التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

“طوفان الأقصى” وتأثيراتها على ملف التطبيع 

تصريحات إيران بأن “الكيان الصهيوني يجب أن يرحل” اكتسبت الموضوعية أكثر فأكثر في الفترة الماضية، وجعلت بعض القادة يفهمون أن الاعتماد على العلاقات مع تل أبيب مثل الاعتماد على حبل فاسد في قاع البئر، ولم تمض سنوات قليلة على الصورة الجماعية لرؤساء العديد من الحكومات العربية في المنطقة ودونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة، وتضمن اتفاق “إبراهيم” بيانا مشتركا للكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، كما تم استخدام هذه الاتفاقية للإشارة بشكل عام إلى اتفاقيات السلام، على التوالي، اتفاقية السلام بين الکیان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة واتفاقية تطبيع العلاقات بين البحرين والكيان الصهيوني، وأقيم حفل التوقيع على اتفاقيات إبراهيم في البيت الأبيض في 15 سبتمبر 2020.

مسار التطبيع قبل طوفان الأقصى

بعد التوقيع على هذا الاتفاق، قال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك بومبيو إنه يأمل في أن ينضم الفلسطينيون إلى الولايات المتحدة ويلتزمون بمفاوضات جادة مع “إسرائيل”، وعند توقيع الاتفاق، قال ترامب إن خمس دول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، يمكن أن تصنع السلام قريبًا، على الرغم من أن السودان وسلطنة عمان مرشحان أفضل على المدى القصير، وكانت الإمارات والبحرين من رواد اتفاق تطبيع العلاقات المعروف باتفاقيات إبراهيم، وفي السابق، أعلنت مصر والأردن عن علاقاتهما مع النظام الصهيوني في عامي 1979 و1994 على التوالي.

ولكن، غيرت معركة “طوفان الأقصى” مستقبل مشروع التطبيع مع الصهاينة، ويعود تاريخ التعاون الاستخباراتي السعودي مع النظام الصهيوني إلى عدة عقود حسب اتهامات البعض، وهذه العلاقات تتعمق يوما بعد يوم حسب تقارير إعلامية، وفي السنوات الأخيرة، ومع إصدار اتفاق إبراهيم، أصبحت قضية التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني أكثر بروزاً في الأوساط الإعلامية والسياسية والدولية، بدأت علاقات “إسرائيل” مع السعودية بالتعاون الأمني ​​والاستخباراتي، بما في ذلك سفر المواطنين الإسرائيليين بجوازات سفر غير إسرائيلية .

وقبل أيام قليلة من انطلاق عملية عاصفة الأقصى، تحدث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن أهمية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وحسب صحيفة الشرق الأوسط، قال بن سلمان: إن الرياض تقترب كل يوم من تطبيع العلاقات مع تل أبيب، لكن بشرط تحقيق أهداف الفلسطينيين، وبالطبع، بعد عملية اقتحام الأقصى، نُشرت أخبار كثيرة حول تعليق عملية التطبيع بين السعودية وتل أبيب، وحتى أن بعض المسؤولين السعوديين أكدوا هذا الخبر، ولقد تم تطبيع العديد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني خلال هذه السنوات، بينما بقية الدول العربية ضد أي تسوية مع الكيان الذي اغتصب القدس.

ونظراً لانعدام الشعبية والشرعية لدى الحكومات في بلادهم كما تقول صفحات التواصل، يضطر حكام المنطقة العرب إلى الاعتماد على القوى الاستعمارية مثل أمريكا والكيان الصهيوني من أجل الحفاظ على سياساتهم، وفي هذا الصدد، وبينما كانت آلة تطبيع علاقات عدة دول عربية مع الكيان الصهيوني تتجه نحو تل أبيب، فإن هذا النظام المزيف يعاني من أزمات داخلية خطيرة في السنوات الأخيرة، “الأزمة” و”انفلات أمني غير مسبوق” و”الانتفاضة” و”الحرب الأهلية” و”الانفجار الاجتماعي” و”الانهيار” وهذه كلمات دخلت الأدب الإعلامي للكيان الصهيوني بشكل غير مسبوق منذ عدة أشهر، كما أن المحللين قد يكونون قادرين على تحليل الوضع “وصف” و”شرح” الوضع الذي وقع فيه هذا الكيان.

وفي السنوات الأخيرة، أجريت 5 انتخابات في الكيان الصهيوني، ما يعني سقوط 5 حكومات، وقال إسحق هرتسوغ، رئيس الكيان الصهيوني، العام الماضي ردًا على الأزمة الداخلية في هذا النظام: “أتوسل إليكم.. الجميع في إسرائيل يشعرون أن الوضع يشبه برميل بارود ويتجه نحو صراع داخلي حاد”، أشعر أن الأمر جدي “إننا نقترب من صراع شرس”، كما صرح ” رونين مانليس “، المتحدث السابق باسم جيش النظام الصهيوني، في هذا الصدد: إن الوضع الحالي لـ”إسرائيل” هو الأسوأ الذي شهدته خلال العشرين عامًا الماضية.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت عشرات المدن من شمال فلسطين المحتلة إلى جنوبها، بما في ذلك تل أبيب وحيفا والقدس المحتلة وبئر الصباح وريشون لتسيون وهرتسليا، مظاهرات ضد حكومة نتنياهو المتطرفة، حول حق الحكومة في مشروع قانون التغييرات في النظام القضائي، وفي هذا الصدد حذر رئيس أركان الجيش الصهيوني هرتسي هولواي من أن حالة الخلافات والاستقطاب بين الصهاينة ستمتد إلى الجيش أيضًا، وقال في هذا الشأن: إن الانقسام السياسي الحالي في “إسرائيل” سيمتد إلى الجيش وسيتعمق، وإذا استمر هذا الوضع، فسوف ينتشر نوع من الصراع والانقسام إلى الجيش نفسه.

الآن، السؤال الأساسي هو هذا؛ كيف يمكن لبعض الزعماء العرب أن يسعدوا ويعتمدوا على علاقاتهم مع كيان يتعامل مع مثل هذه الأزمات العميقة داخليا، ورغم امتلاكه الجيش الأكثر تجهيزا في العالم، إلا أنه غير قادر على التعامل مع عدة فصائل مقاومة؟!، في السنوات الأخيرة، ذكرت طهران مرارا وتكرارا في خطابات مسؤوليها المختلفة أن الكيان الصهيوني يتدهور ويدمر.

مستقبل مشروع التطبيع مع الاحتلال

إن مقامرة التطبيع مع الكيان الصهيوني أشبه بالرهان على حصان خاسر، محكوم عليه بالخسارة، لأن الفصائل الفلسطينية اليوم أكثر حيوية وجاهزية من ذي قبل، وهي كذلك دائما والنظام الغاصب يرحل ويزول حسب الوقائع، والرأي الأكيد لمعارضي التطبيع هو أن الحكومات التي تتخذ مقامرة التطبيع مع الكيان الصهيوني نموذجاً لعملها ستخسر؛ لأن هذا الكيان إلى زوال وهم يراهنون على ورقة خاسرة.

ويعتبر الكثير من المقاومين أن الشباب الفلسطيني والحركات أو الفصائل الفلسطينية المناهضة لاغتصاب الأرض والقمع أكثر حيوية ونشاطا واستعدادا من أي وقت مضى وتؤتي ثمارها أكثر فأكثر، ورغم أن دول المنطقة تعتبر الكيان سرطاناً، فإن هذا الكيان يمحى على يد الشعب الفلسطيني الذي يباد في أرضه ولن تستطيع أي قوة بالعالم استئصال قوى مقاومة الاحتلال في فلسطين.

وسبق أن ذكر محللون علامات تراجع النظام الصهيوني، حيث إن السلطات نفسها تحذر تباعا من أن الانهيار قريب، ويقول الرئيس ورئيس الوزراء السابق ووزير دفاعهم إننا لن نبلغ الثمانين من العمر، قلنا إنهم لا يرون عيد ميلادهم الخامس والعشرين، لكنهم سارعوا ويريدون المغادرة عاجلاً.

والآن، وبعد مرور أيام قليلة على بداية “عاصفة الأقصى”، توقفت العديد من مخططات الزعماء العرب والغربيين والأمريكيين للترويج لمؤامرة جديدة في المنطقة وتطوير التطبيع، المسؤولون السعوديون الذين كانوا يقولون إن لديهم علاقات وثيقة مع الكيان الصهيوني قبل هذه العملية، تراجعوا في تصريحاتهم الأخيرة عن مواقفهم السابقة بشأن التطبيع، ولو ظاهريا، حتى أنهم عارضوا الطلب الأمريكي بإدانة “حماس”.

وذكر موقع أكسيوس الأمريكي نقلا عن مسؤول أمريكي أن السعودية وعددا من الدول العربية التي تربطها علاقات رسمية مع “إسرائيل” رفضت طلب واشنطن بإدانة حماس بعد عملية اقتحام الأقصى، كما أفادت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية ووسيلة الإعلام السعودية بوست بأن المملكة العربية السعودية أبلغت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنها ستنهي جميع المفاوضات لتطبيع العلاقات مع تل أبيب.

وبعد إنذار القيادة الأمريكية الأخير لعدة دول عربية بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني وبدء عملية “عاصفة الأقصى”، يبدو أنه اعتبارا من هذا التاريخ ستواجه عملية تطبيع القادة العرب مع العدو الصهيوني المزيف العديد من التحديات؛ أي التحديات التي ظهرت منذ بداية عملية اقتحام الأقصى.

