إنجازات الوحدة الإسلامية التي أعلنها الإمام الخميني (قدس سره) لحماية مصالح الأمة الإسلامية
من أهم الأعمال التي قامت بها إيران والإمام الخميني (قدس سره)، في بداية انتصار الثورة الإسلامية، تقديم خطة مبتكرة مبنية على تعاليم القرآن الكريم والإسلام المحمدي الأصيل.
وكما هو الحال دائمًا، حوَّل الإمام (قدس سره) تهديدًا خطيرًا يسمى الانقسام إلى فرصة، وفي هذه المبادرة، سمى روايتين تاريخيتين لدى الشيعة والسنة بمناسبة المولد النبوي (ص) بأسبوع الوحدة، لتوجيه رسالة واضحة لأصدقاء الإسلام وأعدائه بأن الوحدة هي نقطة البداية لأي نمو وتميز للأمم والدول الإسلامية.
ومنذ الأيام الأولى، لم تعجب هذه المبادرة الأعداء والمنافقين في العالم الإسلامي، لأنها أثرت على الكثير من مخططاتهم التقسيمية.
ومن بين الدول الغربية، تلقت بريطانيا أكبر ضربة من هذه الخطة، لأن الساسة البريطانيين استخدموا دائما شعار “فرق تسد” الشهير في الدول الإسلامية، من خلال استخدام الخلافات العرقية والقبلية والدينية للسيطرة على ثروات الأمم.
القصد من الوحدة هو الوحدة في حماية مصالح الأمة الإسلامية
إن معنى الوحدة الإسلامية واضح في تصريحات سماحة آیة الله الخامنئي قائد الثورة في إيران، في 14/10/2022 قال المرشد الأعلى للثورة: “إن المقصود بالوحدة بالتأكيد ليس الوحدة الدينية؛ يعني أن يدخل أحد في دین الآخر، أو الآخر يدخل في مذهب ذاك؛ کلا، ليس هذا هو القصد بالتأكيد، وليس القصد هو الوحدة الجغرافية أيضًا؛ كما حدث في الستينيات والسبعينيات، عندما اتحدت بعض الدول العربية وأعلنت أنها واحدة، وهو ما لم يحدث، ولن يحدث، وغير ممكن؛ ليس هذا هو المعنى أيضاً، بل معنى الوحدة هو الوحدة في حماية مصالح الأمة الإسلامية”.
أسبوع الوحدة مقابل أسبوع البراءة
من الجماعات المناهضة لقضية الوحدة الإسلامية، أولئك الذين يسيرون في طريق أعداء الإسلام، طوعاً أو كرهاً، وبدلاً من أسبوع الوحدة استبدلوا أسبوع تبرئة أعداء التشيع.
وفي هذا السياق، قال قائد الثورة في إيران يوم 17/12/2016 في لقاء مع مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية: “اليوم، هناك إرادتان تتعارضان في هذه المنطقة: إرادة هي إرادة الوحدة؛ والإرادة الأخری هي إرادة الفرقة، إرادة الوحدة هي للمؤمنين، إن صرخة وحدة المسلمين ومجتمعهم مسموعة من الأصوات الصادقة، والمسلمون مدعوون إلى الاهتمام بالقواسم المشتركة بينهم، فإذا حدث هذا، وإذا حدثت هذه الوحدة، فإن حال المسلمين اليوم لن يكون هكذا، وسيحظى المسلمون بالعزة…. ومنهم من يذکي نيران الخلافات أيضًا؛ “الشيعة اللندي” و”السنة الأمريكي” هما نفس الشيء؛ الجميع سيف ذو حدين، ومحاولتهم هي قتل المسلمين، هذه الرسالة هي إرادة الفرقة، وهي إرادة الشيطان؛ لكن رسالة الوحدة هي التغلب على هذه الخلافات والوقوف معًا والعمل معًا”.
إنقاذ لبنان من الحروب الأهلية بدرس الوحدة
يعدّ لبنان من الدول التي شهدت حروباً أهليةً وحروب شوارع في فترات تاريخية عديدة، بسبب تنوع الأديان والمجموعات العرقية.
يعيش في هذا البلد المسلمون، بمن في ذلك الشيعة والسنة، والمسيحيون واليهود والدروز وأديان أخرى، وقد حاولت الدول الغربية وأتباعها دائماً خلق الخلافات بين الأديان والمجموعات العرقية اللبنانية، من أجل إلهاء الشعب وخلق تحديات داخلية لحزب الله باعتباره العدو الأهم للکيان الصهيوني في لبنان، ليتحول لبنان إلى ساحة حروب الشوارع.
ومع تأسيس حزب الله في لبنان عام 1982 مستلهماً الثورة الإسلامية الإيرانية، تبنت هذه الحركة سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في التعامل مع التحديات التي تواجه هذا البلد.
وقد وجّهت هذه الحركة، باعتبارها أهم جماعة معارضة للاحتلال الصهيوني، ضربات موجعة للصهاينة خلال أربعة عقود، ومن ناحية أخرى، وقفت ضد المخططات التقسيمية لهذا الکيان بالتعاون مع الولايات المتحدة والعديد من الدول العربية في المنطقة، ودأبت على تحييد الحروب الأهلية في لبنان بتحذيرات الأمين العام لهذا الحزب السيد حسن نصر الله، معتمدةً على عقيدة الوحدة.
وفي السنوات الأخيرة، لم يسمح السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، رغم الضغوط الغربية والأمريكية لإشعال حرب أهلية في لبنان، بدخول هذا البلد إلى ساحة الحرب الأهلية.
قال السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته عن الصراع المسلح بين العشائر العربية وأنصار حزب الله: “ليس لدينا دماء تهدر، لكننا لن نذهب إلى حيث يريد العدو، لأن العدو يريد أن يدخل حزب الله إلى الميدان، وهذا يعني قراراً ببدء حرب أهلية، هناك أناس يحاولون الحصول على الأسلحة لقتالنا، مؤامرة جرّ حزب الله إلى حرب أهلية بدأت مع اعتقال سعد الحريري رئيس الوزراء الأسبق (عام 2005)، وكان الهدف منها إشعال نار الحرب الأهلية”.
الوحدة كانت العامل الذي أنقذ شعبي العراق وسوريا من “داعش”
بسبب موارده النفطية الهائلة وموقعه الاستراتيجي، تعرض العراق للغزو والاحتلال لعدة عقود بذرائع مختلفة.
يتمتع هذا البلد بتنوع ديني وعرقي وقبلي، وقد غذى الأعداء هذه الاختلافات من أجل تحقيق مخططاتهم، إلا أن الحضور القوي للمذهب الشيعي في العراق، والاعتماد على المرجعيات العليا في النجف والمدن الدينية في هذا البلد، ودعم وتوجيه العديد من العلماء ذوي الصلة بالثورة الإسلامية الإيرانية منذ انتصار الثورة، قد ضيّع العديد من الفرص من الأعداء لخلق الفتنة وحرب أهلية.
وعلى غرار إيران، عقد العراق أيضًا مؤتمرًا للوحدة في السنوات الأخيرة، ففي العام الماضي، وبجهود ديوان الوقف السني العراقي واستخدام تعاليم المذهب الحنيف وتعاليم الرسول(ص)، والتأكيد على الأخوة والوحدة، نظمت عدد من المؤسسات الدينية عشية شهر رمضان المبارك، مؤتمراً دولياً حول الوحدة الإسلامية تحت شعار (المسلم أخو المسلم، نقطة انطلاقتنا لبناء الإنسان والوطن)، للتأكيد على أمر الله ورسوله (ص).
تحييد مؤامرة “داعش” بالوحدة الإسلامية
من الظواهر المشؤومة الناشئة في العالم الإسلامي كإنجاز صهيوني غربي عربي، ظاهرة تسمى “داعش.”
إن الفكر الإرهابي المتطرف لـ”داعش” مستمد من الأفكار السلفية المتطرفة في العالم الإسلامي، وبدأ الأعداء في غرفهم السوداء في خلق مثل هذه الفتنة في العالم الإسلامي، باستخدام هذا التفكير والاختلاف بين الشيعة والسنة، وحسب مسؤولين أمريكيين، فإن هذه المجموعة الإرهابية المرعبة أنشأها المحور الغربي العربي الصهيوني، وتم إنشاؤها لاستهداف الدول المعارضة للکيان الصهيوني.
وجاء في ما كشفه إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، ضد وكالات الاستخبارات في هذا البلد: “الأجهزة الاستخباراتية للولايات المتحدة وإنجلترا والكيان الصهيوني لعبت دوراً في تشكيل تنظيم داعش وشكلت تنظيم داعش في عملية أطلق عليها اسم خلية النحل”.
لکن جبهة المقاومة الإسلامية، التي تستمد من فكرة الوحدة الإسلامية، نظمت نفسها ضد هذه الظاهرة الخطيرة، من خلال حشد المقاتلين من جميع أنحاء البلدان الإسلامية ومن مختلف المعتقدات، من المسلمين والشيعة والسنة إلى المسيحيين والأقليات الأخرى، تحت مظلة المقاومة في العراق وسوريا، بقيادة كبار قادة هذه الجبهة، مثل الشهيد اللواء سليماني، ومن خلال الحفاظ على وحدتهم، حاربوا هذا المشروع الصهيوني وطهروا دولًا مثل العراق وسوريا من أوساخ هذا العامل الخطير والمقسم.
هذه المجموعة التي كانت ظاهرياً وللوهلة الأولى الخصم الوحيد للشيعة، أثبتت عملياً أنهم لم يحققوا شيئاً سوى القتل والاغتصاب والدمار في أي منطقة وصلوا إليها، وخلقوا مشاهد كارثية في المناطق السنية.
في العراق، تؤكد التقارير المتوافرة أن تنظيم “داعش” ارتكب 12 مجزرة كبرى بحق أهل السنة في هذا البلد خلال 8 أشهر فقط، قُتل خلالها ما لا يقل عن 5000 شخص وجُرح عشرات الآلاف.
وفي سوريا، أعلن المركز السوري لحقوق الإنسان أن الصور والمقاطع والمعلومات المنشورة في وسائل الإعلام الإلكترونية المختلفة، بما فيها شبكات التواصل الاجتماعي، تثبت ارتكاب تنظيم “داعش” 1607 جرائم أدت إلى القتل في المناطق السنية.
الطريق الوحيد لإنقاذ فلسطين هو الوحدة الإسلامية
في السنوات الأخيرة، وأكثر من أي وقت مضى، أصبحت قضية فلسطين عاملاً للوحدة بين جميع المسلمين.
وعلى الرغم من تطبيع العلاقات بين بعض الحكومات العربية والکيان الإسرائيلي، فإن المسلمين من جميع الأديان والمذاهب في مختلف البلدان يصرون على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف وزوال الکيان الصهيوني.
وفي هذا الصدد، قال الشيخ ماهر حمود رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة: “إدراكاً لأهمية الوحدة الإسلامية باعتبارها أهم وسيلة لمنع عدوان الکيان الصهيوني، أكدت الثورة الإسلامية دائماً على هذا الشعار واعتبرته أولويةً، وأصبحت مواجهة الکيان الصهيوني نقطة وحدة للمسلمين”.
لقد تزايد تعاون المقاومة الفلسطينية في ظل الوحدة الإسلامية مع فصائل المقاومة الأخرى في المنطقة، بما في ذلك إيران واليمن وحزب الله اللبناني، على مدى عقد من الزمن.
وقد أدى هذا التعاون المتعدد الأطراف إلى نجاح الفلسطينيين وتراجع الکيان الصهيوني في كثير من الحالات، وطالما أن الکيان الصهيوني يريد غزو فلسطين، فإن كل فصائل المقاومة الإسلامية في المنطقة تعلن استعدادها للدفاع عن فلسطين.
الوحدة هي الخيار الوحيد للإنقاذ من الأزمات الخطيرة في أفغانستان وباكستان
توجد في باكستان مجموعة متنوعة من الديانات المختلفة، بما في ذلك الشيعة والسنة والبريلويين والديوبندية وأهل الحديث والوهابيون، وفي السنوات الأخيرة ارتكب التكفيريون والوهابيون أعمالًا إرهابيةً ضد المسلمين الآخرين في هذا البلد.
لكن علماء ونخب باكستان، مستلهمين خطة الإمام الخميني (قدس سره) المبتكرة، قدموا الوحدة الإسلامية باعتبارها الخيار الوحيد للتعايش السلمي، وعملوا على تحقيقها عملياً.
أعلن العلامة السيد ساجد نقوي، أحد زعماء الشيعة البارزين في باكستان، عن الجهود المبذولة لخلق الوحدة الإسلامية في السنوات الأخيرة في باكستان: “عندما كثرت الطائفية، تم إنشاء مجلس التضامن الوطني بجهود الإخوة السنة والشيعة، وشارك فيه الجميع، ومنعت الطائفية، ولأن التحالفات السابقة لم تكن تتدخل في السياسة وكان التحالف في الجانب الديني فقط، خلقت الأحزاب الدينية الكبرى للطوائف الدينية الخمس في باكستان قاعدةً دينيةً وسياسيةً تعمل جميعها من الاتجاه نفسه لخلق أجواء جيدة، واليوم، من ناحية، لا يُكفر من أي مسجد أي مدرسة شيعية، ومن ناحية أخرى، فإن اتحادهم له جانب سياسي، وفي البرلمان تشكلت كتلة كبيرة للعمل الموحد، ورئيس البرلمان أيضاً من هذه الکتلة”.
كما أصبحت أفغانستان ساحة حرب وعنف لأعداء الإسلام لمدة أربعين عاماً، من الاحتلال السوفييتي السابق إلى الدول الغربية وأمريكا؛ وفي ظل خلق خلافات مناطقية وعرقية ولغوية وسياسية، سلبوا موارد هذا البلد وثرواته الهائلة.
وفي ظل انعدام الأمن الذي نشأ في هذا البلد، دمّروا العديد من البنى التحتية في أفغانستان لدرجة أن شعب أفغانستان، سواء العلماء أو الناس العاديين، غادروا هذا البلد للحصول على حياة أفضل.
ولطالما أكدت النخب والعلماء الأفغان داخل البلاد وخارجها، على أهمية الوحدة الإسلامية في تحييد مؤامرات أعداء الإسلام، وقد تمكنوا من وقف العديد من مشاريع الأعداء التقسيمية بإلهام هذه الخطة المبتكرة للوحدة الإسلامية.
كان أحمد شاه مسعود أحد المقاتلين الأفغان الذين كانت أفكارهم مستمدةً من الثورة الإسلامية والنضال ضد الاحتلال، ورأى أن “سر وحدتنا هو الإسلام، تعيش مجموعات عرقية مختلفة في أفغانستان، وفي الماضي أيضًا، كان الإسلام وحده هو الذي ربط هذه الأمم معًا كحلقة سلسلة، واليوم يبقي الإسلام هذه الأمم معًا”.
الوحدة الإسلامية في اليمن
يتعرض اليمن للغزو من قبل التحالف السعودي الأمريكي والصهيوني لأكثر من 8 سنوات، وقد سمحت السعودية بالتعاون مع المرتزقة اليمنيين في بعض مناطق هذا البلد بأي عدوان وعقوبات قاسية على الشعب اليمني المظلوم، باستخدام الخلافات السياسية.
لكن أنصار الله في اليمن، بعد أن تعلموا درس الوحدة الإسلامية من إيران، لم يسمحوا للعدو بتحقيق أهدافه بالاعتماد على هذه النعمة الإلهية، بل أخضعوا هذا التحالف المعتدي ودعوا مراراً وتكراراً إلى وقف مؤقت لإطلاق النار.
وحسب ميدل إيست آي، من الخصائص الاجتماعية لليمنيين التي جعلت من الصعب على السعوديين التقدم في هذا البلد، هو التعايش السلمي بين أتباع المذهبين الشيعي والسني في هذا البلد.
وقد أدى هذا منذ فترة طويلة إلى خلق نوع من الاتفاق الديني بين المذهبين الدينيين الرئيسيين في اليمن؛ لدرجة أن كثيراً من اليمنيين من الزيدية والشافعية يصلون في مساجد بعضهم البعض وخلف أئمة بعضهم البعض، بينما يسعى الأعداء إلى تعميق الانقسامات والخلافات الدينية داخل اليمن، واستغلال التوترات الدينية الداخلية لتحقيق أهدافهم الاحتلالية.
بعد مرور أربعة عقود على تسمية مولد الرسول (ص) بأيام الوحدة الإسلامية، قامت العديد من الدول الإسلامية، إضافة إلى عقد المؤتمرات والاحتفالات بالوحدة، بتطبيق هذا الشعار العظيم بشكل عملي في مجتمعاتها، ورأى المسلمون اليوم عملياً كيف تشكل محور المقاومة الإسلامية في ظل الوحدة، وتجمع أتباع كل الباحثين عن الحرية في العالم، مسلمين وغير مسلمين، تحت راية المقاومة الإسلامية، لدرجة أن الحكام التابعين لجؤوا إلی التطبيع مع الکيان الإسرائيلي، وهو الکيان الذي ينهار من الداخل.
المصدر/ الوقت