التحديث الاخير بتاريخ|السبت, ديسمبر 21, 2024

“مؤتمر باريس”.. هل ينتشل لبنان من أزمته أم إنه سوف يزيدها تعقيدا 

إن شغور المناصب العليا في الدولة أمر شائع في لبنان، لكنه أصبح بشكل متزايد علامة على عمق الأزمة التي يعانيها النظام السياسي. لذلك، لا يبدو صادما لكثير من اللبنانيين أن قصر بعبدا أضحى مع بداية هذا الشهر خاليا من رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، وفشل البرلمان في انتخاب خلف له. لقد صمم النظام السياسي، الذي يدير البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية، على تكريس سلام ما بعد الحرب من خلال فرض تقسيم طائفي ومذهبي للمناصب العليا. لكن هذا النظام، الذي خُطط له أن يكون مؤقتا ويعمل على تمهيد الأرضية لتأسيس دولة مدنية، تحوّل إلى أداة لأمراء الحرب السابقين وزعماء الطوائف لمواصلة إحكام قبضتهم على مختلف نواحي الحياة من السياسة إلى الاقتصاد والأمن.

ووسط هذا الانسداد المحلي السياسي، تتجه الانظار الى فرنسا لعل الحل يأتي منها الى بيروت. ففي باريس، سيُعقد لقاء دولي خماسي في ٦ شباط المقبل مبدئيا، لبحث الوضع في لبنان والاستحقاق الرئاسي، بحضور ممثلين عن فرنسا، والولايات المتحدة الاميركية، والسعودية، ومصر، وقطر. ووفق ما تقول مصادر دبلوماسية، فإن المؤتمر إما سيؤدي الى حل او انه لن يؤدي الى شيء. المعادلة بهذه البساطة. فباربس حسب المصادر، تضغط لكي تضع القوى المجتمِعة خريطةَ طريق واضحة لتأمين حصول الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت، وهي تريد ان تُطلق عقب هذا اللقاء الخماسي، سلسلة محادثات مع ايران، لضمان تسهيلها الانتخابات في بيروت. اي ان الاليزيه، ومعه مصر وقطر، لا يريد ان يكون المؤتمر للصورة او لمشاورات عادية حول لبنان وأزمته، بل يريده “حاسما”.

لكن في المقابل، تتابع المصادر، واشنطن والرياض ليستا بالحماسة عينها، وهما لا تهتمان بالتطورات اللبنانية وبتفاصيلها، وجل ما يهمهما الاستقرارُ ولجمُ حزب الله، على ان تواصلا دعمها للجيش ومساعداتهما الانسانية للمنظمات غير الحكومية اللبنانية. وفي ضوء برنامج الرئيس المنتخب السياسي والسيادي والاصلاحي، سيحدد الأميركيون والسعوديون طريقة تعاطيهم مع لبنان الدولة. وحسب المصادر، فإن وضعية الدولتين هذه باقية على هذه “اللامبالاة والبرودة” الى حين يأتي موعد التنقيب عن النفط “عمليا” اي حتى الصيف المقبل. فعندها، اذا كان لبنان لا يزال يغرق في متاهاته، فإن واشنطن قد تتدخل للاسراع في الحل.

وحول هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية اليوم الخميس أن باريس ستستضيف الإثنين المقبل اجتماعاً مخصّصاً للبنان يضمّ ممثّلين عن كل من فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر في محاولة لتشجيع السياسيين اللبنانيين على إيجاد مخرج للأزمة التي يتخبّط فيها بلدهم. ويعاني لبنان فراغاً في السلطة منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر الماضي، وعدم توصّل الطبقة السياسية المنقسمة إلى اتفاق على شخص يخلف عون. وأدّت هذه الأزمة السياسية إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وأعربت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الموجودة حالياً في السعودية، عن قلقها البالغ إزاء انسداد الافق في لبنان من الناحية السياسية، كما قالت الناطقة باسم الوزارة آن-كلير ليغاندر خلال مؤتمر صحفي إن فرنسا بحثت مع السعوديين وبقية شركائها في المنطقة هي سبل تشجيع الطبقة السياسية اللبنانية على تحمّل مسؤولياتها وإيجاد مخرج للأزمة. وأوضحت أن هذا النهج سيكون موضوع اجتماع متابعة الإثنين المقبل مع الإدارات الفرنسية والأميركية والسعودية والقطرية والمصرية لمواصلة التنسيق مع الشركاء وإيجاد سبل للمضيّ قدماً. والهدف من الاجتماع هو تشجيع الطبقة السياسية اللبنانية على الخروج من الطريق المسدود، وفق الناطق باسم الخارجية الفرنسية.

وفي 23 ديسمبر الماضي، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للصحفيين إنّه من الضروري تغيير القيادات في لبنان والتخلص من السياسيين الذين يعرقلون الإصلاحات. ويشهد لبنان إحدى اسوأ الازمات الاقتصادية في العالم منذ 1850، حسب البنك الدولي، مع ارتفاع كبير في الاسعار وتراجع تاريخي للعملة الوطنية وإفقار غير مسبوق للشعب. ويشترط صندوق النقد الدولي تطبيق الإصلاحات الضرورية لتحصل البلاد على مساعدة هي بأمسّ الحاجة اليها. وراهناً لم يتقرّر أيّ اجتماع على المستوى الوزاري.

ويعتبر هذا الاجتماع مفصلياً ومهماً جداً، فإما ينجح في انتشال لبنان من الهوة الموجود فيها، وإما يؤدي فشله لا سمح الله الى انزلاق لبنان الى أتون ازمة يصبح من الصعب على اي دولة اخراجه منها، وقد توصل لبنان الى الشوط الاخير في السباق مع الازمات حيث يتم الاعلان الدولي على انه دولة فاشلة وبالتالي يترك لمصيره. واذا كان من غير المتوقع ان يصدر عن هذا الاجتماع الدولي في العاصمة الفرنسية اي قرارات تؤدي الى معالجة سريعة للوضع اللبناني، فإنه من المرجح ان يؤكد على الثوابت المعلنة في اكثر من سياسة من قبل الدول المشاركة في هذا الاجتماع وفي مقدمة ذلك المطالبة الحفاظ على الاستقرار العام من خلال انتظام عمل المؤسسات التي يأتي في مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة تكون قادرة على ولوج الاصلاحات المطلوبة من قبل المجتمع الدولي والتي يصرّ عليها قبل تقديم يد المساعدة، كما انه ستكون هناك بنود شبيهة بتلك التي جاءت في الورقة الخليجية الخاصة بلبنان او المبادرة الكويتية.

ومن غير المستبعد ان ينبثق عن هذا الاجتماع تكليف موفد لزيارة لبنان قد يكون موفداً فرنسياً او قطرياً لوضع المسؤولين اللبنانيين في صورة ما نص عليه الاجتماع الرباعي ولتحذيرهم من مغبة الاستمرار في تضييع الوقت والانصراف الى انتخاب رئيس لتجنب لبنان من الانزلاق الى مرحلة الفوضى. وفي غضون ذلك والى ان يعقد «المؤتمر الباريسي» فإن الوضع الداخلي على جانب من الاستقرار السياسي وعدم الاستقرار النقدي والاقتصادي، حيث لا جلسة انتخابية لهذا الاسبوع ما لم تبرز في الافق ملامح امكانية حصول خرق ما، وكذلك لا جلسة لمجلس الوزراء بعد تأجيل موعدها الذي كان يوم الخميس المقبل الى حين التفاهم على ما سيتضمنه جدول اعمالها من مواضيع ملحة. وبين هذا وذاك فإن الحركة السياسية مشلولة لا بل معدومة، وإن جُلَّ ما قد يحصل هو تنفيذ المواضيع التي اثارها النائب جبران باسيل في مؤتمره الصحفي اول من امس والتي تضمنت مواقف عالية السقف من شأنها ان يكون لها ارتدادات على اكثر من صعيد، ولا سيما أنه ذهب في معركته مع قائد الجيش والحاكم المركزي الى نقطة اللاعودة، وهو ما ستكون له اجابات حاسمة من الاطراف المعنية بالمباشرة وغير المباشرة، وهذا قد يسعّر حدة الاشتباك الحاصل على الساحة الداخلية وسيزيد الامور تعقيداً.

وفي رأي اوساط متابعة ان مروحة الاتهامات التي عرضها باسيل بحق قائد الجيش والحاكم المركزي وموقفه من العلاقة مع «حزب الله» جاءت نتيجة شعور رئيس «التيار الوطني الحر» بأن حظوظه في حجز موقع له في الاستحقاق الرئاسي باتت معدومة، وانه من المستحيل ان يأتي برئيس على «ذوقه»، لكون ان الخارطة السياسية الموجودة حالياً لا تصب في صالحه، ولذا لجأ الى رفع منسوب حدة موقفه من باب إثبات الوجود على الارض التي بات يشعر بأنها تزحل من تحته، وانه لن يكون له القدرة على إحالة الدفة الرئاسية لمصلحته. وتعتبر الاوساط السياسية انه في ظل بقاء موازين القوى على حالها، وما لم يطرأ عليها اي تعديل فإن المراوحة السياسية في ما خص انتخاب الرئيس ستبقى سيدة الموقف الى اجل غير معلوم، ولا سيما انه لم تبرز في الافق على الرغم من دخول الفراغ الرئاسي اليوم شهره الرابع اي مبادرات داخلية او خارجية من شأنها ان تخرج الملف الرئاسي من عنق الزجاجة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق