التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

التطبيع العربيّ مع “إسرائيل” في مهب الريح 

يعود ملف التطبيع بين الدول العربية و “إسرائيل” إلى الواجهة بقوّة هذه الأيام، فبعد أن عرضت السعودية ثمن تطبيع العلاقات معها، سعى ولي العهد السعودي إلى برنامج نوويّ مدنيّ وضمانات أمنيّة وقيود أقل على مبيعات الأسلحة الأمريكية من الرئيس بايدن، وهو ثمن باهظ وربما يستحق اتفاقا لطالما سعت إليه تل أبيب، لا يبدو أنّ ملف التطبيع في أحسن أيامه حاليّاً، على خلفية تصرفات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة خلال الفترة الماضية، وقد تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تجميد الإمارات صفقة شراء منظومات أمنية إسرائيلية على خلفية الأزمة الداخلية التي تشهدها “إسرائيل”، وعدم سيطرة بنيامين نتنياهو على حكومته، وهذا الأمر ينسحب على المغرب والسودان، مع وجود شكل جديد للمعادلات في المنطقة.

طريق مسدود في العلاقة مع الرياض

لا شك أن طلب الرياض الطموح من الرئيس بايدن كان بمثابة الفرصة للتوسط في اتفاق دراماتيكيّ من شأنه أن يعيد تشكيل علاقة “إسرائيل” بأقوى دولة عربية، ويمكنها أيضًا البناء على اتفاقات أبراهام في عهد ترامب، حيث توسطت الولايات المتحدة في صفقات دبلوماسية مماثلة بين تل أبيب ودول عربية أخرى، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، لكن الوقائع تشير إلى أن كيان الاحتلال يقترب من احتمالية انفجار الأوضاع في المسجد الأقصى المبارك خلال شهر رمضان على خلفية تصعيد الأوضاع، بما سيؤدي بالتأكيد لتفاقم العلاقات الإسرائيليّة مع الدول العربية، والتي يمكنها تكثيف المقاطعة ضد عصابات الاحتلال واستدعاء سفرائه إلى جانب الإدانات والتنديد.

ولأن سياسة حكومة العدو تتعارض مع مصالح كل الدول في المنطقة، وتؤدّي إلى تقويض الاستقرار الإقليميّ، من الممكن أن تعلق بعض الدول أو تقطع علاقاتها الدبلوماسيّة مع الكيان الإسرائيليّ في حال وصلت الأمور لأقصى الحدود كما حدث في الانتفاضة الثانية،” وقد تجِد تل أبيب نفسها معزولةً من جديد في المنطقة بسبب سياستها الفوضوضية والتخريبية، وخاصة عقب فشل صفقة التطبيع مع الرياض والتي كانت أحد أكثر الأهداف المهمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما اعتبر إرثًا لزيادة الضغط على أمن “إسرائيل” وانتصاراً لإيران، ويقول محللون إن الصفقة ستعزز التحالفات الإقليمية لغير صالح تل أبيب، بينما تقلل من الأهمية النسبية لقضية التطبيع.

ومنذ أن ظهرت أخبار الاقتراح السعودي قبل ساعات من اتفاق منفصل بوساطة الصين، مهد الطريق للرياض لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران لأول مرة منذ سبع سنوات، وكان دليل الصفقة أن السعودية فقدت الثقة في الولايات المتحدة كمدافع عن أمنها وتقترب من الصين بينما تسعى لتخفيف تنافسها الطويل مع إيران كاستراتيجية بالغة الأهمية للطرفين، وقد يؤدي هذا التطور إلى إلحاح جديد في إدارة بايدن للتوسط في اتفاق بين المملكة العربية السعودية وتل أبيب، لكن ما يجري لا يعطي أي إيجابية لهذا الخيار، مع وجود العديد من التحديات التي تقف في طريق صفقة سعودية – إسرائيلية، وأهمها تصاعد العنف بين الكيان والفلسطينيين في ظل الحكومة اليمينية الجديدة في فلسطين في الأسابيع الأخيرة، وقد أصدرت الحكومة السعودية إدانات علنية متكررة للإجراءات الإسرائيلية، ما قلل من احتمالية التوصل إلى صفقة على المدى القريب، كما أن تصعيدا كبيرا مثل انتفاضة فلسطينية جديدة سيجعل التوصل إلى اتفاق مستحيلا، ناهيك عن قول مسؤولين سعوديين إنهم لا يستطيعون إقامة علاقات طبيعية مع “إسرائيل” -وهي خطوة من شأنها أن تشمل تفاعلات دبلوماسية رسمية ومن المحتمل أيضًا توقيع اتفاقيات التجارة والسفر- قبل إقامة دولة فلسطينية.

وعلى هذا الأساس، فإنّ فرصة الترويج للتطبيع بين السعودية والكيان الإسرائيلي تتلاشى، بعد إدراك السعوديين أنّ مطالبهم المتعلقة بالضمانات الأمنيّة الأمريكيّة، والاتفاق على تطوير الطاقة النوويّة للأغراض السلمية، لن تقبله واشنطن وتل أبيب، لذلك فإنّها اختارت مصالحها العليا في تأمين جناحها الشرقيّ بتجديد العلاقات مع طهران من جهة، ومن جهة أخرى أزالت –على الأقل حاليّاً- إمكانية التطبيع مع الاحتلال في ظل السياسة الفاشيّة للحكومة اليمينية الجديدة بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي بدأت بتصعيد الاستفزازات في المسجد الأقصى، وزيادة عنف المستوطنين، والتصريحات العنصرية للوزراء، وإلغاء قانون فك الارتباط، وكلها خطوات تضرّ بعلاقات الكيان بدول المنطقة.

وهذا يخلق وضعا يتمتع فيه بايدن بنفوذ على نتنياهو لإقناعه بأنه لا يمكن أن يحدث شيء جيد مع المملكة العربية السعودية إذا سمح بانفجار الوضع في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لكن لا تزال هناك عقبات أخرى، لطالما كان المسؤولون الأمريكيون حذرين من الجهود السعودية لإنشاء برنامج نووي مدني فإنهم يخشون أن تكون الخطوة الأولى نحو سلاح نووي، والتي قد تسعى الرياض إلى تأمينها دون الكشف عن شروط الاتفاقية الأمنية، لكن من المحتمل ألا ترقى إلى مستوى ضمان الدفاع المتبادل مثل ذلك الذي يربط دول الناتو، وحتى لو كان بايدن على استعداد للوفاء بشروط الأمير محمد، فمن المحتمل أن يواجه مقاومة شديدة في الكونجرس، حيث ضغط العديد من الديمقراطيين مؤخرًا لتقليل العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

ومن الجدير بالذكر أن بايدن بصفته مرشحًا رئاسيًا لعام 2020، تعهد بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة” دوليًا لسلوكها في الحرب في اليمن، و “دفع الثمن” لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، في وقت مبكر من فترة ولايته، كما أصدر بايدن تقريرًا استخباراتيًا سريًا خلص إلى أن مقتل السيد خاشقجي “تمت الموافقة عليه” من قبل الأمير محمد، منذ ذلك الحين، أثارت المملكة العربية السعودية غضب مسؤولي بايدن بتخفيضات في إنتاج النفط، والتي يقولون إنها كلفت المستهلكين الأمريكيين وحققت أرباحًا لآلة الحرب الروسية الممولة بشكل كبير من النفط، ما يعني أن العلاقة بين البلدين لا يمكن أن تعود إلى سابق عهدها.

علاقات ليست أفضل من سابقتها

هناك صدمة إقليميّة وربما عالميّة من التمادي الإسرائيليّ على كل المستويات، ما يؤكد أنّ الدول العربية تمارس ضغوطًا لكبح جماح مسار التطبيع، وهو ما من شأنه الإضرار بالعلاقات مع تل أبيب وموقعها الاحتلالي في المنطقة، لأنّ الدول العربية تخشى من أنّ استمرار التطبيع مع الصهاينة ربما يؤدي لتقويض شرعيتها، وهي ليست قوية في ظلّ صعوباتها الاقتصادية في الداخل بعد ما يسمى “الربيع العربيّ”، والغزو الروسيّ لأوكرانيا.

وفي هذا الإطار، وافق السودان رسميًا في كانون الثاني (يناير) 2021 على تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في مقابل شطب الولايات المتحدة من قائمتها لـ “الدول الراعية للإرهاب” ، لكن حتى اليوم لم يتم إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات أبدًا، وقاد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ، الذي كان وقتها وزير المخابرات، أول وفد رسمي إلى الدولة ذات الأغلبية المسلمة في شمال شرق إفريقيا، وفي عام 2020، قامت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب بتطبيع العلاقات مع تل أبيب كجزء من اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والتي انتقدها الفلسطينيون بشدة، وقالت وزارة الخارجية السودانية عقب اجتماع بين كوهين ووزير الخارجية السوداني بالوكالة علي الصادق “تم الاتفاق على المضي قدما نحو تطبيع العلاقات بين البلدين”، لكن مسار التطبيع لم يتجاوز ذلك.

إضافة إلى ذلك، تعثر التطبيع مع أبوظبي وتمثل ذلك في إلغاء الإمارات زيارة نتنياهو، وإدانة أنشطة الاحتلال الاستفزازية بالضفّة الغربيّة المحتلة، وتقديم الدول الخليجيّة مساعدات مالية لسكان حوارة بعد هجوم المستوطنين، وأوقفت وصول الإسرائيليين وأيّ وفودٍ يهوديٍّة إليها، وأوقفت صفقات مشتريات دفاعية، حيث إن التصرفات التي أغضبت الإماراتيين كان في مقدمتها اقتحام وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى، واعتداء المستوطنين على بلدة حوارة الفلسطينية، وتصريحات وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، ودعوته إلى “محو” البلدة، وجمدت أبو ظبي نيتها الاستمرار في صفقة أمنية مع تل أبيب، والحديث هنا عن منظومات مهمة تريدها منذ فترة طويلة وغالبيتها حساسة جداً وممنوع النشر عنها.

أيضاً، أرجأ المغرب زيارات وزراء إسرائيليين، واتخذّ قرارٌا بتأجيل موعد ما يُسّمى “منتدى النقب”، وأعرب عن قلقه بشأن التصريحات التحريضيّة الإسرائيليّة، في ظل فشل المساعي الإسرائيليّة المستمرة للجمع بين أكبر عدد ممكن من البلدان التي وقعت على اتفاقيات خيانة فلسطين، من أجل مزاعم “تقوية الروابط وتعميقها”، وبالتالي فشل دمج “إسرائيل” في المنطقة من خلال حضور النقب 2، فيما أدان الأردن تصريحات سموتريتش، واستدعى سفير الاحتلال لتوبيخه، ودعا البرلمان لطرده، في الوقت الذي يزعم فيه مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية التابعة للعدو وجود اتفاقيات مع الأردن ومصر والفلسطينيين والولايات المتحدة في العقبة وشرم الشيخ لمنع تصاعد التوتر، فإنّ وزراء الحكومة يعملون عن وعي لانتهاك هذه التفاهمات، وخاصّةً أنّ بعض الإجراءات والتصريحات المختلفة مخالفة لروح اتفاقيات التطبيع، أمّا إلغاء قانون فكّ الارتباط فيشكل انتهاكًا لالتزام إسرائيل تجاه الولايات المتحدة، فضلاً عن تقويض تصور دول المنطقة بأنّ الطريق إلى أمريكا يمر عبر تل أبيب.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق