التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

انتصار غزة في حرب القرارات الدولية 

بعد عدة محاولات فاشلة من مختلف الدول لإصدار قرار في مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن وقف هجمات الکیان الصهيوني على غزة وتثبيت وقف إطلاق النار، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً على مشروع القرار العربي لوقف العنف في قطاع غزة يوم الجمعة الماضي، ويدعو هذا القرار إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري ودائم ومستدام يؤدي إلى وقف الأعمال العدائية” ويدعو جميع الأطراف إلى تنفيذه على الفور، وتمت الموافقة على قرار الجمعية العامة الداعم لفلسطين بأغلبية 120 صوتًا مقابل 14 صوتًا وامتناع 45 عضوًا عن التصويت، ورفض القرار بشدة أي محاولة لنقل المدنيين الفلسطينيين قسراً. ودعا هذا البيان إلى إلغاء الأمر الذي أصدره الکیان الصهيوني للمدنيين الفلسطينيين وموظفي الأمم المتحدة، وكذلك العاملين في المنظمات الإنسانية والطبية، بإخلاء كل مناطق شمال غزة ونقلهم إلى الجزء الجنوبي من القطاع.

كما دعا القرار إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المدنيين المحتجزين وطالب بأمنهم ورفاههم ومعاملتهم الإنسانية وفقا للقانون الدولي.

وشدد البيان على الحاجة الملحة إلى إنشاء آلية لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين وآلية إخطار إنساني لضمان حماية قوات الأمم المتحدة وجميع المرافق الإنسانية وضمان حركة قوافل المساعدات دون عوائق.

وفي هذا القرار، أعربت الجمعية العامة عن قلقها العميق إزاء الوضع الإنساني الكارثي في ​​غزة وعواقبه الوخيمة على السكان المدنيين، والذين معظمهم من الأطفال.

ويتمحور مشروع القرار الذي صاغه الأردن وترعاه نحو 40 دولة، على الوضع الإنساني في غزة ويطالب خصوصا بتوفير الماء والغذاء والوقود والكهرباء “فورا” و”بكميات كافية” ووصول المساعدة الإنسانية “من دون عوائق”.

ويندد النص أيضا “بكل أعمال العنف الموجهة ضد المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين ولا سيما الأعمال الإرهابية والهجمات العشوائية”، ويعرب عن “قلقه الشديد من التصعيد الأخير في العنف منذ هجوم السابع من أكتوبر” من دون أن يذكر حركة حماس صراحة.

وأثار هذا الأمر غضب السفير الإسرائيلي جلعاد أردان الذي اعتبر، الخميس، أن مكان هذا النص “في مزبلة التاريخ”، وعقب إقراره، الجمعة الماضية، وصف أردان القرار بأنه “مشين”، مخاطبا من أيدوا القرار “عار عليكم”، وقال أردان: “إنه يوم مظلم للأمم المتحدة والإنسانية”، مؤكدا أن “إسرائيل” ستواصل استخدام “كل السبل” المتاحة لها بهدف “إنقاذ العالم من الشر الذي تمثله حماس” و”إعادة الرهائن” الذين تحتجزهم الحركة في القطاع.

من جهته، حذر وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، الجمعة، من أن شن “إسرائيل” هجوما بريا على قطاع غزة سيؤدي إلى “كارثة إنسانية ذات أبعاد تمتد لسنوات”، ووجه الصفدي تحذيره عبر “إكس” قبل التصويت على مشروع القرار مؤكدا أن “النتيجة ستكون كارثة انسانية ذات أبعاد تمتد لسنوات قادمة”.

عزلة “إسرائيل” عن العالم

وعلى الرغم من أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزم، إلا أن كمية الأصوات الإيجابية للدول في مثل هذه القرارات يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على علاقات أعضاء الأمم المتحدة مع تل أبيب.

إن اعتماد القرار بأغلبية 120 صوتا ضد جرائم الکیان الصهيوني كان أمرا غير مسبوق ويظهر أن هذا الکیان أصبح أكثر مكروها ومعزولا في النظام الدولي.

ورغم أن الکیان الصهيوني تمكن من احتلال العديد من الأراضي الفلسطينية بالقوة خلال الـ 75 عاما الماضية، إلا أنه لم يتمكن من اكتساب الشرعية لنفسه في الساحة الدولية، وأصبح أكثر عزلة مع توسع احتلاله للأراضي الفلسطينية، وقد أثار ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، هذه القضية في عام 1971. وحسب صحيفة العربي الجديد، قال بن غوريون حينها: “نحن شعب يعيش في عزلة، جيراننا القريبون منا جغرافيًا وحتى من حيث العرق واللغة هم للأسف أسوأ أعدائنا”، كما اعترفت رئيسة الوزراء الصهيونية السابقة غولدا مائير بهذه القضية وكتبت في مذكراتها: “ليس لدينا عائلة هنا ولا أحد يشاركنا ديننا أو لغتنا أو ماضينا، ويبدو أن العالم كله قد اجتمع ضدنا”.

والآن أصبحت اعترافات القادة الصهاينة السابقين حقيقة واقعة، وأظهر صدور القرارات المناهضة للصهيونية أن هناك اتجاها عميقا ومتناميا في المشهد الدولي يتناقض تماما مع الکیان الفصل العنصري الإسرائيلي وسياساته الإرهابية ضد المدنيين الفلسطينيين.

وخلال العقود الماضية، كان الاشمئزاز والكراهية تجاه الکیان الصهيوني يقتصر فقط على الدول التي تدعم الشعب الفلسطيني، لكن القرار الأخير أظهر أن اتجاه التضامن مع الفلسطينيين والميل إلى انتقاد الصهاينة قد اتسع، وأن الدول التي اعتمدت في السابق مواقفها الاسترضائية تجاه “إسرائيل” كانت معروفة، والآن غيرت مواقفها وأصبحت في مقدمة الداعمين للفلسطينيين، والأحداث الأخيرة والتصويت في الجمعية العامة تظهر هذه الحقيقة.

إن جرائم تل أبيب في غزة كارثية لدرجة أنه حتى الدول الغربية، بما فيها إنجلترا وألمانيا وكندا، التي دعمت الاحتلال علناً، رفضت التصويت ضد هذا القرار، وصوتت فرنسا أيضاً في خطوة نادرة مع هذا القرار، ومن بين الدول الـ14 التي صوتت ضد القرار، كان معظمها من دول “تحت بونيز”، التي اضطرت إلى دعم الصهاينة تحت الضغط والجشع الأمريكي.

وأظهر صدور القرار في الجمعية العامة أن السبب الرئيسي لعجز مجلس الأمن عن منع استمرار جرائم الکیان ضد المدنيين في غزة هو الفيتو الأمريكي.

منذ بداية المواجهات بين فصائل المقاومة الفلسطينية والإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يتمكن مجلس الأمن الدولي من إصدار أي قرار لتثبيت وقف فوري لإطلاق النار، ورفضت الولايات المتحدة مشاريع القرارات التي قدمتها روسيا والبرازيل تحت مظلة الأمم المتحدة، بحجة أن مصالح الصهاينة فيها.

فشل الغرب في كسب احترام تل أبيب

وتزامنا مع مشروع القرار الذي طرحته الدول العربية، على الجانب الآخر، قدمت أمريكا وحلفاؤها، الذين شعروا بالتهديد من العواقب السياسية ورسالة التصويت الحاسم للجمعية العامة لمصلحة فلسطين، مشروع آخر لقرارهم وهذا القرار جاء للتعويض عن هذا الفشل وإضافة الدعم للكيان الصهيوني.

وفي هذا الصدد، قدمت كندا، بدعم من الولايات المتحدة، تعديلاً على القرار الذي اقترحه العرب، ودعت إلى إدانة “هجمات حماس الإرهابية واحتجازهم الرهائن”، لكن هذه الخطة لم تحصل إلا على 88 صوتاً مؤيداً، وامتناع 23 عن التصويت، ولإقرار هذا التعديل كان لا بد من الحصول على ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العمومية البالغ عددهم 193 عضوا، وهو ما فشل في هذه الخطة.

وأمريكا تعلم جيداً أنها لا تستطيع أن تقلب رأي الدول ضد جرائم “إسرائيل”، لكنها مع ذلك قامت بمغامرة سياسية من أجل تقليل فعالية القرار العربي على الأقل، لكنها لم تنجح بعد، وكما كان الحال في الماضي، فإن معظم الدول لا تتفق مع السياسات الأمريكية في الأمم المتحدة، وتعود هذه القضية إلى تراجع مكانة واشنطن في العالم، التي خسرت لعبة التناغم ضد منافسين مثل روسيا والصين في العامين الماضيين.

وحتى الآن تعتبر أمريكا التي تدعم الكيان الصهيوني رسميا ماليا وعسكريا شريكة لهذا الکیان في قتل شعب غزة الأعزل، وخاصة الأطفال والنساء، الذين هم الضحايا الرئيسيون لهذه الجرائم.

وأظهر موقف أعضاء الأمم المتحدة الداعم للشعب الفلسطيني أن الدعم الواسع الذي تقدمه الولايات المتحدة لا يمكن أن يوقف الموجة التي تنطلق ضد جرائم إسرائيل الشنيعة في العالم، وأي دولة تدعم جرائم الصهاينة في غزة والضفة الغربية، سوف تفقد سمعتها.

والآن، فإن طرف هجوم الاحتجاجات الدولية الداعمة لفلسطين يتجه في معظمه نحو قادة البيت الأبيض الذين أعطوا الصهاينة الضوء الأخضر لقتل أهل غزة، وبينما يواصل الکیان الصهيوني آلة القتل في غزة بدعم مطلق من الغرب، فإن استمرار هذه الجرائم سيسرع من عزلة هذا الکیان في العالم ويؤدي إلى غرق الصهاينة خلف الأسوار الأمنية للأراضي المحتلة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق