سلاح المقاطعة شبح يخيم على الاقتصاد الإسرائيلي
في ظل العدوان الغاشم وتداول صور توثق جرائم الاحتلال، ظهرت المقاطعة حركةً شعبية رافضة للانتهاكات الصارخة وسرعان ما تطورت لتصبح دعوة للاستغناء نهائيا عن المنتجات الإسرائيلية والداعمة لـ”إسرائيل”، ما ساهم بشكل فعال في تشكيل وعي وقدرة على تدمير اقتصادهم.
في موازاة ذلك، بدت سلاسل تجارية كبيرة وغيرها من مقدمي الوجبات السريعة التي تعود ملكيتها لشركات غربية خالية بشكل ملحوظ من المستهلكين والرواد، على خلاف العادة قبل أقل من شهر، كما بات مألوفا رؤية مواطنين يبحثون عبر تطبيقات الهاتف المحمول عن أصل منتج ما باستخدام الباركود.
فاعلية المقاطعة إذا ما أحسن تطبيقها
تشير الإحصاءات إلى أن حجم صادرات أمريكا للدول العربية والإسلامية بلغ نحو 150 مليار دولار وأن حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والدولة العربية والإسلامية يزيد على 300 مليار دولار خلال العام 2022 كما أن الصادرات الأوروبية إلى الدول العربية تعادل 3.7% من الصادرات الأوروبية الكلية وأن ربع صادرات “إسرائيل” العسكرية اقتنتها الدول العربية بحوالي ثلاثة مليارات دولار.
ويرى خبراء اقتصاديون أن دعوات المقاطعة الشعبية للدول العربية والإسلامية لواردات الدول الداعمة لـ”إسرائيل” كأمريكا وكندا والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول اعتراضًا على الهجوم الوحشي لقوات الاحتلال على سكان غزة ومحاولة الإبادة والتهجير لهم يمكنها أن تكبد الدول المؤيدة للعدوان خسائر تصل إلى 2 تريليون دولار إذا ما أحسن تطبيقها.
المقاطعة فرصة لنهضة إنتاجية محلية
وفي حين كانت عملية المقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى” كابوسا أفزع “إسرائيل”، في صبيحة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ردت عليه بـ”جرائم حرب” بحق المدنيين في قطاع غزة، أفاض “الطوفان” الفلسطيني بردا وسلاما على الصناعة الوطنية في عديد من الدول، فبدأ المنتج المحلي يستعيد ثقة المستهلكين، ممن رفعوا شعارات “قاطع” و”شجع منتج بلدك”
كما أن المقاطعة تعمل على جذب استثمارات أجنبية مباشرة في مجالات الصناعات التي حققت رواجا وأرباحا من أجل الاستفادة من الأرباح، وهي تشجع الصناعة والصناع المحليين ورأس المال الوطني في تلبية احتياجات السوق من المنتجات التي تمت مقاطعتها، علاوة على أن الاستثمارات المحلية تولد إلى جوار المصانع مجموعة كبيرة من المنافع والشركات المغذية والأنشطة المساعدة.
ويرى خبراء اقتصاديون أن تأثير المقاطعة إيجابي في الاقتصاد حيث سيعمل على دعم المنتج المحلي وتوطين لصناعة وزيادة الصادرات والدخل القومي والاحتياطي النقدي الأجنبي وينعش العملة المحلية ويخفف الضغط على الدولار.
حملات مقاطعة رسمية
لاقت الحملة الكويتية للمقاطعة تحت شعار” هل قتلت اليوم فلسطينياً” رواجاَ واسعا ، حيث جاءت رسالة الحملة على شكل سؤال هو “هل قتلت اليوم فلسطينيا؟” وأسفله وسم “#مقاطعون” مصحوبا بصور لأطفال غزة تعكس معاناتهم جراء العدوان، وهي الرسالة التي تفاعل معها الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وهو “ما يجعلها تستفز الهمم، إذ يشعر من يقرؤها بفداحة ما يرتكبه من جُرم بحق الضحايا جراء شراء منتجات شركات تشارك في قتل الأبرياء في وقت تكثر فيه البدائل الأخرى للمنتجات نفسها”.
