جرائم “إسرائيل” في غزة وملف التطبيع مع السعودية
دخلت الحرب بين حماس و”إسرائيل” يومها التاسع منذ يوم السبت 14 تشرين الأول؛ وتستمر الهجمات الإسرائيلية على غزة، ويقدر مكتب المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن عشرات الآلاف من سكان شمال غزة اضطروا إلى الفرار من منازلهم إلى الجنوب بحلول الموعد النهائي الذي حددته “إسرائيل” بأربع وعشرين ساعة.
ووصفت الأمم المتحدة استحالة نقل 1.1 مليون فلسطيني يعيشون في مدينة غزة، وقالت إن الحرب لها قواعد وقوانين، وقد تبنى الاتحاد الأوروبي موقف الأمم المتحدة في هذا الصدد، وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ “استئصال” حماس، وقال إن الهجوم المضاد الذي يشنه الجيش الإسرائيلي ضد حماس قد بدأ للتو، ويقول إن جميع أعضاء حماس يجب أن يعتبروا أنفسهم أمواتاً، لكن ما شاهده العالم آلاف الضحايا والجرحى من الأبرياء. وقطعت “إسرائيل” إمدادات الكهرباء والمياه عن غزة، وأغلقت طريق تزويدها بالوقود، ويخضع قطاع غزة الذي يسكنه نحو مليوني نسمة لحصار كامل، ما يؤثر بشكل كبير على ملف التطبيع السعودي.
توقف محادثات التطبيع
في الوقت نفسه الذي زار فيه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرياض، أعلنت السعودية بوضوح أنها ستوقف محادثات تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وكانت وسائل الإعلام السعودية مؤخرا، أفادت بأن المملكة العربية السعودية ليست على عجلة في أمرها في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” بمبادرة أمريكية خاصة في ظل الإجرام الإسرائيلي المفرط بحق الفلسطينيين.
وقبل الحرب الإسرائيلية على غزة أوضحت صحيفة “الرياض” السعودية، وتحت عنوان “سلام مختلف”، حيث تم التأكيد على أن عمليات التفاوض حول القضايا والملفات المهمة ستستغرق وقتًا طويلاً حتى يتم التوصل إلى نقاط التقاء بين الأطراف المشاركة، وربما تحتاج إلى مزيد من الوقت من المتوقع، وبهذا، تعكس هذه التصريحات استراتيجية السعودية التي تؤكد على أهمية البحث في القضايا الحساسة والتوصل إلى تفاهمات شاملة قبل إجراء أي تطورات في العلاقات الإقليمية، وأكدت الصحيفة أيضًا أن عملية التفاوض من أجل إقامة علاقات مع تل أبيب ستمر بمراحل متعددة، مع وجود مسار آخر يهدف إلى إعداد الأرضية المناسبة لضمان أن أي اتفاق محتمل يكون مبنيًا على أسس واضحة وشفافة، حيث سيكون لكل طرف دوره والالتزامات التي عليه تحملها في حال تحقيق الاتفاق.
ويأتي الموقف السعودي نتيجة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة، بعد تأكيد البيت الأبيض في وقت سابق من استمرار المفاوضات التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية، في وقت تشير بيانات مسؤولين سعوديين وإسرائيليين إلى أن اتفاق التطبيع بين السعودية و”إسرائيل” كان يقترب من التحقق لولا جرائم العدو في غزة، ناهيك عن أنه لا تزال هناك عقبات سياسية وأمنية ودبلوماسية تعترض هذه الخطوة التاريخية في منطقة الشرق الأوسط.
وقد أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” مؤخرا أن المحادثات تتقدم يوماً بعد يوم نحو تحقيق نتائج قد تعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية أصبحتا على أعتاب “سلام تاريخي”، لكن جنايات الكيان في غزة قلبت الموازين.
وقبل الحرب الإجرامية للكيان على قطاع غزة، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يتطلع إلى التوصل إلى اتفاق قبل انتخابات الرئاسة القادمة، وفقًا لمسؤولين مطلعين على المحادثات.
وأكد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، أن الجانبين قاما بوضع هيكلية أساسية تمهيدًا للتقدم في الاتجاه المنشود.
وأشار إلى أنه تم التوصل إلى إطار أساسي يمكن أن يكون أساسًا لاتفاق مستقبلي، ولكنه لم يقدم تفاصيل إضافية حول هذه الهيكلية أو الاتفاق المحتمل، لكن كل ذلك قد تغير الآن.
