الإعلام العبريّ يغص بتحليلات خطاب نصرالله.. ما السر
في سابقة من نوعها، حاز خطاب الأمين العّام لحزب الله اللبنانيّ، حسن نصر الله، في يوم القدس، اهتماماً بالغاً من قبل وسائل الإعلام التابعة للكيان الإسرائيليّ، والتي تتبع بشكل أو بآخر إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية، حيث حاولت معرفة استراتيجيّة حزب الله القريبة وتحليلها، في وقت تحوّل فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، كما أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في “حزب الله” حققت انتصارات كبيرة على “إسرائيل” وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها العقائدية والماديّة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة.
خطاب نصرالله بالنسبة للإسرائيليين
في السابق اعتدنا أن تكون تغطية الإعلام العبريّ مركّزة على الحرب النفسيّة التي يخوضها بشراسةٍ ضدّ حزب الله اللبنانيّ، وسوريا، والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وجميع فصائل المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، وفي مقدّمتها حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ”، لكن الأيام الأخيرة شهدت تشديد الإعلام الصهيوني في تحليلاته على أنّ السؤال ليس “هل تقع المواجهة القادِمة مع المقاومة اللبنانية، بل متى؟”، حيثُ تطرّقت الماكينة الإعلامية للكيان إلى إمكانية نشوب مُواجهةٍ إقليميّةٍ بمُشاركة كل من إيران، سوريّا وحزب الله والتنظيمات الفلسطينيّة بقطاع غزّة، والحركات العسكريّة المُوالية لإيران على الأراضي العراقية، أيْ حرب على عدّة جبهاتٍ، وفقاً للمصادر الأمنيّة الصهيونيّة الرفيعة.
وفي الوقت الذي بات فيه العدو الإسرائيليّ يضع سيناريو يُرجّحه للحرب المقبلة في لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال تسعة أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع تل أبيب أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، قد بيّن مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، أنّ خطاب نصرالله الأخير وضع النقاط على الحروف في قضية الاعتداءات التي تشُنّها القوات الصهيونيّة على سوريا، مشيراً إلى أنّ قواعد اللعبة والاشتباك ستتغيّر، الأمر الذي يضع عقبة جديدة أمام العدو في كيفية التعامل مع التهديد الجديد، وخاصة أنّ نشاط الحزب أضّر بما يسميه الكيان “التفوق الجويّ الإسرائيليّ”، ناهيك عن تآكل قدرة سلاح الجو بفضل ما تمتلكه المقاومة اللبنانية بما يشكل مخاطرة إضافية على الكيان.
وعقب نجاح لبنان بالاستناد إلى مقاومته في تعزيز الوحدة الوطنية في البلاد، ورفع شعبية المقاومة بشكل كبير للغاية على ساحة الوطن رغم كل محاولات خفضها في السنوات الأخيرة، مع قيام نصر الله بتسلّق الأشجار بفضل سياسة الكيان في العقد الأخير، نتيجة إقامة معادلة الردع الخاصة به ضد العدو الصهيوني، وهذا الردع لا يقتصر فقط على حماية الموارد البحرية اللبنانية من عدوان كيان الاحتلال، حيث جاء أيضا في سياق التعامل مع التهديدات الإسرائيلية ضد مجموعات المقاومة الأخرى والفلسطينيين، وإن الاتفاق البحري وصف من قبل الإسرائيليين بأنه “فشل تلو الآخر”، ولذلك أشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن ما يُعرَف باتفاق الغاز بين لبنان والكيان لم يجلِب الأمن والأمان، كما أنه وبعد حلّ مشكلة الحدود البحرية وحفريات الغاز في حقل (كاريش)، فإنّه يصعب تجاهل الانطباع حول أنّه وقع مؤخرًا تغيير أساسي نحو الأسوأ في الظروف على طول الحدود البرية وفي سماء لبنان، وجزء من الأمور يظهر في الجولات في المنطقة.
وأشارت وسائل إعلام الكيان، إلى أنّ القاسم المشترك، في البرّ والبحر والجوّ، يتمثل بمقاربةٍ عدوانيةٍ ومتشددةٍ أكثر من قبل المقاومة اللبنانية، مع الاستعداد أكثر ممّا سبق للمخاطرة بالمواجهة، وتل أبيب حذرة في ردها كي لا تسمح بتصاعد الوضع، مع التأكيد على أنّ تقليص حريّة عمل سلاح الجوّ في الأجواء اللبنانية، يقلل من الجمع الفعال للمعلومات الاستخبارية التابعة للعدو عن نشاطات حزب الله، ويضعضع ثقة الصهاينة بموثوقية المعلومات التي تردهم، باعتبار أن نصر الله –حسب الإعلام العبري- تحدث عن فضل منظومات الدفاع الجويّ التي تزود بها الحزب، في تقليص النشاطات الإسرائيليّة في البقاع وفي الجنوب، مضيفاً: “لم نشاهد طائرات إسرائيليّة مسيرة في هذه الأجواء منذ بضعة أشهر”.
عجزٌ إسرائيليّ
“الجيش الصهيوني لم يعد قادرًا على فعل أيّ شيءٍ ضدّ نشاطات حزب الله لإنتاج الصواريخ الدقيقة”، عبارة مهمة وردت ضمن التحليلات الخبرية العبرية، وهذا ما أقر به قائد سلاح الجو السابق، الجنرال عميكام نوركين في نيسان (أبريل) الفائت، والذي تحدث أنّ حريّة العمل في لبنان تضررت للغاية، في حين أن العميد احتياط آساف أوريون، أوضح في مقال نشر على موقع (معهد واشنطن) أنّ ما أسماها الظروف العملياتية تغيرت في غير مصلحة الكيان، بما يصعب جهود الاستخبارات ويزيد الإمكانية الكامنة لحدوث نزاع أوسع مع المقاومة في لبنان.
وبالاستناد إلى أن قدرات حزب الله شهدت نقلة نوعية كبيرة على الصعيد العسكري، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤولوه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، أشار العميد أوريون، إلى أنّ الكيان خلال العقد الفائت ركزّ جزءًا من هجماته الجويّة على الأراضي السورية في إطار (المعركة بين حربين) ضدّ بطاريات وصواريخ مضادة للطائرات، التي أرادت طهران تهريبها لحزب الله، ومع ذلك، فإنّه في السنوات الأخيرة نجح الحزب في أنْ يُطوِّر بصورةٍ كبيرةٍ منظومات دفاعه الجويّ ضمن الأراضي اللبنانية.
وفيما تستند قوة المقاومة اللبنانية العسكرية على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، بالإضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، يظهر تأثير حزب الله على التدريبات العسكرية للعدو، وكيف أنّ هاجسه بالنسبة لكيان الاحتلال لا يزال كما كان في السابق، أيْ الهاجس نفسه، الذي يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً ومستوطنين، فيما تتحدث تقارير إعلامية أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف من القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها، وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية، فيما ترجح تقديرات العدو أن لدى المقاومة اللبنانية 45000 صاروخ قصيرة المدى تصل إلى 40 كم، من دون قذائف الهاون التي يمتلكها التنظيم إلى جانب 80000 صاروخ متوسط وطويل المدى يتميز بدقته.
وبالتالي تحولت المقاومة اللبنانيّة “حزب الله” إلى تهديد حقيقيّ لكيان الاحتلال الغاشم عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ، تجعل العدو الإسرائيلي يحسب ألف حساب قبل أي عمل خبيث، في وقت تتحدث فيه بعض الدراسات أنّ حزب الله يعد أضخم قوة عسكرية خارج إطار الجيوش النظامية في العالم، و يمتلك ترسانة هائلة من المدفعية الصاروخية، إضافة إلى صواريخ باليستية، ومضادات للطائرات، وأسلحة مضادة للدبابات إضافة إلى القذائف المضادة للسفن قادرة على ردع العدو أكثر مما يتخيل، وهنا تظهر المقاومة في لبنان كقوة مهمة تُخيف الصهاينة بشدّة، بالمقابل، يظهر العدو الصهيونيّ بمواقفه عاجزاً عن إدراك وتفسير حجم تنامي وثبات المقاومة في لبنان وغيرها، مقدماً للداخل الإسرائيلي على وجه الخصوص، انتصارات مخجلة ومكشوفة للتغطية على فشله الحقيقيّ وارتباكه وضعفه، فيما تسجل المقاومة في أكثر من دولة حضوراً مهماً يبرهن على قوتها وثباتها في مواجهة الجبروت الإسرائيليّ.
نهاية القول، وفي ظل انخفاض النشاطات الإسرائيليّة الجويّة في سماء لبنان ما بين 70 و90 في المئة في السنة الفائتة مقارنة مع السنوات السابقة كما يقول مسؤولون أمنيون صهاينة، تزداد قدرة حزب الله مقارنة بتآكل تفوق العدو الجويّ في لبنان، ما يعني أن جيش الاحتلال الغاصب سيجبر على البحث عن بدائل لأساليب جمع المعلومات القائمة، كما أنّ “إسرائيل” ستُواجِه معضلة كبيرة للغاية، فهي إما ستُسلِّم بجودة المعلومات الاستخبارية مهما كانت، أو أنّها ستواصل مهمات التصوير مع المخاطرة بتلقي ضربات من منظومات الدفاع الجويّ للمقاومة اللبنانية.
المصدر/ الوقت