وفي السياق ذاته دعا نشطاء إندونيسيون إلى مقاطعة ما يصفونها بالمنتجات الداعمة لـ”إسرائيل”، في بادرة إنسانية للضغط على “إسرائيل”، وتشمل الشركات المدرجة في القائمة السوداء والتي لها علاقات مزعومة بـ”إسرائيل”، علامات تجارية بارزة مثل كوكا كولا وستاربكس وماكدونالدز وكنتاكي ونستله وIBM.
وقال أمين أك، عضو البرلمان الإندونيسي، لـRepublika يوم الأربعاء الماضي: “نحن في مجلس النواب نشجع حركة المقاطعة هذه للمنتجات الإسرائيلية لتصبح الموقف الرسمي للحكومة الإندونيسية الذي يجب أن تتبعه جميع الشركات والمجتمع”.
وفي وقت سابق، قام البرلمان التركي بإزالة منتجات كوكا كولا ونستله من مطاعمه بسبب دعمها المزعوم لـ”إسرائيل”، وفقا لبيان للبرلمان، وجاء في البيان: “تقرر عدم بيع منتجات الشركات التي تدعم إسرائيل في المطاعم والمقاهي في حرم البرلمان”.
من جانبها أصدرت 51 شخصية دينية وفكرية بالجزائر يتقدمهم عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فتوى بعنوان “وجوب المقاطعة الاقتصادية للشركات الداعمة للكيان الصهيوني”.
ويقول هؤلاء الدعاة: إننا إذ نفتي بوجوب المقاطعة الاقتصادية لداعمي الكيان الصهيوني نؤكد أن هذه الوسيلة لا تعفي الدول الإسلامية وشعوبها من وجوب بذل وسائل الردع والمقاومة المكافئة للعدوان، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، واجتماعيا، فإن تفاعل دول المسلمين وشعوبهم مع هذه المعركة الفاصلة في تاريخ الأمة، وفي مصير القضية الفلسطينية باهت وضعيف، وهو دون الواجب بكثير”.
ومن جانب آخر دعت “حركة مقاطعة إسرائيل” بالمغرب، إلى الاستمرار بالمقاطعة مع فرض عقوبات؛ فيما نظمت عدداً من الوقفات أمام متاجر كبرى بالمغرب تابعة لدول أجنبية تدعم “إسرائيل.”
ودعت الحركة إلى مواصلة كل أشكال الدعم للمقاومة ولنضال الشعب الفلسطيني، من أجل تحقيق حقوقه المشروعة في تقرير مصيره وإطلاق سراح الأسرى وعودة اللاجئين إلى أراضيهم.
وفي بنغلادش قال وزير خارجية بنغلاديش أبو الكلام عبد المؤمن إن الوقت قد حان لمقاطعة “إسرائيل” ومنتجاتها من قبل جميع الأمم والأديان، وخاصة الأمة الإسلامية وأهل الشرف والكرامة الإنسانية.
وفي الأردن ما إن بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى انطلقت في الأردن الحملات الداعية لمقاطعة الشركات والمنتجات الأمريكية والإسرائيلية، مشهد ظهر جليا في انحسار الإقبال على العديد من المطاعم والمقاهي التي أصبحت شبه خالية من روادها حيث أدت حملات المقاطعة للشركات والمطاعم الأمريكية في الأردن، التي أعلنت عن دعمها لجيش الاحتلال الإسرائيلي مع بداية العدوان على غزة، أدت إلى خفض مبيعاتها إلى ما نسبته 80%.
إنجازات حركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS)
حركة مقاطعة “إسرائيل” هي حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وهنا نستعرض أبرز 18 مؤشراً لتنامي تأثير الحركة حتى منتصف هذا العام:
1- رضوخاً لضغوط (BDS)، شركة (G4S ) الأمنية تسحب استثماراتها بالكامل من نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، بعد 13 عامًا من حملات المقاطعة الدؤوبة بدعم من المناصرين والشركاء حول العالم.
2- جمّدت رئيسة بلدية برشلونة العلاقات مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي بما يشمل إلغاء اتفاقية التوءمة مع بلدية تل أبيب، ما لاقى دعماً عالمياً من قبل أكثر من 54 شخصية بارزة من ضمنهم حائزون/ات على جائزة نوبل، ونجوم هوليوود، وكتّاب، بالإضافة إلى أفراد وجماعات يهودية تقدمية من 15 دولة حول العالم.
3- أعلنت العاصمة النرويجية أوسلو، حظر استيراد سلع وخدمات الشركات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في المستعمرات الإسرائيلية، كونها تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
4- أعلنت مدينة لييج البلجيكية قطع جميع العلاقات مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني.
5- أعلنت بلدية بيليم البرازيلية نفسها منطقة خالية من الأبارتهايد الإسرائيلي (Apartheid Free Zone).
6- قرر مجلس مدينة فيرفييه البلجيكية قطع جميع العلاقات مع نظام الأبارتهايد الإسرائيلي تضامناً مع الشعب الفلسطيني.
7- على الرغم من نفاق الفيفا وحرمانها استضافة البطولة، أكدت إندونيسيا على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية وألغت مشاركة الفريق الإسرائيلي في بطولة كأس العالم لكرة القدم تحت 20 سنة للرجال، بينما رفض حاكم مقاطعة “بالي” استقبال الفريق الإسرائيلي.
8- أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS)، بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ومنظمات حقوق الإنسان، دعوة تاريخية لمناهضة نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ولتكثيف الضغط العالمي، لما في ذلك حملات المقاطعة BDS، من أجل تفكيك هذا النظام.
9- أطلقت النقابات العمّالية والزراعية والمهنية الفلسطينية نداءً يحث جميع نقابات العمال واتحاداتهم والنقابات المهنية في جميع أنحاء العالم على الإسهام في حركة مناهضة الأبارتهايد التي يقودها الفلسطينيون.
10- أعلن الاتحاد الكندي للموظفين العموميين (CUPE Manitoba)، الذي يمثل 37,000 عامل/ة، دعمه لحركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS) لإنهاء الأبارتهايد الإسرائيلي والجرائم الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.
11- قرر اتحاد الرجبي في جنوب أفريقيا سحب دعوته لفريق “تل أبيب هيت” الإسرائيلي للمشاركة في بطولة “مزانسي”، ويأتي هذا القرار استجابة لضغوط تحالف حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا الذي طالب الاتحاد بإلغاء هذه الدعوة.
12- أغلقت بعض شركات التكنولوجيا الأمريكية أعمالها في دولة الاحتلال، وذلك على غرار عمالقة التكنولوجيا الإسرائيليين الذين نقلوا أعمالهم إلى الخارج، ما زاد من تقويض ثقة المستثمرين في الاقتصاد الإسرائيلي المتأرجح.
13- إلغاء معرض لجامعات إسرائيلية في جامعة “يونيكامب” البرازيلية إثر مطالبات مؤسسات المجتمع المدني البرازيلي المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطينيّ.
14- ألغى مهرجان إنديغو الموسيقي فعاليته في سيناء بعد ضغوط شعبية قادتها الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة “إسرائيل” (BDS) مصر، بسبب مشاركات إسرائيلية في المهرجان والتي تشكل انتهاكاً لمعايير مناهضة التطبيع الثقافية.
15- ألغى الفنان الحائز على جائزة “جرامي” وجائزة “بريت”، سام سميث، عرضه الذي كان من المقرر عقده في تل أبيب بعد ضغوط آلاف النشطاء والناشطات من حول العالم.
16- أنهى مهرجان “Balkan Trafik” في بلجيكا شراكته مع إسرائيل.
17- في إنجاز كبير داخل الحقل الفني: رداً على إضراب الفنانين/ات ضد متحف “كياسما للفن المعاصر” الفنلندي بسبب تواطؤه في دعم نظام الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي، وافق المتحف الوطني الفنلندي على صياغة إرشادات أخلاقية جديدة للمتحف تمنع هذا التواطؤ.
والإنجاز الأخير لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات أكّد أنّه بعد عام من مبادرة المواطنين الأوروبيين (ECI) لحظر التجارة مع المستعمرات الإسرائيلية، قررت لجنة البرلمان الأوروبي بشأن الالتماسات بالإجماع أنّ المفوضية الأوروبية يجب أنْ تستجيب لمطالب وقف التجارة مع المستعمرات الإسرائيلية غير الشرعية.
ختام القول، أثبت سلاح المقاطعة الشعبية الاقتصادية فعاليته وأنه أداة من أهم أدوات الشعوب لكبح جماح وأطماع الدول الكبرى وجعلها تخضع للقانون الدولي واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها.
المصدر/ الوقت