن دخول الشاحنات السورية والعراقية التي تحمل بضائع تجارية إلى البلدين خلال الأيام المقبلة وذلك بعد أن توقف مرور الشاحنات من البلدين منذ تفشي فيروس كورونا.
وبينما سمح العراق لشاحنات سورية تحمل بضائع تجارية وزراعية، وخاصة الحمضيات بدخول البلاد منذ فترة، أصدرت المحافظات العراقية في الأيام القليلة المقبلة بياناً أن الشاحنات العراقية أيضا ستتسلم تصاريح دخول في إطار مبدأ العمل بالمثل.
يشار إلى أنه قبل شهر أفادت صحيفة “تشرين” السورية نقلا عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية، بأمر من رئيس الوزراء العراقي، بدلا من إفراغ حمولتها عند المنافذ الحدودية، يسمح للشاحنات السورية تفريغ حمولتهم في وجهتهم داخل الأراضي العراقية.
يذكر أنه في عام 2019، بعد الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي وتأمين الحدود مع سوريا، أعادت الحكومة العراقية فتح معبر البوكمال (القائم) بعد سنوات من الإغلاق بسبب وجود تنظيم الدولة الإسلامية في محيطه لكن حركة النقل التجاري بين البلدين لم تكن مزدهرة جدا.
العراق هو الشريك التجاري الأول بالنسبة لسوريا
على مر التاريخ، جمعت سوريا والعراق علاقات معقدة، شهدت منعطفات سياسية واقتصادية عديدة. وفي السنوات التي سبقت اندلاع الحرب السورية، كان البلدان قد طبعا علاقتهما السياسية، وبذلا محاولات حثيثة لرفع التبادل التجاري وزيادة الترابط الاقتصادي بينهما. ووصولا إلى 2010، كان العراق قد أصبح أكبر وجهة تصدير (مكونة من دولة واحدة) لسوريا، فقد استحوذ العراق على 2.3 مليار دولار من إجمالي الصادرات السورية البالغة 12.3 مليار دولار. يمم العراق شطره نحو سوريا طلبا لمجموعة من السلع المهمة، شملت المياه والمنتجات الزراعية مثل السكر والحبوب، إضافة إلى العديد من السلع الأساسية. وعلاوة على ذلك، استورد العراق أصنافا أكثر تنوعا بكثير من الأغذية والمياه، بدءا من مواد التنظيف مرورا بالمواد البلاستيكية والمنسوجات.
الحرب السورية وآثارها على التبادلات التجارية بين البلدين
فرضت الحرب السورية والعقوبات التي ترتبت عليها على العراق إيجاد شركاء تجاريين جدد وتوطيد العلاقة معهم للحصول على ما يحتاج إليه من سلع. فقد تقلصت واردات العراق من مواد التنظيف السورية التي بلغت 278 مليون دولار في 2010 إلى مبلغ لا يكاد يُذكر في 2016. إضافة إلى تأثر الصادرات العراقية سلبا جراء الحرب. ففي عام 2008، لم يكن العراق يصدر سوى القليل من المنتجات النفطية إلى الدول الأخرى، في حين صدر إلى سوريا نحو 387 مليون دولار من النفط المكرر، ما جعل الأخيرة أكبر مستهلك للنفط العراقي. لا يزال النفط يُشكّل الجزء الأكبر من صادرات العراق، ولكن لا يصل سوريا أيّاً منه تقريبا في الوقت الحالي.
من الناحية الأمنية، لا يمكن التهوين من الأثر المدمر لسوريا على العراق. فقد استغل تنظيم الدولة الاضطرابات في سوريا لإعادة تنظيم قواته التي دُمِّرت سابقا، وشنَّ هجوما عسكريا ضخما على الأجزاء الغربية والشمالية من العراق، وبسط سيطرته على مساحات شاسعة من البلاد، شملت ثاني أكبر المدن العراقية، الموصل. وقد أدى تدهور الوضع الأمني إلى تناقص حاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ودمار كبير حل بالبنى التحتية المهمة، وإغلاق الحدود.
كان العراق، قبل بدء الصراع السوري، أكبر وجهة تصدير بالنسبة لسوريا. وعلى الرغم من وجود فترات سابقة شهدت تحسنا هائلا في التجارة بين البلدين، على سبيل المثال قفزت الصادرات السورية إلى العراق بين عامي 2007 و2008 من نحو 642 مليون دولار إلى 2.55 مليار دولار، سيكون من الصعب تحقيق مثل معدل النمو التجاري هذا اليوم. ويرجع سبب ذلك إلى أن العديد من معامل الإنتاج في سوريا قد دُمّرت أو تضررت.
ومن ثَم، سيكون انتعاش التجارة بين البلدين معتمدا على قدرة سوريا على إعادة تشغيل قطاع الصناعة المحلية. من المتوقع، في حال نجاحها، أن يعاود العراق الانخراط في سلاسل التوريد تلك. لدى العراق عدد ضخم من السكان، ومساحة جغرافية واسعة (تشمل 605 كيلومترات من الحدود مع سوريا)، وقد استوردت عام 2016 بضائع بقيمة 33 مليار دولار. ستكون أمام سوريا فرصة للاستحواذ على جزء من هذا السوق الضخم. ولكن العلاقة بين البلدين ستتمحور على الأرجح حول التجارة لا الاستثمار.
ومع ذلك، لا يخلو طريق استئناف العلاقة التجارية بين البلدين من العقبات. فقوات التحالف الأميركي تسيطر على معبر التنف الحدودي وتغلق طريق دمشق-بغداد السريع، وهو واحد من ثلاثة معابر حدودية رئيسية بين البلدين. وسنستمر الحكومة السورية بلا شك في شراء الطاقة من إيران وروسيا، ما سيمنع سوريا من أن تصبح مستهلكا كبيرا للنفط العراقي كما في السابق. أما الحكومة العراقية، فستحاول زيادة فرص الوصول إلى السوق مقابل المزيد من صادرات النفط. لكن من غير المحتمل أن يكلل مسعاها هذا بنجاح كبير.
إضافة إلى ذلك، ستلازم الحكومة العراقية مخاوف من إقامة علاقات تجارية مع المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، وذلك خوفا من تشجيع الأكراد الموجودين على أراضيها، وتقوية التيار الأبدي في المنطقة، الساعي لإقامة دولة كردية. على الرغم من أن الأكراد العراقيين قد يرون في ذلك فرصة ليشد الكرد في البلدين من أزر بعضهم بعضا، عبر توطيد العلاقات التجارية بينهم.
العراق وسوريا الأكثر تضررا
تعرضت تجارة الدول العربية لخسائر فادحة جراء الاضطرابات الأمنية والصراعات المسلحة، وكان العراق وسوريا أكثر الدول تضرراً، في ظل تفاقم الصراع المسلح ولا سيما مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، فأصيبت حركة التجارة والشاحنات بالشلل، وتراجعت الصادرات بصورة كبيرة.
وسجلت السلطات الاقتصادية العراقية انخفاضاً كبيراً في المبادلات التجارية بين العراق وكل من الأردن وسورية، قدر بنحو 23 مليار دولار عام 2014، حسب الخبير الاقتصادي محمد نبهان. ويأتي ذلك على خلفية سيطرة داعش على العديد من المنافذ الحدودية، وممرات التجارة البرية مع سوريا ومنفذ طريبيل الأردني مع العراق.
وفي هذا الإطار قال الخبير الاقتصادي ميمون عبد الواحد، إنَّ “حركة التجارة البرية بين العراق وسوريا والأردن تضررت كثيراً، بعد سيطرة التنظيم على المنافذ الحدودية والطرق البرية المؤدية إليها، وأصبح معدل التبادل التجاري مع سوريا شبه معدوم، بعدما سجلت التجارة البرية (الصادرات والواردات) بين البلدين 7 مليارات دولار في عام 2013”
ويرى محللون أنَّ سيطرة تنظيم “داعش” على كل الطرق البرية والشريط الحدودي بين العراق وسوريا، جعل من التنظيم المتحكم في الحركة التجارية بين الدول الثلاث.
وأوضح الخبير الاستراتيجي مأمون الصميدعي، أنَّ التنظيم سعى للسيطرة على المنافذ وطرق التجارة البرية كونها تمثل مورداً اقتصادياً مهماً للبلاد، وورقة ضغط كبيرة على سوريا والأردن في الوقت نفسه وبالتالي سيتحكم التنظيم بتلك الطرق والمنافذ بما يخدم مصالحه، وأشار الصميدعي إلى تضرر شركات النقل البري في العراق كثيراً نتيجة الصراع الدائر.
وقال صاحب شركة للنقل البري، صادق المحمدي: “كانت شركتنا تسيّر يومياً على أقل تقدير أكثر من 30 سيارة نقل كبيرة من الأردن وسوريا إلى العراق، وبالعكس تحمل مختلف البضائع والسلع من الفواكه والخضروات إلى الملابس والأجهزة الكهربائية وغيرها، لكنها انخفضت حالياً إلى الصفر وبالتالي تعطل عشرات العمال والسائقين عن العمل”.
وأسفر توقف النقل البري بين العراق وكل من سوريا والأردن، عن خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات وانعكس ذلك على اليد العاملة وشركات النقل البري، حسب المحمدي.
وأوضح المحلل عبد القهار الكربولي، أن العراق تربطه 4 منافذ مع سوريا والأردن وهي ربيعة مع سورية من جهة الموصل، والوليد والقائم من جهة الأنبار مع سورية وطريبيل مع الأردن، وسيطر التنظيم على معظمها وعلى الطرق البرية المؤدية إليها.
وأشار إلى أن تدهور التجارة مع سوريا والأردن دفع الحكومة العراقية إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع إيران، وقد وصل هذا التبادل إلى أكثر من 25 مليار دولار سنوياً لتعويض الخسائر الكبيرة الناتجة عن انخفاض التبادل التجاري مع سوريا والأردن”.
وأكد الكربولي، أنَّ” انخفاض التبادل التجاري، انعكس على شركات النقل البري التي تشغل آلاف العمال وسائقي الشاحنات الذين توقف 95% منهم عن العمل كما تراجعت واردات معظم البضائع بنسب كبيرة.
وفي سوريا كانت الخسارة أكبر لتجارتها الخارجية، التي تأثرت بالحرب الدائرة هناك على أكثر من جبهة، فتوقفت الصادرات تماماً، حسب تقرير رسمي لوزارة الاقتصاد السورية.
خطوة مهمة للبلدين
يأتي فتح الخط التجاري بين البلدين كخطوة مهمة بإمكانها تخفيف الضغط عن الوضع الاجتماعي السيء التي تشهده سوريا وكذلك يمكن أن يؤدي إلى تنشيط خط الترانزيت عبر العراق نحو سوريا ورفع سقف التبادل التجاري بين البلدين وإنعاش الأسواق وشركات النقل وتوفير العديد من فرص العمل والحاجات الرئيسية للأسواق والمواطنين في البلدين.
المصدر/ الوقت