خلاف بين بغداد وأربيل حول السيطرة على “مخمور”
على الرغم من تنامي مؤشر التعاون السياسي والاقتصادي بين إقليم كوردستان والحكومة المركزية في العراق في الأشهر الأخيرة، إلا أن الخلافات الأمنية لا تزال تلقي بظلالها على العلاقات بين الجانبين.
وفي هذا الصدد، وقعت، الأحد، اشتباكات طفيفة بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة نتيجة خلاف على السيطرة على نقاط حراسة قرب مخيم مخمور للاجئين الأكراد.
وقالت بعض المصادر العراقية: إن قوات البيشمركة الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني حاولت استعادة السيطرة على المنطقة، ما أدى إلى وقوع اشتباكات، وقتل في هذه الاشتباكات جنديان عراقيان وواحد من البيشمركة، وأصيب 6 جنود عراقيين و5 من البيشمركة.
وقالت مصادر عسكرية وقوات البيشمركة: إن الاشتباكات استمرت لنحو ساعتين قبل أن تهدأ فيما يحاول قادة الطرفين نزع فتيل التوتر.
لكن مصادر عسكرية قالت إن الجانبين يرسلان تعزيزات إلى المنطقة، ووصفت الوضع بالهش، وقالت ثلاثة مصادر عسكرية عراقية إن قوات الجيش لا تزال تسيطر على المناطق الجبلية.
وبدأت هذه الاشتباكات بعد إخلاء عناصر حزب العمال الكردستاني “PKK” الإرهابي مواقعهم قرب مدينة مخمور، السبت، وبعد إعلان انسحاب قوات حزب العمال الكردستاني من مخمور، توجهت قوات الفرقة 14 في الجيش العراقي لسد الفراغ الأمني المنتشر في هذه المناطق، إلا أن قوات البيشمركة تطالب أيضاً بحقها في أراضي هذه المنطقة.
ومخيم مخمور منطقة جبلية تبعد نحو 70 كم جنوب شرق الموصل و60 كم جنوب غرب أربيل، ويعيش فيه أكثر من 12 ألف نسمة. ومخمور هي جزء من الأراضي التي تطالب بها كل من بغداد وإقليم كردستان، وكانت المنطقة نقطة خلاف بين الجانبين لسنوات، حيث سعى الأكراد إلى ضم محافظة كركوك الغنية بالنفط ومناطق أخرى إلى إقليم كردستان، وهي خطوة عارضتها الحكومة العراقية بشدة.
ووقعت اشتباكات مسلحة سابقة بين الجيش والأكراد في مخمور عام 2017، عندما شنت القوات الحكومية العراقية هجوما مفاجئا على المنطقة ردا على استفتاء استقلال إقليم كردستان.
وقد استهدفت مخمور، التي كانت مقرًا لحزب العمال الكردستاني، من قبل الطائرات الحربية التركية عدة مرات في السنوات الأخيرة، وتحاول الحكومة المركزية منعها من أن تصبح مكانًا للصراع بين الجماعات الكردية والجيران من خلال السيطرة على هذه المنطقة.
أربيل وبغداد تسعيان لخفض التوتر
وعلى الرغم من الاشتباكات البسيطة، يبدو أن التوتر بين الجانبين قد انخفض، ويحاول قادة بغداد وأربيل أيضًا نزع فتيل هذا الصراع، وفور بدء القتال أمر رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق والتحقيق في ملابسات الحادث على أعلى مستوى وتحديد الملابسات وعدد الضحايا.
وأكد السوداني في بيان له: “على كل القادة والمسؤولين على المستويات كافة، سواء من الحكومة الاتحادية أو من البيشمركة، ضبط النفس والتصرف بشكل مسؤول، وإعطاء الأولوية للمصالح العليا، وتعزيز المصالح المشتركة، وتفويت الفرصة على أعداء العراق”.
كما أعرب رئيس الأركان المشتركة في وزارة البيشمركة عن أسفه لهذا الحادث في بيان نشره اليوم الاثنين، قائلاً: “نؤكد التزامنا بالتعاون مع حكومة بغداد من أجل التوصل إلى حل جذري ومستدام في القضايا العالقة، وهو أسلوب من شأنه أن يحقق الأمن والاستقرار في عموم العراق، ونحن نؤيد نهجها في إجراء تحقيق سريع”.
وبموجب الاتفاقيات الأمنية بين العراق وإيران لإخراج الجماعات الانفصالية الكردية من حدود البلدين، تم إسناد مهمة إرساء الأمن في المناطق التي كانت في السابق تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني والجماعات الإرهابية الأخرى إلى الجيش، كما أن هناك اتفاقيات في هذا المجال تمت بين زعماء بغداد وأربيل.
ووسعت حكومتا بغداد وأربيل التعاون العسكري بين الجيش العراقي والبيشمركة فيما يتعلق بقضايا الحدود والفجوات الأمنية في المناطق المتنازع عليها عن طريق إدارتها بين الجانبين، وخاصة منطقتي كركوك ونينوى شمال البلاد، لكن الخلافات لا تزال قائمة حول المناطق الحدودية، التي تعرف الآن بمناطق “الخط الأخضر”، وهي الحدود الإدارية بين الإقليم الكردي وبقية المحافظات العراقية الواقعة تحت سيطرة بغداد.
وتوصف الخلافات في هذه المجالات بأنها “مزمنة”، وتنطلق بين الحين والآخر دعوات لإجراء تعديلات دستورية لضمان إنهاء الأزمة الأمنية، لكنها فشلت حتى الآن في التوصل إلى حل موضوعي.
وهذه الحادثة الأولى من نوعها منذ التعاون العسكري بين بغداد وأربيل والتعاون المشترك لتنفيذ عمليات عسكرية في المناطق المتنازع عليها، وتزايد التعاون بين حكومة السوداني وأربيل في العام الماضي، وتم التوصل إلى تفاهمات بشأن موازنة الحكومة الاتحادية، حيث كانت هناك خلافات بين الجانبين، وسيستمر هذا التعاون في القضايا الأمنية.
الدور الأمريكي
ما لا شك فيه أن أي فوضى وانفلات أمني داخل العراق يشكل فرصة لأمريكا لتنفيذ مخططاتها الشريرة من خلال ركوب موجة التطورات في هذا البلد، ودارت الاشتباكات بين الأكراد والجيش العراقي في ظل الظروف التي شهدتها الأيام الأخيرة، من استهداف مجموعات الحشد الشعبي، ردا على جرائم النظام الصهيوني في غزة ودعم شعب فلسطين المظلوم، القواعد الأمريكية “عين الأسد وحرير وفيكتوريا” في العراق و”التنف وكونيكو وميدان العمر النفطي ” في سوريا عدة مرات، ما أثار قلق مسؤولي البيت الأبيض.
ولهذا الغرض، وبالنظر إلى سجلات الوجود الأمريكي في العراق، فإن الصراع بين الأكراد والجيش هذه المرة سيوفر مساحة لواشنطن للصيد في المياه العكرة، لأن الاشتباك بين الجيش والأكراد يتسبب في إرسال قوات الحشد الشعبي إلى مناطق الصراع كضامن لأمن العراق، كما أن تورط قوى المقاومة في الصراع الداخلي يتسبب في بقاء القواعد الأمريكية في المنطقة أكثر أمنا، ووفقا للتقارير، توجه عدد من قوات الحشد الشعبي إلى منطقة الصراع في محافظة نينوى لمنع نشوب صراعات جديدة.
لذلك، ليس من المستبعد أن يكون تأجيج الصراع بين الأكراد وقوات الجيش في الظروف الحالية من عمل الأمريكيين لتحويل انتباه الحشد الشعبي عن التعامل مع الحرب في غزة، وحقيقة تأكيد السوداني أنه مع انتهاء التوترات في مخمور، سيغتنم الجيش وقوات البيشمركة الفرصة لتحسين مستوى التنسيق، ويدل على أن الأمريكيين يتربصون لاستغلال مثل هذه الصراعات، ويسعى مسؤولو البيت الأبيض منذ سنوات إلى إضعاف جماعات المقاومة في العراق ويعتبرون صعود هذه الجماعات تهديدا لوجودهم على المدى الطويل في هذا البلد ويضغطون دائما على الحكومة المركزية لتخفيض ميزانية الحشد الشعبي وإخراجهم من الجيش، وهذه التحركات باءت بالفشل حتى الآن.
وخلافاً لرغبة واشنطن، فإن فصائل المقاومة، إضافة إلى وجودها في المجال الأمني، اكتسبت المزيد من القوة في المجال السياسي العراقي، وهي الآن تعتبر الضامن لأمن العراق واستقراره السياسي، وتزداد شعبيتها يوما بعد يوم.
المضدر/ الوقت