واستمرت التصريحات التحفيزية من البيت الأبيض لمدة طويلة وتحدثت أن هناك تقدمًا يتم تحقيقه في عمليات التفاوض بين الكيان والمملكة العربية السعودية، وأن هناك جهودًا مستمرة لتطوير إطار أساسي لأي اتفاق مستقبلي بين الطرفين، وتم تقديم معلومات تفيد بأن السعودية تهدف إلى التوصل إلى اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة يلزمها بالدفاع عن المملكة، وفي مقابل ذلك، تنوي السعودية النظر في تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
وحسب هذه المصادر، فإن السعودية لن تعطل الاتفاق حتى في حال عدم تقديم الكيان تنازلات كبيرة للفلسطينيين من أجل إقامة دولة مستقلة لهم، لكن كل ما جرى الحديث عنه بات من الماضي اليوم.
وإضافة إلى ذلك، أفاد مسؤول إسرائيلي كبير، وفقًا لموقع “i24 news” الإسرائيلي قبل أيام، بأنه تم التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو يشمل الاحتفاظ بـ “خيار حل الدولتين” كجزء من اتفاق شامل لتطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”.
وتشير تقارير إلى أن البيت الأبيض يسعى إلى دفع “إسرائيل” إلى تقديم تنازلات للفلسطينيين بهدف الحصول على دعم أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين لصفقة قد تشمل تحالفاً دفاعياً بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ما كانت شروط السعودية للتطبيع؟
حتى الآن، لم تعلن السعودية شروطًا رسمية ومفصلة للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومع ذلك، هناك بعض التوجهات والتكهنات التي قد تسلط الضوء على الشروط المحتملة، يجب ملاحظة أن هذه التوجهات والتكهنات تعتمد على تحليلات وتقارير وسائل الإعلام وليست مؤكدة بشكل رسمي، وتاريخيًا، ألقت السعودية باللوم على الكيان الإسرائيلي لعدم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم تحقيق حقوق الفلسطينيين.
وأكدت على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل بين الجانبين قبل أي تطبيع، ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن هناك بعض التغيرات في الموقف السعودي في السنوات الأخيرة.
ومن المحتمل أن تشتمل شروط السعودية المحتملة على ضرورة إنشاء دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، مع القدس الشرقية كعاصمة لها، وقد يكون السلام العادل والشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو شرط رئيسي للتطبيع، يمكن أيضًا أن تشمل الشروط المحتملة مساعدة دولية لإعمار قطاع غزة وتحسين وضع اللاجئين الفلسطينيين، ويجب مراقبة المستجدات والإعلانات الرسمية من السعودية و”إسرائيل” لمعرفة الشروط النهائية لأي اتفاق تطبيع محتمل بينهما.
ومن ناحية ثانية، قد تصر السعودية على ضرورة التوصل إلى حل عادل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة، قد تشترط السعودية وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وسحب المستوطنين الإسرائيليين من تلك المناطق، وقد تشدد السعودية على ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال توفير ضمانات أمنية لكل الأطراف المعنية.
وإضافة إلى ذلك، قد تطلب السعودية تقدمًا في العلاقات العربية والتوافق الإقليمي قبل الاعتراف الكامل بكيان الاحتلال، ويتمثل ذلك في تعزيز العلاقات مع الدول العربية الأخرى وتعزيز التعاون الإقليمي في مجالات متعددة، وتجب مراعاة حساسية هذا الملف في الشارع السعودي، حيث يمكن أن يكون التطبيع موضوع نقاش عام ومهم، وتلك هي بعض التوجهات المحتملة التي يمكن أن تؤثر على شروط السعودية المحتملة للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي. ويجب أن ننتظر لرؤية كيفية تطور المحادثات والتفاصيل الرسمية من قبل الجانبين لمعرفة الشروط النهائية لأي اتفاق.
الخلاصة، لا تطبيع بعد حرب “إسرائيل” الوحشية على غزة، وقد توقع سابقا وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عدم وجود مسؤول فعلي متمركز في القدس وعدم تقديم أي تنازلات كبيرة للفلسطينيين في إطار اتفاق للتطبيع مع السعودية، وتشير حكومة “إسرائيل” اليمينية المتشددة إلى عدم إمكانية تقسيم القدس وتقليل الوضع الراهن الذي تعتبر فيه القدس عاصمة غير قابلة للتجزئة. ويقول كوهين إن التعيين الجديد للسفير السعودي يهدف في الأساس إلى إيصال رسالة إلى الفلسطينيين بأن السعودية لم تنسَهم، وذلك في سياق المحادثات الأمريكية السعودية الإسرائيلية والتقدم الذي تم فيها، وتعكس هذه التصريحات المواقف المتباينة والتوترات السياسية المحيطة بالعملية الحالية في المنطقة والصعوبات التي تواجهها لتحقيق التوافق بين الأطراف المعنية، إذ يظهر أن هناك اختلافات كبيرة في الآراء والمواقف بين الجانبين، وهو ما يجعل العملية التفاوضية أكثر تعقيدًا وصعوبة في التقدم نحو اتفاق شامل، وخاصة بعد الدم الذي أزهقه الكيان ومازال.
المصدر/ الوقت