وحسب خبراء دوليين، فإن مستقبل التطبيع أكثر قتامة من الماضي، ولن تتقدم عمليته ليس فقط على المدى القصير، بل حتى على المدى المتوسط، كما أن عملية اقتحام الأقصى غيرت الكثير من المعادلات في مجال تطبيع العلاقات بين القادة العرب والصهاينة.

بزيارة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى الرياض، أعلنت المملكة العربية السعودية بوضوح عزمها وقف محادثات تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وعلى ضوء الأحداث الأخيرة والإجرام الإسرائيلي الواضح تجاه الفلسطينيين، أشارت وسائل الإعلام السعودية إلى أن السعودية ليست على عجلة فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وأن هناك مبادرة خاصة تقترحها الولايات المتحدة.

قبل اندلاع الحرب في غزة، نشرت صحيفة “الرياض” السعودية مقالًا بعنوان “سلام مختلف”، حيث أكدت أن عمليات التفاوض حول القضايا الحساسة ستستغرق وقتًا طويلاً قبل أن تتمكن الأطراف المشاركة من التوصل إلى نقاط التقاء، وقد أشارت إلى أن هذه العملية قد تحتاج إلى مزيد من الوقت لتحقيق تفاهمات شاملة.

هذه التصريحات تعكس استراتيجية السعودية التي تؤكد على أهمية التركيز على القضايا الحساسة وتحقيق تفاهمات شاملة قبل أي تطور في العلاقات الإقليمية، كما أشارت الصحيفة إلى أن عملية التفاوض نحو إقامة علاقات مع “إسرائيل” ستمر بمراحل متعددة، مع وجود مسار آخر يهدف إلى تهيئة الأرضية المناسبة لضمان أن أي اتفاق محتمل سيكون قائمًا على أسس واضحة وشفافة، وسيضع لكل طرف دوره والالتزامات التي عليه أن يتحملها إذا تم التوصل إلى اتفاق.

الموقف السعودي يأتي نتيجة للجرائم التي تقوم بها “إسرائيل” في قطاع غزة، وسبق للبيت الأبيض أن أكد في وقت سابق استمرار المفاوضات الهادفة إلى تحقيق تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وكيان الاحتلال الإسرائيلي.

بايدن يخسر ورقة رابحة

قبل الحرب الإجرامية التي شنها الكيان على قطاع غزة، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى إلى التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، وفقًا لمسؤولين موثوقين بالمحادثات، وأكد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، أن الجانبين قد وضعا هيكلية أساسية تمهيدًا للتقدم في الاتجاه المرجو، وشدد على أنه تم التوصل إلى إطار أساسي يمكن أن يكون أساسًا لاتفاق مستقبلي، ولكنه لم يقدم تفاصيل إضافية حول هذه الهيكلية أو الاتفاق المحتمل، ومع ذلك، تبدو الأمور قد تغيرت الآن.

وتم استمرار التصريحات المحفزة من البيت الأبيض لفترة طويلة، حيث أشير إلى وجود تقدم في عمليات التفاوض بين الكيان والمملكة العربية السعودية، وتم التأكيد على وجود جهود مستمرة لوضع إطار أساسي لأي اتفاق مستقبلي بين الجانبين، كما تم تناول معلومات تشير إلى رغبة السعودية في التوصل إلى اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة يلتزم فيه الأمريكيون بالدفاع عن المملكة، بالمقابل، كانت هناك نيّة لدى السعودية للنظر في تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وبناءً على هذه المصادر، كانت السعودية تستعد للمضي في الاتفاق حتى في حالة عدم تقديم الكيان تنازلات كبيرة لمصلحة الفلسطينيين لتحقيق إقامة دولة مستقلة لهم.

لكن الأمور قد تغيرت بشكل كبير اليوم، وتصاعدت التوترات بين الكيان والسعودية عقب الهجمات الإجرامية على غزة، ما أدى إلى تعثر هذه الجهود السابقة وجعلها جزءًا من الماضي، إضافة إلى ذلك، أورد مسؤول إسرائيلي كبير في تقرير لموقع “i24 news” لإسرائيلي قبل عدة أيام، أنه تم التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، والذي يتضمن الاحتفاظ بـ “خيار حل الدولتين” كجزء من اتفاق شامل لتطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”.

وتشير التقارير إلى أن البيت الأبيض يسعى إلى دفع “إسرائيل” إلى تقديم تنازلات للفلسطينيين بهدف الحصول على دعم أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين لصفقة ممكنة، والتي قد تتضمن تشكيل تحالف دفاعي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق